الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان (1099 ه
ـ):
وهو الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان، النجديّ، المِقْرِنيّ، من كبار علماء نجد قبل دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وشيخ قضاتها ومفتيها.
ولد في مدينة العيينة، ونشا فيها، وتلقى العلم في المراحل الأولى عن مشايخها؛ ومن أشهرهم: الشيخ محمد بن إسماعيل الأشيقري النجدي، وأحمد بن ناصر بن محمد بن ناصر المشرفي (1).
ولما أنهى دراسته الأولية، ويلغ مبلغ الرحلة، سافر إلى الشام، فاخذ عمن هناك من أعيان حنابلة القرن الحادي عشر، وتتلمذ بصفة خاصة على الشيخ شمس الدين محمد ابن بدر الدين البَلْبَاني البعلي ثم الدمشقي الصالحي؛ الذي انتهت إليه رئاسة العلم بالصالحية آنذاك.
وجدَّ الشيخ ابن ذهلان في تحصيل العلم حتى بلغ المبلغ الأوفى، ثم رجع إلى بلاده، فتولى قضاء الرياض، فذاع صيته وعلا قدره، واستفاد منه خلق كثير (2).
وعلى الرغم من أن ابن ذهلان لم يشتغل بالتأليف، ولا ترك من التصانيف شيئاً
يؤثر، فإنه يعتبر شيخاً لكثير من علماء نجد في القرن الحادي عشر، منهم:
- العلامة المحقق الشيخ عثمان بن قائد النجدي، ثم الدمشقي، ثم المصري، صاحب المؤلفات البديعة التي منها:"هداية الراكب شرح عمدة الطالب" وهو شرح مفيد مسبوك سبكاً حسناً، حرره تحرراً نفيساً، فصار من أنفس كتب المذهب (3). ومنها: حاشيته على "منتهى الإرادات" التي حقق فيها ودقق، وفصل فيها، وقسم في مواضع كثيرة، وحل فيها كثيراً من غوامض متن المنتهى، فجاءت نفيسة جدا (4).
(1) عنوان المجد 1/ 97، علماء نجد 4/ 411.
(2)
علماء نجد 4/ 412.
(3)
المدخل ص 444، السحب الوابلة 2/ 699.
(4)
علماء نجد 5/ 133.
- العلامة الفقيه أحمد بن محمد المنقور، فقد رحل إليه من الحوطة إلى الرياض خمس مرات ذكرها في "تاريخه"(1)، وقرأ عليه عدة كتب، منها:"الإقناع" للحجاوي، قراءة تحقيق ويحث، وأكثر من الإسناد إليه والعزو له في "مجموعه" الفقهي، وإذا قال في كتابه المذكور:"شيخنا"، فمراده بذلك الشيخ عبد الله بن ذهلان. وقد جاء في مقدمة هذا الكتاب:
"ويعد: فهذه مسائل مفيدة، وقواعد عديدة
…
لخصتها من كلام العلماء
…
غالبها بعد الإشارة من شيخنا وقدوتنا الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان - بلّل الله بالرحمة ثراه- ومسائل قررها في مجلس الدرس وغيره، فأحببت أن أضبط كلامه بعضه بالحرف وبعضه بالمعنى" (2).
ويهذا يظهر أن للشيخ ابن ذهلان جهوداً كبيرة في مجموع المنقور الشهير. وكذلك له جهود كبيرة في "حاشية ابن فيروز" على الروض المربع (3).
ويالجملة يعتبر المنقور من خيرة تلاميذ ابن ذهلان، فقد اشتهر بالثقة في نجد، والمشايخ النجديون يعولون على نقله ويعتمدون عليه (4).
نجد قبل الدعوة الإصلاحية:
يلاحظ المتأمل في تراجم علماء نجد الذين سبقوا ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن كثيراً من أولئك العلماء قد ولدوا في بلدة أشيقر وتعلَّموا فيها، وأن بعضاً ممن لم يولد فيها قد وفد إليها لتلقي العلم عن مشايخها، ويلاحظ أيضاً أن كثيراً من العلماء النجديين في تلك الفترة ينتمون إلى آل وهبة من تميم، وإلى فرع واحد من آل وهبة. وهو آل مشرف أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (5).
(1) هامش السحب الوابلة 2/ 649، علماء نجد 1/ 518.
(2)
الفواكه العديدة 1/ 3.
(3)
عمل عبد الوهاب بن فيروز (1205 هـ) حاشية على الروض لم تكمل، وحاشية على شرح المقنع، وحاشية على شرح منصور البهوتي للمنتهى، وشرحاً على أخصر المختصرات لإبن ببان البعلي الدمشقي. السحب الوابلة 2/ 682 - 683، علماء نجد 5/ 63، المدخل المفصل 2/ 1010.
(4)
من الترجمة التي كتبها الشيخ العلامة محمد بن محمد العزيز بن مانع للمنقور في تصديره لكتابه "الفواكه العديدة"، ص (هـ).
(5)
تاريخ المملكة العربية السعودية، للدكتور عبد الله صالح العثيمين، 1/ 492، ط 1، 1984. وعلماء نجد 1/ 156.
