المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - ابن المني (501 - 583 ه - المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته - جـ ١

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌أولًا - كلمة "مذهب

- ‌1 - المذهب لغة:

- ‌2 - المذهب عرفًا:

- ‌3 - المذهب اصطلاحًا:

- ‌ثانيًا - نشأة المذاهب الفقهية وسببها:

- ‌ثالثًا - أهمية المذاهب الفقهية في خدمة الشريعة الإسلامية:

- ‌الفصل الأولفي سيرة الإمام أحمد وعلمه

- ‌المبحث الأولالحياة السياسية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيالحياة الثقافية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الثالثالحياة الإجتماعية في عصر الإمام أحمد

- ‌المبحث الرابعسيرة الإمام أحمد

- ‌الطور الأولالنشأة والطفولة

- ‌الطور الثانىطلبه للعلم والرحلة فيه

- ‌الطور الثالثحياة الإمام أحمد في بغداد إلى بداية المحنة

- ‌الطور الرابعالمحنة أسبابها. مراحلها. نتائجها

- ‌أسباب المحنة

- ‌مراحل المحنة

- ‌المرحلة الأولىالمحنة في زمن المأمون

- ‌المرحلة الثانيةالمحنة في زمن المعتصم

- ‌المرحلة الثالثةالمحنة في زمن الواثق

- ‌نتائج المحنة

- ‌المبحث الخامس‌‌وفاة الإمام أحمدومجمل مناقبه وعلمه

- ‌وفاة الإمام أحمد

- ‌مجمل مناقب الإمام أحمد وصفاته:

- ‌علم الإمام أحمد

- ‌أولاً: شهادة الناس له بالعلم:

- ‌ثانياً. في الرواية عنه:

- ‌ثالثاً: في مؤلفاته:

- ‌ما نسب إلى الإمام أحمد من كتب:

- ‌رسائل الإمام أحمد

- ‌المسندديوان السنة النبوية

- ‌ تاريخ تأليف المسند:

- ‌ وصف المسند:

- ‌ رواية المسند:

- ‌ منزلة المسند بين كتب الحديث:

- ‌ الأعمال التي تمت على المسند:

- ‌1 - غريب الحديث، لغلام ثعلب (261 هـ - 345 ه

- ‌2 - ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج لهم أحمد بن حنبل في "المسند" لإبن عساكر (499 هـ - 571 ه

- ‌3 - خصائص المسند، للحافظ أبي موسى المديني (501 هـ -581 ه

- ‌5 - التذكرة في رجال العشرة، لإبن حمزة الحسيني (715 هـ - 765 ه

- ‌6 - الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذُكر في تهذيب الكمال:

- ‌8 - ترتيب المسند، لأبي بكر بن المحب (712 هـ - 789 ه

- ‌9 - ترتيب المسند، لإبن زريق (ت 803 ه

- ‌10 - إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لإبن الملقن (723 هـ -804 ه

- ‌11 - مختصر المسند

- ‌12 - غاية المقصد في زوائد المسند، للهيثمي (735 هـ - 807 ه

- ‌13 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌14 - جزء للحافظ الهيثمي:

- ‌15 - ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم، للمقدسي (ت 820 ه

- ‌16 - ذيل الكاشف، لإبن العراقي (762 هـ - 826 ه

- ‌17 - المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن الجزري (751 هـ - 833 ه

- ‌18 - المقصد الأحمد في رجال أحمد

- ‌19 - المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد

- ‌20 - ترتيب المسند المسمى "الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري"، لإبن زكنون (758 هـ - 837 ه

- ‌21 - زوائد المسانيد المسمى بـ: "إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة" للبوصيري (762 هـ - 840 ه

- ‌22 - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، للحافظ ابن حجر العسقلاني (773 هـ - 852 ه

- ‌23 - إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي:

- ‌24 - تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة:

- ‌25 - التعريف الأجود بأوهام من جمع رجال السند:

- ‌26 - الذيل الممهد على القول المسدد، للسيوطي (ت 911 ه

- ‌27 - عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد:

