الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نتائج دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
كانت نتائج الدعوة التجديدية التي قادها محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود -رَحِمَهُمَا اللهُ-، ذات أثر عميق في قلب الجزيرة العردلا بالدرجة الأولى، كما أن صداها القوي بلغ مناطق بعيدة في العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، وتأثر بها كثير من العلماء والدعاة والمصلحين، وكانت حاجة السلمين في ذلك الوقت خاصة جدُّ ملحة إلى هذه الدعوة الجريئة الراشدة، إذ كان العالم الإسلامي يرزح تحت حكومات قد انقلبت إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال، الأمر الذي مهد الطريق إلى الإستعمار الحديث لأكثر بلاد المسلمين، بالإضافة إلى الجهل والغفلة التي كانت طاغية على الوضع الثفافي آنذاك.
النتائج الداخلية:
فأما النتائج في داخل الجزيرة، فقد تمثلت بتحقيق أهداف هذه الدعوة المباركة التي رسمت من أول يوم، وهي إزالة الدخن الذي كان قد أصاب عقائد المسلمين وعباداتهم.
فعرَّف الشيخ بحقيقة التوحيد، وأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات:
فتوحيد الربوبية: هو الإعتقاد بوجود خالق واحد مدبر لهذا الكون، وهو الذي أقر به الكفار في الجاهلية.
وتوحيد الألوهية: هو إخلاص العبادة لله وحده من دون جميع الخلق، وهو الذي بُعثت من أجله الرسل، وأُنزلت من أجله الكتب.
وتوحبد الأسماء والصفات: هو أن يوصف الله سبحانه بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال التي تَعرَّف بها إلى عباده (1)، وأن يثبت له من الأسماء والصفات ما ثبت في الكتاب والسنة.
(1) الدرر السنية 2/ 37، 119، الطبعة الثانية.
وإذا كان الشرك هو الإخلال ببعض شرائط التوحيد أو بعض أركانه، فلا غرو أن ينقسم هو الآخر إلى ثلاثة أقسام: شرك في الربوبية، وشرك في الألوهية، وشرك في الصفات.
وقد جاء في رسالة في الصفات للإمام فيصل بن تركي رحمه الله:
"وأما تعريف الشرك وأنواعه، فقد عرفه شيخنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في "كتاب التوحيد"، فذكر أنواعه وأقسامه، وجليه وخفيه، وأكبره وأصغره، خصوصاً الشرك في العبادة، مما عساك لا تجده مجموعاً في غيره من الكتب المطولات، فإن الإيمان النافع لا يوجد إلا بترك الشرك مطلقاً. وأما أنواعه:
1 -
فمنها: الشرك في الربويية، وهو نوعان: شرك التعطيل، كشرك فرعون، وشرك الذي حاجّ إبراهيم في ريه، ومنه شرك طائفة ابن عربي، ومنه شرك من عطل أسماء الرب سبحانه، وأوصافه من غلاة الجهمية، ومنه شرك من جعل مع اللأ إلها آخر، ولم يعطل ربوبيته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة.
2 -
النوع الثاني: الشرك في أسمائه وصفاته، ومنه تشبيه الخالق بالمخلوق، كمن يقول: يد كيدي، وهو شرك المشبهة.
3 -
والنوع الثالث: الشرك في توحيد الإلهية والعبادة.
فكل ما ذكرنا من توحيد الإلهية وأنواع العبادة والقصد التي لا يستحقها إلا الله، صرفها إلى غيره شرك" (1).
ولقد أفاض الشيخ رحمه الله في مؤلفاته ورسائله في شرح أنواع التوحيد وأقسام الشرك المتقدمة، واعتمد في ذلك كله على كتاب الله سبحانه وتعالى، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، والمنقول من أقوال السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين، إلى أئمة الإسلام المجمع على إمامتهم، باعتبار أن القرون الثلاثة الأولى هي قرون السلامة من البدعة والإنحراف وتَمَثل السنة قولاً وعملاً واعتقاداً.
وقد كان الشيخ في ذَلك كله متشبعاً بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الموضوعات، وكذلك تلميذه ابن القيم، فهو سليل تلك المدرسة السلفية، ومترجم أفكارها والذاب عنها بلسانه وقلمه، وسيفه حين يجد الإصرار على الشرك والمعاندة من غير حجة ولا برهان.
(1) المصدر السابق 2/ 147 - 148.
وكان الشيخ يفضل كتب السلف على كتب الخلف، ويدعو إلى الإعتماد عليها، لأنها قريبة من النبع الصافي، بعيدة عن الدخن والزغل والكدر. فقد جاء في رسالته إلى ابن عبد اللطيف قوله:
"فإن لم تتبع هؤلاء، فانظر كلام الأئمة قبلهم، كالحافظ البيهقي في كتاب "المدخل"، والحافظ ابن عبد البر والخطابي وأمثالهم، ومن قبلهم، كالشافعي وابن جرير وابن قُتيبة، وأبي عبيد، فهؤلاء إليهم المرجع في كلام الله وكلام رسوله وكلام السلف"(1).