ويلاحظ -كما تقدمت الإشارة إليه- أن الدراسة تركزت في تلك الأحقاب على مادة الفقه، وانصرف جل الإهتمام بالمسائل الفرعية بحثاً وتحريراً وتحقيقاً، وحفظاً للمتون، واستيعاباً للشروح والحواشي، أما العلوم الشرعية الأخرى فالإهتمام بها قليل فيما بيدو لناظر، فلم تكن هناك عناية بالتوحيد والعقيدة، ولا بالتفسير وعلوم القرآن، ولا بالحديث وشروحه، بل حتى العلوم العربية لم يكن الإهتمام بها بالمحلّ الذي يتجاوز المقررات الأولية.
حالة المسلمين بعامة قبل ظهور الدعوة الإصلاحية:
بدأ المسلمون في الضعف والتراجع منذ سقوط الأندلس في أيدي الصليبيين أواخر القرن التاسع، وظل هذا الضعف والتمزق يتنامى في الأوضاع السياسية والدينية والإجتماعية، إلى أن بلغ النهاية في القرن الثاني عشر، وهو القرن الذي شهدت فيه الدولة العثمانية مرحلة الشيخوخة والهرم، ودبت فيها عوامل الضعف والتدهور في مختلف مجالات الحياة العامة، الأمر الذي أغرى كثيراً من دول الغرب وزعمائه فيما يعد بالسعي إلى تجهيز حملة صليبية جديدة يكون الهدف منها القضاء على الدولة، ثم اقتسام بلاد المسلمين فيما بينهم، ظانين أن تلك هي الفرصة الثمينة، والكرّة النهائية التي لا تقوم للإسلام بعدها قائمة.
وقد صور المؤرخ الأمريكي لوثروب ستودارد تلك الحالة المتضعضعة، فقال:
"في القرن الثامن عشر (يعني الثاني عشر الهجري) كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والإنحطاط أعمق دركة، فاربدَّ جوّه، وطبّقت الظلمة كل صقع من أصقاعه، ورَجا من أرجائه، وانتشر فيها فساد الأخلاق والآداب، وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي، واستغرقت الأمم الإسلامية فى اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد، وفوض واغتيال، فليس يُرى في العالم الإسلامي في ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين، كسلطان تركية وأواخر ملوك المغول في الهند، يحكمون حكماً واهناً فاشي القوة متلاشي الصبغة، وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في
حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفُقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون، يزيدون الرعايا إرهاقاً فوق إرهاق (1)، فغُلت الأيدي، وقُعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، ويارت التجارة بواراً شديداً، وأهملت الزراعة أيما إهمال.
وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية (2) التي علمها صاحب الرسالة الناسَ، سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرياب الصلوات، وكثر عديد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان، يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء (3)، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور. وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتك ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء.
ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه النبي (4) على من استطاعه ضرباً من المستهزآت، وبالجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطاً بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يدهى الإسلام؛ لغضب وأطلق اللعنة (5) على من استحقها من المسلمين، كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان" (6).
(1) يريد أن يقتّم صورة علماء الإسلام بأنهم كانوا يدعون الناس إلى الإستسلام للواقع المر وأنه من صميم الإستسلام للقدر الذي هو ركان هن أركان الدين. وهذه دعوى غير صحيحة في واقع الأمر، إلا إذا كان يقصد أولئك الذين انتحلوا التصوف، وحولوا الممارسات الدينية إلى شعوذة ودروشة وتخريف.
(2)
يعني عقيدة التوحيد.
(3)
من ذلك المواسم التي كانت تقام سنوياً مرة أو مرتين على الضرائح والمشاهد.
(4)
الحج فرضه الله عز وجل ويلغه النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه مبلغ وليس مشرعاً من عنده.
(5)
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم طعًانا ولا لعًانا ولا صخاباً في الأسواق. كما في الحديث ومع ذلك فقد برئ ممن يغير الدين ويبدل فيه، وأنه محروم من الورود على حوضه ونيل شفاعته يوم القيامة.
(6)
حاضر العالم الإسلامي 1/ 259.
هكذا كان وضع العالم الإسلامي بصفة عامة، وأما وضع الجزيرة العربية، فقد كان صورة مصغرة، ونموذجاً لذلك الوضع العام الذي ساد العالم الإسلامي في تلك الحقبة الزمنية العصيبة.
ويصف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تلك الحالة القاتمة بأبلغ وصف، فيقول:"كان أهل عصره ومصره -يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب- في تلك الأزمان قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد، والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريق الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهان والطواغيت مقبولة غير مردودة، ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجذوا واجتهدوا في الإستعانة والتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ويبحر الأجاج ساريون به، قد أغشتهم العوائد والمألوفات، وحبستهم الشهوات والإرادات عن الارتفاع إلى قلب الهدى من النصوص المحكمات والآيات البينات"(1).
وهكذا يتبين أن نجداً كانت في تلك الأيام بحاجة إلى دعوة إصلاح دينية توضح للجهال من الناس ما خفي عليهم من أمور الدين وأحكامه، وتقضي على كل ما من شأنه أن يخل بعقائد المسلمين، وتلزم من لم يكونوا يؤدون أركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، بأدائها.
ومن جهة أخرى، كانت في حاجة إلى حركة سياسية إصلاحية تجمع شتات إماراتها وقبائلها تحت راية واحدة ليسود الأمن والإستقرار فيها.
(1) حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، للدكتور سليمان بن عبد الرحمن الحقيل، ص 24.