الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
المذهب في حَرَّان
هذه البلدة تتميز بحسن موقعها الجغرافي، فإنها قريبة من بغداد نسبيًا، كما أنها كانت ملتقى الطرق المؤدية إلى الشام والروم والموصل في نفس الوقت، ولا ريب أن الذاهب والجائي من تلك البلدان يتعرف عليها وعلى أهلها، كما يتعرف أهلها عليه.
فتحها أمير المؤمنين عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه بواسطة أميره عياض بن غنم، وكانت قبل الإسلام موطنًا للصابئة عبدة النجوم (1).
فلا غرو أن تسهل الرحلة على الحرانيين إلى عاصمة العلم والحضارة الإسلامية بغداد، فيتعلموا من هناك، ثم يعودوا علماء دعاة إلى الله عز وجل بألسنتهم وأقلامهم.
وكان في عداد هؤلاء المتعلمين من تفقه على المذهب الحنبلي وتلمذ لأصحابه البغداديين. وإننا لنجد في "المقصد الأرشد" لإبن مفلح قائمة بأسماء الحرّانيين تقارب الأربعين عالمًا.
فمن جملة هؤلاء الرجال:
أبو الفتح عبد الوهاب ابن جلبة البغدادي، ثم الحراني، تلميذ القاضي أبي يعلى ونائبه على قضاء حرّان، المقتول شهيدًا في فتنة الرافضة التي كان يقودها مسلم بنُ قريش العقيلي، حاكم الموصل آنذاك، وذلك سنة 476 هـ (2).
قال ابن أبي يعلى: "قدم بغداد من ثغر حَرَّان، قاصدًا لمسجد الوالد السعيد، وطالبًا لدرس الفقه، فتفقه عليه، وكتب كثيرًا من مصنفاته، وكان يلي القضاء
(1) معجم البلدان، لياقوت، 2/ 235 - 236.
(2)
البداية والنهاية 12/ 124، المنهج الأحمد 2/ 417.
بحران من قبل الوالد السعيد، كلتب له عهدًا بولاية القضاء بحران. وكان ناشرًا لمذهبنا داعيًا إليه في تلك الديار، وكان فقيهها وواعظها وخطيبها ومدرسها" (1).
وهذا يدل على أنه صاحب الفضل والسبق في نشر المذهب هناك، وأنه خدم المذهب الحنبلي من خلال: القضاء، والفتوى، والوعظ والخطابة، والتدريس، والتأليف.
ومن تأليفاته القيمة:
اختصار "المجرد" الذي صنفه شيخه أبو يعلى، و"رؤوس المسائل" و"أصول الفقه" و"أصول الدين" و"النظام بخصال الأقسام"(2).
والذي يتراءى لنا من سياقة تراجم حنابلة حرّان، أن هذه البلدة كانت خالصة لهم، لا ينازعون فيها، فكانت مقاليد القضاء والفتوى مسندة إليهم، ففي ترجمة فتيان بن مياح (566 هـ ظنًا) قال ابن رجب (3):
"وتفقه بمذهب الإمام أحمد، وعاد إلى بلده، فأفتى ودرّس به إلى أن مات" وفي ترجمة حامد بن محمود (570 هـ) قال (4): "شيخ حرّان وخطيبها ومفتيها ومدرسها".
ونقل عن الشيخ ناصح الدين ابن الحنبلي أنه قال فيه: "كان شيخ حرّان في وقته، بنى نور الدين محمود المدرسة في حَرّان لأجله، ودفعها إليه، ودرس بها، وتولى عمارة جامع حرّان، فما قصر فيه".
وفي ترجمة فخر الدين ابن تيمية (622 هـ) نجد: "شيخ حَرَّان وخطيبها .. ولي الخطابة والإمامة بجامع حرّان، والتدريس بالمدرسة النورية. وبنى هو مدرسة بحران أيضًا. قال الناصح ابن الحنبلي: انتهت إليه رئاسة حَرَّان، وله خطبة الجمعة، وإمامة الجامع، وتدريس بالمدرسة النورية، وهو واعظ البلد، وله القبول من عوام البلد، والوجاهة عند ملوكها"(5).
(1) الطبقات 2/ 245.
(2)
ذيل طبقات الحنابلة 1/ 43.
(3)
ذيل طبقات الحنابلة 1/ 315.
(4)
المصدر السابق 1/ 332.
(5)
المصدر السابق 2/ 151 - 152.