- ‌29 - شرح المسند، للشيخ أبي الحسن السندي (ت 1139 ه

- ‌30 - نفثات الصدر المُكْمَد وقرّة عين السعد بشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، للسفاريني (1114 هـ - 1189 ه

- ‌31 - ذيل القول المسدد، لمحمد صبغة الله المدراسي:

- ‌32 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للساعاتي (ت 1378 ه

- ‌33 - بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني:

- ‌34 - تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر للمسند:

- ‌35 - الموسوعة الحديثية الكبرى:

- ‌دعوى كون الإمام أحمد محدثًا غير فقيهٍ والرَّد عليها:

- ‌الفصل الثانيفي أدوار المذهب ومواطن انتشاره

- ‌الدور الأولالنشأة والتأسيس

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولوصف عام لأصحاب الإمام أحمد

- ‌المبحث الثانيفي التعريف بأصحابه الذين سمعوا منه ورووا فقهه

- ‌تصنيف رواة المسائل عن الإمام أحمد:

- ‌التعريف بأشهر أصحاب الإمام أحمد

- ‌1 - إبراهيم الحَرْبي (198 هـ - 285 ه

- ‌2 - إسحاق بن إبراهيم بن هانئ (218 هـ - 285 ه

- ‌3 - أحمد بن حُميد (أبو طالب) (؟ - 244 ه

- ‌4 - أحمد المرّوذي (؟ - 275 ه

- ‌5 - أحمد الأثرم (؟ - 273 ه

- ‌6 - إسحاق الكَوْسَج (170 هـ - 251 ه

- ‌7 - حرب الكرماني (؟ - 280 ه

- ‌8 - حنبل بن إسحاق (؟ - 273 ه

- ‌9 - سليمان بن الاشعث أبو داود (202 هـ - 275 ه

- ‌10 - صالح بن الإمام أحمد (203 هـ - 266 ه

- ‌11 - عبد الله بن الإمام أحمد (213 هـ - 290 ه

- ‌12 - عبد لله بن محمد (فوران) (- 256 ه

- ‌13 - عبد الملك الميموني (- 274 ه

- ‌14 - مُهَنّا بن يحيى الشامي:

- ‌الدور الثانيالنقل والنمو

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولمميزات هذا الدور

- ‌المبحث الثاني‌‌أشهر علماء هذا الدوروأبرز أعمالهم

- ‌أشهر علماء هذا الدور

- ‌1 - الخلال (311 ه

- ‌2 - ابن المنادي (256 هـ - 336 ه

- ‌3 - أبو بكر النجاد (253 هـ - 348 ه

- ‌4 - الخِرَقي (334 ه

- ‌5 - الآجُرّي (360 ه

- ‌6 - غلام الخلَّال (285 هـ - 3763 ه

- ‌7 - ابن بَطة العُكْبَري (304 هـ - 387 ه

- ‌8 - ابن المُسْلِم (387 ه

- ‌9 - الحسن بن حامد (403 ه

- ‌أبرز أعمال علماء هذا الدور

- ‌أولاً - الجمع للمسائل

- ‌ثانياً - الإختصار الفقهي

- ‌ثالثا - شروح المختصرات

- ‌رابعاً - التآليف الجزئية المفردة

- ‌خامساً - الكتابة في أصول الفقه الحنبلي

- ‌الدور الثالثالإنتشار - الإزدهار - الإستقرار

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولالمذهب في العراق

- ‌1 - القاضي أبو يَعْلى (380 - 458 ه

- ‌2 - أبو الخَطّاب (432 - 510 ه

- ‌3 - ابن المَنِّي (501 - 583 ه

- ‌المبحث الثانيالمذهب في حَرَّان

- ‌آل تيمية وجهودهم في خدمة المذهب الحنبلي:

- ‌المبحث الثالثالمذهب في بلاد الشام

- ‌المقادسة وجهودهم

- ‌نتائج جهود المقادسة

- ‌أشهر الفقهاء الشاميين الذين خدموا المذهب:

- ‌ موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي (541 - 620 ه

- ‌ شمس الدين ابن مفلح (712 - 763 ه

- ‌ علاء الدين المرداوي (817 - 885 ه

- ‌حالة المذهب الحنبلي بعد المقادسة

- ‌الشيخ عبد القادر ابن بدران (1280 - 1346 ه

- ‌المبحث الرابعالمذهب في مصر

- ‌1 - ابن النجار الفُتُوحي (898 هـ - 972 ه

- ‌2 - منصور بن يونس البُهُوتي (1000 - 1051 ه

- ‌المبحث الخامسالمذهب في الجزيرة العربية

- ‌ الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة (948 ه

- ‌ الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان (1099 ه

- ‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته

- ‌نتائج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌1 - الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1165 - 1244 ه

- ‌2 - الشيخ عبد لله بن عبد الرحمن الملقب بـ "أبا بُطين" (1194 - 1282 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسن أل آلشيخ (1193 - 1285 ه

- ‌أثر الملكة العربية السعودية في ازدهار الفقه الحنبلي

- ‌خلاصة ما تمّ في المملكة العربية السعودية من جهود في خدمة المذهب الحنبلي

- ‌1 - الشيخ سعد بن حمد بن علي ابن عتيق (1267 - 1349 ه

- ‌2 - الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري (1290 - 1373 ه

- ‌3 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (1307 - 1376 ه

- ‌4 - الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع (1300 - 1385 ه

- ‌5 - الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1311 - 1386 ه

- ‌الفصل الثالثسمات الحنابلة

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولأثر سيرة الإمام أحمد على الحنابلة

- ‌المبحث الثانيالإعتناء بعلوم الحديث الشريف

- ‌المبحث الثالثالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌المبحث الرابعالإتباع للسلف ومناهضة البدع

- ‌المبحث الخامسالحنابلة والسلطة السياسية

- ‌المبحث السادسأضواء على الإجتهاد عند فقهاء الحنابلة

- ‌ تعريف "الإختيارات

- ‌ التأليف في الإختيارات:

- ‌ اختيارات ابن تيمية ومميزاتها:

- ‌ الأسس التي ترتكز عليها اختيارات شيخ الإسلام:

- ‌ مرتبة ابن تيمية في طبقات المجتهدين:

- ‌ منهج ابن تيمية في الفتوى والإجتهاد:

- ‌الفصل الرابعأبرز مؤلفات المذهب الحنبلي

- ‌تَمْهِيدْ

- ‌المبحث الأولفي فنون الفقه التي توزعتها التصانيف

- ‌المبحث الثانيفي ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌كيفية التعرف على كتاب من الكتب الفقهية

- ‌كيفية ترتيب المكتبة الفقهية الحنبلية

- ‌المبحث الثالثفي التعريف بأشهر الكتب المعتمدة في المذهب

- ‌ الجامع للخلال:

- ‌ مختصر الخرقي:

- ‌ الإرشاد إلى سبيل الرشاد:

- ‌ الخلاف الكبير للقاضي أبي يعلى:

- ‌ كتاب الروايتين والوجهين:

- ‌ شرح مختصر الخرقي للقاضي أبي يعلى:

- ‌ الانتصار في المسائل الكبار:

- ‌ المستوعب:

- ‌ المغني:

- ‌ العمدة

- ‌ المقنع

- ‌الكافي

- ‌ المحرر:

- ‌ الفروع:

- ‌الإنصاف

- ‌الإقناع

- ‌ منتهى الإرادات:

الفصل: ‌3 - ابن المني (501 - 583 ه

بالإضافة إلى هذا يعتبر الكلوذاني من الأدباء الشعراء المجيدين، وظف شعره في خدمة العلم، فقد نظم قصيدة دالية في بيان اعتقاده في مسائل الصفات وغيرها. وقد أوردها العليمي (1) كاملة، ومن جملة ما جاء فيها:

قالوا: فتزعم أنْ على العرش استوى

قلت: الصوابُ كذاك أخبر سيدي

قالوا: فما معنى استِواه؟ أبِن لنا

فاجبتهم: هذا سُؤالُ المعتدي

قالوا: فأنت تراه جسمًا قُلْ لنا

قلت: المجسِّم عندنا كالمُلحِدِ

وقد تخرج على يدي أبي الخطاب عدد من أعلام المذهب، منهم: أبو المحاسن هبة الله بن أبي القاسم منصور الحراني، وعبد الوهاب بن حمزة البغدادي، وعلي بن الحسن الدواحي، وأبو بكر أحمد الدينوري، وعبد الله بن هبة الله السامُرّي، وعبد الرحمن الحلواني، وأحمد الأزجي، وعبد القادر الجيلي، وابن الدجاجي، ومسلم ابن ثابت المأموني، وأحمد بن أبي الوفاء البغدادي.

