الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك في المقدمة.
ثم إن علماء المذهب من بعده عولوا عليه في إخراج الفقه الحنبلي في ثوب جديد، خاليًا من كثير من الخلاف الذي استمر غير محسوم على مدى عدة قرون، فجاء من بعده محررًا مصححًا منقحًا على قول واحد في معظم المسائل، كما ترى ذلك في "
الإقناع
"، و"المنتهى"، و"غاية المنتهى"، و"دليل الطالب"، وسائر المتون التي صنفت بعد المرداوي. فشكر الله له سعيه، وأجزل له المثوبة في دار العقبى إنه سميع قريب مجيب.
• الإقناع:
عنوان الكتاب:
يعرف هذا الكتاب بعنوان "الإقناع لطالب الإنتفاع"، ووقع لإبن بدران في "المدخل""الإقناع لطلب الإنتفاع"، على المصدر بدلاً من اسم الفاعل، ولعله خطأ مطبعي.
المؤلف:
هو موسى بن أحمد بن سالم بن أحمد، شرف الدين، أبو النَّجا، الحجَّاوي، المقدسي، ثم الصالحي، منسوب إلى حجَّة قرية قرب نابلس. ولد -كما في "ذخائر القصر" لإبن طولون- سنة 895 هـ (1)، وتوفي يوم الخميس ثاني رييع الأول سنة 968 هـ بالصالحية.
وصف الكتاب وطريقة تصنيفه وأهميته:
يعتبر "الإقناع" واحدًا من الكتب الجامعة، والمتون الحافلة، ذات الفروع الكثيرة، والفوائد الغزيرة.
قال ابن بدران: يقع في مجلد ضخم، كثير الفوائد، جم النافع. وقال في موضع آخر: حذا به حذو صاحب "المستوعب" بل أخذ معظم كتابه منه، ومن "المحرر" و"الفروع" و"المقنع" وجعله على قول واحد (2).
(1) قال ابن طولون (953 هـ) في "ذخائر القصر": مولده ظنًا قويًا سنة خمس وتسعين وثمان منة قال [الحجاوي] وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم خمس مرات. ثم ذكر ابن طولون: قرأ علي المسلسل بالمحمدين واستجازني يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي الحجة سنة أربع وأربعين وتسع مئة. اهـ. من هامش النعت الأكمل ص 124.
(2)
المدخل ص 441، وص 434 - 435.
وقال ابن العماد: ومن تآليفه "الإقناع" جرد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد، لم يؤلف مثله في تحرير النقول، وكثرة المسائل (1).
فهو كتاب جليل القدر، عظيم النفع، قد استعاض فيه مؤلفه عن إيراد الأدلة والتعليلات، بالإستكثار من الفروع والفوائد والمسائل، فجاء الكتاب -على اختصاره- جامعًا لأصول المذهب وفروعه. وقد جعله مؤلفه على قول واحد، كما صرح بذلك في المقدمة، فقال: اجتهدت في تحرير نقوله واختصاره بعدم تطويله، مجردًا غالبًا عن دليله وتعليله، على قول واحد، وهو ما رجحه أهل الترجيح، منهم العلامة القاضي علاء الدين، المجتهد في التصحيح في كتبه "الإنصاف" و"تصحيح الفروع" و"التنقيح" وربما ذكرت بعض الخلاف لقوله (2).
وبالنظر إلى موقع الحجاوي في سلسلة فقهاء الحنابلة بالاعتبارين الزماني والمكاني نستطيع أن نصل إلى معرفة ما كان يقصد إليه في كتابه هذا، وذلك أنه رحمه الله عاش في الصالحية التي كانت تجمع من كتب الفقه الحنبلي وغيره العجب العجاب، ثم إنه وجد بين يديه عمل رجلين جليلين محققين، فأراد أن يجمع بين جهودهما ويستكمل عملهما، وهذان الرجلان هما: الشمس ابن مفلح (763 هـ) والعلاء المرداوي (885 هـ).
فأما عمل الشمس ابن مفلح، فيتمثل أساسًا بجمع فروع المذهب في كتابه الجليل المسمى بـ"الفروع" الذي وصفه بعض العلماء: بأنه مكنسة المذهب.
وأما العلاء المرداوي، فيتمثل عمله في تصحيح المذهب في كتبه الثلاثة الشهيرة، وهي:"الإنصاف " و"تصحيح الفروع" و"التنقيح".
فيكون ابن مفلح جمع فروع المذهب، والمرداوي صححها، لكن بقي اختلاف الروايات والوجوه موجودًا في كلا تصنيفي الشيخين، فجاءت الفكرة بتكوين متن يجمع بين محاسن "الفروع" ومحاسن تصحيحات المرداوي، فتحرى الشيخ الحجاوي رحمه الله أن يستقصي في تجريد الفقه الحنبلي من ذكر الخلاف، وإنهائه جهد المستطاع، فتجد الكتاب خاليًا إلى حد بعيد من ذكر الروايات والوجوه والتخريجات والإحتمالات. ثم
(1) شذرات الذهب 8/ 327.
(2)
الإقناع 1/ 3، ط. دار هجر.
إنه وضع كتاب "الإقناع" بعد ما تهيأت له مادته من عمله في اختصار "المقنع" في كتابه المسمى "زاد المستقنع" بالإضافة إلى حواشيه التي وضعها على كل من كتابي "التنقيح" و"الفروع".
وبهذا يعتبر كتاب "الإقناع" من أعظم ما صنف الحجاوي بحق، فهو يشكل حجر الزاوية في مصنفاته، حتى صار يعرف بكتابه هذا دون غيره، فيقال: صاحب "الإقناع"، فكانت شهرة الكتاب مغنية عن التصريح باسم مؤلفه، كما يعد عمدة في المذهب، لأنه جمع فيه الراجح من أقوال المتقدمين والمتأخرين، فصار بحق ديوان المذهب (1).
طريقة الحجاوي في هذا الكتاب:
وأما طريقة المؤلف في كتابه هذا، فهي طريقة المتون المجردة من كل دليل وتعليل، ولا يتعرض لذكر الخلاف العالي (الخلاف بين المذاهب) ولا الخلاف داخل المذهب، مما يدل على أنه جهد نفسه غاية الجهد في الإقتصار على الصحيح من الروايات، والراجح من الأقوال، فهو يفتح الباب بإيراد مسائله متتابعة في سبك عجيب، وعبارة سهلة جزلة يمكن لأي أحد فهمها، كما هو الشأن في غالب كتب الحنابلة ومصنفاتهم.
أهمية الكتاب وقيمته:
يعتبر كتاب "الإقناع" أحد المتون الثلاثة التي حازت اشتهارًا أيما اشتهار في مكتة الفقه الحنبلي، وهي:"مختصر الخرقي" و"المقنع" للموفق ابن قدامة و"الإقناع"(2).
فالإقناع بما تميز به من الميزات التي ذكرناها -وأهمها التجريد من الخلاف- صارت له عند الحنابلة المنزلة العظيمة، والرتبة الرفيعة، وعلى مسائله تدور الفتيا، ومرجع القضاء، وعكف عليه المتأخرون بالتحشية، والإختصار، وحلّ الغريب، وقد زاد اعتماده وقبوله شرحه الفرد الفريد لمحقق المذهب الشيخ منصور البهوتي (1051 هـ) المسمى "كشاف القناع".
(1) مقدمة طبعة دار هجر لكتاب "الإقناع"، ص 6.
(2)
المدخل، لإبن بدران، ص 434.