الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة ما تمّ في المملكة العربية السعودية من جهود في خدمة المذهب الحنبلي
إن المملكة العربية السعودية تتميز عن بقية دول العالم الإسلامي وأقطاره: بأنها دولة قامت على أساس الكتاب والسنة، وأدرك مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله أن أهم وظائف الدولة الإسلامية هي: تحقيق سيادة شرع الله، ونشر الدعوة الإسلامية؛ امتثالاً لقول الله تعالى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
وقد تبين عمق هذا الإدراك جلياً في خطاب الملك عبد العزيز في الجلسة الإفتتاحية لمجلس الشورى بتاريخ 7 ربيع الأول سنة 1349 هـ إذ قال مخاطباً أعضاء المجلس والحاضرين:
"وإنكم تعلمون أن أساس حكمنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سنّ كل نظام، وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد، على شرط أن لا يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية؛ لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيداً لأحد، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "(1).
فأقضية المملكة مستمدة من الشرع الإسلامي، والأنظمة والمراسيم الصادرة لا تخالف الشريعة الغرّاء بحالٍ من الأحوال.
ولا ريب أن الفقه الحنبلي يحظى بالدرجة الأولى في تكوين مصادر تلك الأقضية، كما هو واضح في التوجيهات الخاصة بالمحاكم والقضاة.
(1) الملك عبد العزيز الشخصية والقيادة، لإبراهيم بن عبد الله السماري، ص 36.
كذلك تصدر الفتوى في المملكة في غالبها على ما هو الراجح، أو الصحيح المفتى به في هذا المذهب الجليل.
فهذا وذاك، كلاهما قد أعطيا دفعاً قوياً للعناية بالفقه الحنبلي من الناحية العملية، أما من الناحية العلمية فإن الدروس، والحلقات التي تُعقد في المساجد، وما هو المقرر على التلاميذ في المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية، والمعاهد والكليات له عناية خاصة بالفقه الحنبلي وكتبه وعلمائه.
وتعتبر المراكز العلمية القائمة في المملكة خادمة بشكل أو بآخر لهذا الذهب؛ بما تحتوي عليه من كتب ومخطوطات ووثائق ومواد علمية مختلفة.
وإلى جانب تلك المراكز توجد المكتبات العامة سواءٌ منها التابعة للجامعات أو المستقلة، فهذه المكتبات تجمع ما طبع وحُقق ونُشر من التراث الحنبلي، كما أنها تجمع من المخطوطات الأصلية والصورة العدد الكثير. ولا غير أن هذه الثروة من المخطوطات قد فتحت الطريق واسعاً أمام الطلاب والباحثين للإطلاع على الترات الحنبلي وتحقيقه تحقيقاً علمياً بما يستحق من العمق والدقة ليخرج في حُلة قشيبة مقرباً ممهداً أمام الدارسين والعلماء والمفتين والقضاة وغيرهم.
إن هذه الثروة العلمية التي تزخر بها المملكة العربيه السعودية الآن فيما يخص أصول المذهب وفروعه وأعلامه ومكتباته والدراسات التي أنجزت حوله، لتشهد بمدى الخدمة الجليلة التي قامت بها المملكة، ولا تزال تقوم تجاه هذا المذهب.
إلى جانب ذلك كله نجد العناية بالطباعة والنشر والتوزيع قد أسهمت هي الأخرى مساهمة فعّالة في إخراج جزء كبير من التراث الحنبلي من عالم المخطوطات إلى عالم المطبوعات وتوزيعه في مختلف أنحاء العالم.
وقد بدأ الإهتمام بنشر الفقه الحنبلي الذي يعتبر ثرياً في مؤلفاته منذ تأسيس المملكة، وبعناية أُولي الأمر فيها، فقد طبع كتاب "المغني" ونشر لأول مرة مع "الشرح الكبير"، بأمر الملك عبد العزيز رحمه الله، وفي ذلك يقول الشيخ رشيد رضا:
"ما زلت أفكر في السعي لطبعه -أي المغني- إلى أن هداني الله تعالى إلى
تبليغ أمنيتي هذه إلى السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إمام نجد
وملحقاتها، فبُلِّغت عنه أولاً أنه - أيد الله به العلم والدين، وأعز به الإسلام والمسلمين - عازم على طبع هذا الكتاب مع كتب أخرى لإحياء العلم وتوسيع نطاقه في بلاده، ثم خاطبني آخراً في طبعه مع "الشرح الكبير"، وطبع تفسيري ابن جرير وابن كثير، وكتب أخرى من كتب السنة والفقه، وتلا ذلك إرساله "المغني" و"الشرح الكبير للمقنع" ليُطبعا معاً مع غيرهما، مما عزم على طبعه" (1).
وقد أشار الملك عبد العزيز إلى تلك المراسلة التي تمت بينه وبين الشيخ رشيد رضا في مقابلة مع رئيس تحرير "مجلة الكويت" في عددها المصادر في شهر شوال عام 1348 هـ قال فيها الملك عبد العزيز:
"إن أمثال هذه الكتب الدينية من المؤلفات الجليلة، التي عرفت أهميتها، وكنت من أمد بعيد حريصاً على طبعها، لينتفع بما فيها من فوائد غزيرة، كان جُلّها محجوياً عن الأبصار، وليسهل اقتناؤها على المعدمين، ولا سيما "المغني" الذي لم يطبع قبل هذه المرة، وقد عثرنا على نسخة كاملة منه، فبعثنا بها وبتفسير ابن كثير ومؤلفات أخرى غيرها إلى السيد رشيد رضا في مصر، وبلغنا أنه تم طبعها، وكذا بعثنا إليه أيضاً بكتاب في الآداب ليطبعه"(2).
(1) مقدمة طبعة المغني مع الشرح الكيير ص 16، دار الكناب العربي، 1972.
(2)
مجلة الفيصل ص 78، العدد 239، جمادى الأولى 1417 هـ.