‌3 - ابن المَنِّي (501 - 583 ه

ـ):

نصر بن فِتْيان بن مطر النهرواني. وهو وإن لم يكن معروفا بمؤلفاته، إذ لم يذكر له مترجموه إلا تعليقة كبيرة في الخلاف، فإنه صاحب المنة على كثير من الحنابلة من مختلف البلدان الإسلامية، فقد رحلوا إليه، وتربوا بين يديه، وتلقوا الفقه من لسانه. قال ابن رجب في وصفه:"ناصح الإسلام، وأحد الأعلام، وفقيه العراق على الإطلاق"(2).

وقد صرف همته طول عمره إلى الفقه أصولًا وفروعًا، وطال عمره، وبعُد صيته، وتخرج عليه أئمة كثيرون. قال ناصح الدين ابن الحنبلي -وهو من حنابلة الشام-:

"رحلت إليه فوجدت مسجده بالفقهاء والقراء معمورًا، وكل فقيه عنده من فضله وإفضاله مغمورًا، فأنخت راحلتي بربعه، وحططت زاملة بغيتي على شرعة شرعه، فوجدت الفضل الغزير، والدين القويم المنير، والفجر المستطيل المستطير، والعالم الخبير،

(1) المنهج الأحمد 3/ 58 - 61.

(2)

ذيل طبقات الحنابلة 1/ 358.

ص: 243

فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح، ومنطق بالأذكار قد ذكر ومدح، وبباب إلى كل باب من الخيرات قد شرع وفتح، فتح الله عليه. حفظ القرآن العظيم، وهو في حداثة من سنه، ولاحت عليه أعلام المشيخة، فرجح مَنُّه على كل مَنّ بفضل الله تعالى ومَنّه، ولم ينقل عنه أنه لعب، وَلَاَلهَا، ولا طرق باب طرب ولا مشى إلى لذة ومشتهى" (1).

وقال ابن الحنبلي أيضًا: أفتى ودرّس نحوًا من سبعين سنة، ما تزوج ولا تسرى، ولا ركب بغلة ولا فرسًا

وكان لا يتكلم في الأصول.

ويهذا تدرك السر الذي لأجله كثر تلاميذ هذا الشيخ وذاعت أخباره ورحل إليه الرجال من الآفاق.

فمن تلامذته البغداديين:

أبو بكر الحلاوي، وقاضي القضاة نصر بن عبد الرزاق، حفيد الشيخ عبد القادر الجيلي.

ومن تلامذته الشامين:

الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي، والحافظ عبد الغني المقدسي، وكلاهما غني عن التعريف، ومنهم الناصح ابن الحنبلي.

ومن تلامذته الحرانيين:

الشيخ المفسر فخر الدين ابن تيمية، والموفق ابن صديق، ونجم الدين ابن الصيقل.

قال الناصح بن الحنبلي: "وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه".

(1) ذيل طبقات الحنابلة 1/ 359، المنهج الأحمد 3/ 295. وننبه القارئ الكريم إلى أن طبقات الحنابلة وذيله مطبوعان طباعة سيئة مليئة بالتحريفات والتصحيفات وبعض السقط مما يوجب التأكد من المعلومات في المصادر الأخرى.

ص: 244

وعقب ابن رجب على ذلك، فقال:"وإلى يومنا هذا الأمر على ذلك، فإن أهل زماننا، ومن قبلهم إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: موفق الدين المقدسي، ومجد الدين ابن تيمية الحراني. فأما الشيخ موفق الدين، فهو تلميذ ابن المنّي، وعنه أخذ الففه، وأما ابن تيمية فهو تلميذ نلميذه أبي بكر محمد بن الحلاوي"(1).

4 -

ابن الجَوزي (2)(509 - 597 هـ):

هو الشيخ العلامة، الحافظ، المفسر، شيخ الإسلام، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد. ينتهي نسبه إلى خليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه - (3).

