الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وآخرهم شرحاً له هو الحسن بن حامد (403 هـ)، وهو خاتمة رجال هذا الدور.
رابعاً - التآليف الجزئية المفردة
وذلك في موضوعات مختلفة متناثرة من أصول الدين وفروعه.
وذلك كـ"الرد على الجهمية"، و"الناسخ والمنسوخ"، و"الفرائض"، و"أحكام النساء"، و"إبطال الحيل"، و"أركان الإسلام"، و"أحكام أهل الذمة"، و"الخصال والأقسام"، و"المناسك"، و"الحمام"، و"الغناء والملاهي"، وغير ذلك.
وتكون هذه الطريقة البديعة عند علماء الحنابلة المتقدمين خصيصة من خصائص المذهب، ومناهج التأليف فيه، فإن إفراد المسائل والموضوعات العلمية بالبحث مفيد جداً، كما هو الآن في البحوث والرسائل الجامعية، فهي سنة الحنابلة، وإن كانت موجودة عند غيرهم، لكنها ليست بالقدر الذي عرف عند الحنابلة من الإتساع والتفنن.
بالإضافة إلى ذلك فإننا نجد تلك العناوين الجزئية في المباحث المختلفة المفردة قد تكررت عند المتوسطين والمتأخرين، مما يدل على أن المذهب الحنبلي حافظ على هذه المزية على اختلاف الأزمنة والأعصار.
خامساً - الكتابة في أصول الفقه الحنبلي
تكاد تكون مباحث علم الأصول عند الحنابلة خلال هذا الدور مبثوثة في كتبهم الفقهية المطولة والجامعة، شأن كل علم في نشأته وبداية تأسيسه.
فهناك من كان يلقي على تلامذته الأصول العامة لمذهب الإمام أحمد في اعتبارها وترتيبها، وذلك كما روى الفضل بن زياد القطان عن أبي طالب - صاحب الإمام أحمد- أنه أملى عليه ما يلي: "قال أبو عبد الله: إنما على الناس اتباع الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة صحيحها من سقيمها. ثم يَتبعها إن لم يكن لها مخالف، ثم بعد ذلك قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر، وأئمة الهدى يُتَّبعون على ما قالوا، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يخالفون، إذا لم يكن بعضهم لبعض مخالفاً، فإذا اختلفوا، نظر في الكتاب، فأي قولهم كان أشبه بالكتاب أخذ به، أوكان أشبه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ به، فإن لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نظر في قول التابعين، فأي قولهم كان
أشبه بالكتاب والسنة أخذ به، وترك ما أحدث الناس بعدهم" (1).
ونجد في كتاب "الرد على أهل الإلحاد" لأبي بكر الأنباري بحثًا في المحكم والمتشابه، أفاد منه القاضي أبو يعلى (458 هـ) في كتابه "العدة"، كما أفاد أيضًا فيه من كتاب "القدر" لغلام الخلال في مسألة صيغة الأمر هل هي للوجوب أو لا؟ وأفاد من كتاب "التفسير" لنفس المؤلف في: أسماء الأشياء هل حصلت عن توقيف أو عن مواضعة؟ ومسألة اقتضاء الأمر المجرد عن القرائن للوجوب، ومسألة وقوع المجاز في القرآن، كما أفاد من كتابه "التنبيه" في بحث مسألة وجوب العمل بالعام قبل البحث عن المخصص، وأفاد من
كتابه "الشافي" في مسألة مروية عن الإمام أحمد في أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بواجب (2).
إلى جانب ذلك نجد بعض المصنفات المخصصة لأصول الفقه أو التي غلب عليها مباحث هذا الفن، منها ما هو كلي جامع، ومنها ما هو جزئي مفرد.
فمن ذلك: كتاب "العلم" لأبي بكر الخلال (311 هـ) فإنه هو وكتاب "السنة" صنوان، بين في الأول أصول الإمام أحمد في الفقه، ويين في الثاني أصوله في العقيدة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "
…
"السنة" وهو أجمع كناب يذكر فيه أقوال أحمد في مسائل الأصول الدينية، وإن كان له أقوال زائدة على ما فيه، كما أن كتابه في "العلم" أجمع كتاب يذكر فيه أقوال أحمد في الأصول الفقهية" (3).
وفي ترجمة إلي إسحاق ابن شاقلًا يقول ابن إلي يعلى: "كثير الرواية، حسن الكلام في الأصول والفروع"(4). وهذا يعني أن له عناية بالأصول.
وفي ترجمة أبي الحسن التميمي، قال ابن أبي يعلى:"وصنّف في الأصول والفروع والفرائض"(5).
وفي ترجمة أبي الحسن الجزري البغدادي قال: "كان له قدم في المناظرة ومعرفة
(1) الطبقات 2/ 1516.
(2)
العُدة في أصول الفقه 1/ 192، 216، 230؛ و 2/ 526، 689، 697؛ و 3/ 749.
(3)
مجموع الفتاوى 7/ 390. وينظر الجزء الثاني من هذا الكتاب (ص 32) للتحقيق في موضوع كتاب "العلم".
(4)
الطبقات 2/ 128.
(5)
المصدر السابق 2/ 139.
الأصول والفروع" (1).
وقد نقل القاضي أبو يعلى عنه في تخصيص العموم بالقياس، فقال: "وقع إلي جزء فيه مسائل في أصول الفقه، إملاء أبي الحسن الجزري، وذكر فيه هذه المسألة، وحكى فيها خلافاً بين أصحابنا، واختار أبو الحسن: أنه لا يجوز تخصيصه بالقياس، وذكر فيها كلاماً كثيرًا (2).
وقد مّر معنا في ترجمة منقح المذهب الحسن بن حامد رحمه الله أن من جملة مؤلفاته كتاب "شرح أصول الفقه".
على أن الذي يطالع كتاب "العدة في أصول الفقه" للقاضي أبي يعلى (458 هـ) يستطيع أن يعتبره أول كتاب صدر للحنابلة في أصول الفقه بمباحثه الكاملة وتحرراته المنهجية المقارنة، والدليل على ذلك أنه بناه على "أصول الجصاص" الحنفي و"المعتمد" لأبي الحسين البصري المعتزلي الشافعي، وذلك يدل دلالة واضحة أنه لم يكن بين يديه كتاب حنبلي ينسج على منواله، وهذا من ناحية المنهج والمسلك في الإستدلال والمناقشة، أما مادته العلمية فقد استقاها من كتب المذهب التي وصلت إليه، وهي في عامتها متنوعة وجامعة للفقه والأصول والعقيدة وغير ذلك، كما سبق وصفها.
ويالتالي يكون القاضي أبو يعلى رحمه الله جامعا ومحرراً لأصول المذهب الحنبلي، كما أن الخلال وابن حامد جمعا الفروع وحرراها التحرير الأولي المبكر، والقاضي أبو يعلى يعتبر من رجالات الدور اللاحق، إلا أن البحث اقتضانا أن نعطف عليه بما تقدم من الكلام لاستكمال التوضيحات اللازمة في موضوع كتابة الحنابلة في أصول الفقه الإسلامي في الدور الثاني من أدوار تاريخ هذا المذهب السَّني.
* * *
(1) المصدر السابق 2/ 167.
(2)
العُدّة في أصول الفقه 2/ 563.