وقد كللت جهود الشيخ بالنجاح التام، فأصبحت الجزيرة العربية موحدة براية التوحيد، صافية من كدر الشرك، خصوصاً وأن اللإمام محمد بن سعود استعمل سيف الحق في مواجهة المعاندين، وإبطال كيدهم باللسان والسنان، لأن دعوة لا تحميها قوة، ولا يؤازرها جهاد لا تصنع شيئاً على أرض الواقع:
إذا لم تكن إلّا الأسنة مركباً
…
فما حيلة المضطر إلّا ركوبها
وكان من نتائج الدعوة أيضاً ما حققته من منجزات على الصعيد العلمي، بحيث تكونت مدرسة علمية سلفية خالصة، وضع الشيخ نواتها في حُريملاء، وتعاهد غراسها بعد انتقاله إلى العُيينة، ووسع قاعدتها، وعمق جذورها وتعاهد نموها في الدرعية، حتى استطاع أن يبعث من المبرزين منبها: الدعاة والقضاة والموجهين، إلى مختلف الأقاليم النجدية (2).
وكان لهذه المدرسة صداها في التأليف والتعليم والبحث والتحقيق، فانبعثت الهمم للتنقيب عن كتب السلف والعناية بها، وازدهر الإهتمام بكتب التفسير بالمأثور، كإبن جرير وابن كثير والبغوي، ونحوها، والتفت الناس إلى الحديث وكتبه ورجاله، درساً وتحقيقاً وحفظاً، وتحول الإهتمام بالفقه من "الإقناع" و"المنتهي" إلى مطولات الكتب، التي تعنى بالخلاف والدليل والموازنة على ضوء أصول الفقه وقواعد الإستنباط، والأخذ بما يعضده الدليل من الأقوال والروايات والوجوه وغير ذلك.
(1) الدرر السنية 1/ 37، والقسم الخامس من مؤلفات الشيخ (الرسائل الشخصية)، ص 259.
(2)
حركة التجديد والإصلاح في نجد، د. عبد الله بن محمد العجلان، ص 172 الرياض، 1989. وانظر أيضا: حاضر العالم الإسلامي 1/ 262. وكانت تلك المدرسة العلمية السلفية نواة لقيام مؤسسات علمية ومعاهد انتشرت في الوقت الحاضر في جميع أنحاء المملكة.
وإن شئت أن ترى الثمرة ماثلة بين عينيك، فاقرأ الكتب الفقهية التي صنفت في ظل هذه الحركة المباركة، وسياق نتائجها، ككتاب "منار السبيل" و"السلسبيل في معرفة الدليل" وغيرها.
وكان من نتائج هذه الدعوة ومناصرتها أن قامت دولة بكامل مؤسساتها شعارها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" بعد جهود مضنية متطاولة تقيم الإسلام وتطبقه تطبيقاً عملياً، وكان للفقه الحنبلي الأثر الرئيس في استمدادات هذه الدولة للأنظمة والأقضية وغير ذلك.
النتائج الخارجية:
وأما النتائج في خارج الجزيرة العربية، فقد أثرت الدعوة تأثيراً شاملاً في العالم الإسلامي، حتى في أولئك الذين كانوا يحملون ألوية المعارضة ونصب العداوة، فقد دفعتهم إلى التحقيق العلمي، والجد والبحث في بطون الأمهات، وتصحيح الأخطاء التي كان يعسر عليهم الإعتراف بها تحت ركام العوائد وتأثير الواقع المر:
ففي المغرب الإسلامي ومصر ظهرت بوادر يقظة إسلامية تنادي بالإصلاح الديني والسياسي بما يتلاءم مع ييئتها المحلية، متأثرة من قريب أو بعيد، بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
كما كانت أصداء هذه الدعوة قوية في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا بمالا يتسع المجال لكشف تفاصيلها في هذه العجالة (1).
(1) انظر تفصيل ذلك في: حركة الإصلاح والتجديد في نجد، ص 173، وكذلك في: حاضر العالم الإسلامي 1/ 263 مع الإحتراز مما يزيده المؤلف من عنده بسبب الروح الصليية؛ التي يكتب بها.
آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
ترك الشيخ -إلى جانب جهوده الأخرى- جملة وافرة من المكتوبات المتنوعة في موضوعاتها ومضامينها، فبعضها كتب جامعة، وبعضها رسائل مفردة، وبعضها اختصارات لكتب سابقة. وتتسم تأليف الشيخ على وجه العموم بالجدَّة والتبصُّر، والرجوع ما أمكن إلى أمهات التراث الإسلامي التي صنفها السلف، في العقيدة، والتفسير، والحديث، وغير ذلك، بل وكثرة الإحتجاج بنصوص الشرع من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه المصطفى. وتتسم من جهة أخرى بكونها خادمة لأهداف الدعوة التي قام من أجلها، وتصب في مجاريها، وتُسدِّد صوبَ مراميها.
ومن جملة آثاره التي تتصل بخدمة المذهب الحنبلي خاصة (1).
1 -
آداب المشي إلى الصلاة.
2 -
كتاب الطهارة.
3 -
أريع قواعد تدور عليها الأحكام.
4 -
إبطال وقف الجنف والإثم.
5 -
مختصر الإنصاف والشرح الكبير.
6 -
مختصر زاد المعاد لإبن القيم.
وهذه الكتب مطبوعة ضمن مجموع "مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب" الذي قامت بإعداده وإصداره جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة (1400 هـ)، وسبق لبعضها أن طُبع في طبعات مستقلة، أو ضمن مجموع كـ "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"(2).
(1) يُرجع إلى الجزء الثاني من هذا الكناب لمزيد من الفصيل.
(2)
يحسن الرجوع أيضاً، لمعرفة آثار الشيخ، إلى كتاب "آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور أحمد الضبيب.