ولد في بغداد سنة (509 هـ) ونشا فيها وتعلم حتى برع في كثير من الفنون والعلوم، وصار شيخ وقته، وواعظ زمانه.

وكان مولده بدرب حبيب -محلة ببغداد- وتوفي أبوه وهو صغير لا يتجاوز الثالثة من العمر، فقامت على رعايته وكفالته أمه وعمته، وكانت عمته جاهدة حريصة على تعليمه وتحفيظه، فحملته عند ترعرعه إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر، فاعتنى به وأسمعه الحديث (4). وهكذا أخذ يتدرج ويتقدم في العلوم حتى نضج واكتمل وبرع، ومالت نفسه إلى الوعظ منذ صغره، فلهج به وهو مراهق، ووعظ الناس وهو صبي.

وبدأ مسيرته العلمية سنة (516 هـ)، وقد تحدث هو بنفسه عن تلك البداية في مقدمة مشيخته فقال:

"حملني شيخنا ابن ناصر إلى الأشياخ في الصغر، وأسمعني العوالي، وأثبت

(1) الذيل 1/ 360، المنهج الأحمد 3/ 296.

(2)

اختلف في هذه النسبة إلى ماذا تكون؛ فقيل: إلى محلة بالبصرة تعرف باسم "الجوزة"، وقيل: إلى شجرة الجوز، وذلك أنه كانت بداره في واسط جوزة، لم يكن بواسط جوزة سواها. السير 21/ 372، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 400.

(3)

السير 21/ 365، وذيل طبقات الحنايلة 1/ 399.

(4)

السير 21/ 368، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 401.

ص: 245

سماعاتي كلها بخطه، وأخذ لي إجازات منهم. فلما فهمت الطلب كنت ألازم من الشيوخ أعلمهم، وأوثر من أرياب النقل أفهمهم، فكانت همتي تجويد العُدد لا تكثير العدد. ولما رأيت من أصحابي من يؤثر الإطلاع على كبار مشايخي ذكرت عن كل واحد منهم حديثًا" (1).

وكانت بغداد إلى ذلك الوقت لا تزال عاصمة العلم يجتمع فيها الجهابذة في كل فن، فكان ذلك نعمة على ابن الجوزي وفضلًا من الله، إذ إنه لم يحتج إلى أن يرحل في طلب العلم، فالشيوخ بين يديه تزخر بهم بغداد في كل فن، فجعل يختار منهم الأعلم والأفهم، ومع هذا الإنتقاء فقد حصلت له مشيخة حافلة تنوف على الثمانين شيخًا (2)، ومن أشهر هؤلاء الشيوخ:

- أبو بكر الدينوري الحنبلي، وهو شيخه في الفقه والخلاف والجدل والأصول.

- القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى الفراء. وهو شيخه في الفقه.

- أبو حكيم النهرواني. وهو شيخه في الفقه أيضًا.

- أبو الحسن بن الزاغوني. أخذ عنه الفقه والوعظ.

- سبط ابن الخياط. وهو شيخه في القرآن.

- أبو منصور الجواليقي. وهو شيخه في اللغة والأدب.

فهؤلاء الأئمة اجتمعوا على تكوين ثقافة ابن الجوزي وتعاونوا على تثقيف قلبه وعقله ولسانه، وانضاف إلى ذلك ما كان متوفرًا بين يديه من الكتب التي كانت موقوفة على المدارس آنذاك، إلى جانب حصافة في الذهن وحذاقة في الفكر وذاكرة عجيبة تحفظ ما يستودع فيها. وكان يثابر على طلب العلم بنهمة لا تنقطع.

وهكذا حتى جاءت مرحلة النضج سريعة مبكرة، فصار الفتى شيخًا مصنفًا وهو في ريعان شبابه، فقد صنف وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة (3)، وكان شيخه وشيخ الحنابلة في وقته؛ أبو حكيم النهرواني، قد أسند إليه إعادة دروسه في المدارس التي وكان يتولاها (4).

(1) ذيل طبقات لحنابلة 1/ 401.

(2)

السير 21/ 366، الذيل 1/ 401.

(3)

الذيل 1/ 400.

(4)

الذيل 1/ 404.

ص: 246

ونبغ ابن الجوزي في كثير من الفنون والعلوم، له المشاركة الواسعة، فكان بحرًا في التفسير، علّامة في السِّير والتاريخ، موصوفًا بحسن الحديث ومعرفة فنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماع والإختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكباب على الجمع والتصنيف، مع التصوّن والتجمل، وحسن الشارة ورشاقة العبارة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام (1).

وقد أورث لنا ابن الجوزي مكتبة لا يزال الزمان يتحدث بها إلى اليوم في كثرتها وتنوعها، كشف عنها بالتفصيل مطبوعًا ومخطوطًا ومفقودًا الأستاذ عبد الحميد العلوجي، فبلغ (574) عنوانًا، المطبوع منها (66)، والمخطوط منها (166) عنوانًا، والباقي مفقود (2).

ومن تلك المصنفات الكثيرة والمتنوعة نجد مجموعة تختص بخدمة الفقه الإسلامي والمذهب الحنبلي في أصوله وفروعه.

وإليك جريدة بأسماء بعض تلك الكتب مع وضع علامة (ط) أمام المطبوع، وعلامة (خ) أمام المخطوط، وعلامة (ف) أمام المفقود.

1 -

أحكام النساء. (ط).

2 -

الإنصاف في مسائل الخلاف. (ف).

3 -

إيثار الإنصاف وآثار الخلاف. (خ).

4 -

تعظيم الفتوى (خ).

5 -

تقرير القواعد وتحرير الفوائد. (خ).

6 -

الدلائل في منثور المسائل (ف).

7 -

السر المصون في الفرائض. (ف).

8 -

العدة في أصول الفقه (ف).

(1) السير 21/ 367.

(2)

مؤلفات ابن الجوزي، لعبد الحميد العلوجي، ط. الكويت.

ص: 247

9 -

فتوى فقيه العرب. (ف).

10 -

الفرائض للوازم الفقه. (ف).

11 -

فضائل الفقه. (ف).

12 -

لغة الفقه. (ف).

13 -

المَذهب الأحمد في فقه الإمام أحمد. (خ).

14 -

المُذْهَب في المَذْهَب. (ف).

15 -

المعتمد في الأصول. (ف).

16 -

المنفعة في المذاهب الأريعة. (ف).

17 -

منهاج الوصول إلى علم الأصول. (خ).

18 -

التحقيق في أحاديث التعليق. (ط).

19 -

عمدة الدلائل في مشهور المسائل. (ف).

20 -

المسائل المفردة. (ف).

21 -

الخواتيم. (خ).

22 -

مناقب الإمام أحمد بن حنبل (ط).

ولئن لم يكن ابن الجوزي. قد تخصص في خدمة الذهب الحنبلي، كما تخصص القاضي أبو يعلى وأمثاله، فإنه كان إمامًا في الوعظ قدوة في الزهد والورع، يجتمع على مجلسه الألوف، وأوقع الله في القلوب القبول والهيبة. وهو من هذا الجانب، بالإضافة إلى ما خلف من كتب، وتولى من الدارس، وعلم من الطلاب، وتخرج على يديه من أمثال الحافظ عبد الغني وموفق الدين القدسيين، كان بذلك كله مفخرة للحنابلة، فلتة من الزمان رمى الله بها المبتدعة في بغداد وقطع دابرهم بما كان له من الحجة، والمنزلة عند السلطان (1).

توفي رحمه الله ببغداد سنة (597 هـ).

(1) الذيل 403 - 405.

ص: 248

وبعد، فهؤلاء الأريعة الذين عرفنا بهم: أبو يعلى، وأبو الخطاب، وأبو الفتح، وأبو الفرج، هم أساطين المذهب الحنبلي في بغداد خلال قرنين من الزمن (الخامس والسادس). وهذا لا يعني الغض من شأن غيرهم، كإبن عقيل وابن الزاغوني، وأبي حكيم النهرواني، وغيرهم، وهم كثر، ذلك لأن المقصود من هذا البحث هو بيان المسار العام للمذهب، دون الترجمة لأعيانه وفقهائه.

والحقيقة أن المذهب أخذ يتناقص في بغداد بعد ابن المنيّ، الذي يعتبر نقطة انعطاف في تاريخه، وجعل يتقوى في حرّان والشام على وجه الخصوص، كما تنوه كلمة ابن رجب السابقة في ترجمة ابن لمنّي.

ولا يخفى أن بغداد كانت موطنًا للمذهب الشافعي، ولا ريب فقد كانت المساجلات بين المذهبين تقوم من حين إلى آخر في شأن المناظرات الفقهية تارة، وفي شأن العقيدة وأصول الدين تارة أخرى، والسبب في ذلك أن كثيرًا من الشافعية كانوا على مذهب الأشعري في الإعتقاد، فكانت تقع الواقعات بينهم ولين الحنابلة بسبب الخلاف في مسائل الصفات وأخبارها على وجه الخصوص.

ومن تلك المساجلات ما وقع بين ابن القشيري والشريف أبي جعفر، تلميذ القاضي أبي يعلى، وكانت الخلافة إذ ذاك في جانب الحنابلة، والوزارة في جانب الشافعية إلا أن الوزير كان في تلك الأيام قويا نافذًا أمره (1).

بالإضافة إلى ذلك كانت المعتزلة مستمرة الوجود هي الأخرى في عاصمة الخلافة، وكان الحنابلة بالمرصاد في مواجهتها، ودحض شبهها، ومع ذلك فقد كاد يقع بعض كبار رجالاتهم في شركها في أول نشأتهم العلمية، فقد كان ابن عقيل (513 هـ) يتردد في أول أمره على ابن الوليد وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما علم الكلام سرًا، ثم استدرك على نفسه بعد ذلك وأعلن توبته من تلك الأباطيل (2).

(1) تفصيل هذه الواقعة في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 19، والبداية والنهاية 12/ 115 (حوادث سنة 469 هـ). ومع هذا نقد كانت العلاقة بين الحنابلة والشافعية جد طيبة في الناحية الفقهية. ذيل الطبقات 1/ 147 - 156.

(2)

ذيل طبقات الحنابلة 1/ 144.

ص: 249

وكانت الحنابلة تُتهم بصفة متكررة على أنهم مجسمة مخالفون لما يعتقده علماء الإسلام وأئمته، ولم يكونوا يرضون بهذه التهمة العظيمة والفرية الكبيرة، التي تطعن عليهم في أصل الدين وصميمه، فكانوا يردون بأبلغ الردود على ذلك، ويجابهون الخصوم بأسنة الأقلام وقوارع الحجج.

ويذكر المؤرخون أن السلطان جلال الدولة لما دخل إلى بغداد، ومعه وزيره نظام الملك سنة 482 هـ، قال النظام: أريد أن أستدعي بهم -يعني الحنابلة- وأسالهم عن مذهبهم، فقد قيل: إنهم مجسمة، فانبرى ابن عقيل لذلك وتصدى للرد عليه، وكان خلاصة ما أعد لهم من الحجة أن يقول لهم: نحن نقلد فيما نعتقد من اعتقادات الإمام أحمد ابنَ حنبل، الذي أجمعت الأمة على أنه إمام السنة وحامل لوائها، فإن طعن أحد علينا فليطعن عليه (1).

وقد وكانت علاقة الحنابلة بالخلافة العباسية جيدة على وجه العموم خلال هذه الفترة، ومن أجل ذلك تقلدوا عدة مناصب في القضاء والوزارة، وعملوا في بعض السفارات، وأشرفوا على إدارة المدارس والمكتبات. ولا يسعنا المجال في الراد تلك التقاليد لئلا نخرج عن الصدد، ويإمكان أي منا أن يطلع على ذلك من خلال تواريخ الوزارء والقضاة والمدارس والمكتبات في بغداد. وإننا لنقرأ على سبيل المثال في ترجمة عبد العزيز بن دُلف البغدادي أنه:"ولي نظر خزانة الكتب بمسجد الشريف الزيدي، ثم خزانة كتب التربة السلجوقية، ثم صرف عنها، ثم أعيد إليها"(2).

(1) المصدرالسابق 1/ 150.

(2)

ذيل طبقات الحنابلة 2/ 218.

ص: 250