الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب -
حُكْمُ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ:
12 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لِرُشْدِهِ وَبُلُوغِهِ وَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَهِ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَجْرُ، وَبِهَذَا قَال الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا} . وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ (1) } .
فَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَا دَامَ سَفِيهًا، وَأَمَرَنَا بِالدَّفْعِ إِنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّشْدُ، إِذْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ قَبْل وُجُودِهِ، وَلأَِنَّ مَنْعَ مَالِهِ لِعِلَّةِ السَّفَهِ فَيَبْقَى الْمَنْعُ مَا بَقِيَتِ الْعِلَّةُ، صَغِيرًا كَانَ السَّفِيهُ أَوْ كَبِيرًا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ (2)
وَأَوْرَدَ ابْنُ قُدَامَةَ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ
(1) سورة النساء / 5، 6.
(2)
حديث: " خذوا على يد سفهائكم " أخرجه الطبراني في الكبير من حديث النعمان بن بشير كما في الجامع الصغير للسيوطي (3 / 435 - بشرحه الفيض - ط المكتبة التجارية) ورمز السيوطي إليه بالضعف.
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ بَيْعًا، فَقَال عَلِيٌّ رضي الله عنه: لآَتِيَنَّ عُثْمَانَ لِيَحْجُرَ عَلَيْكَ، فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ، فَقَال: قَدِ ابْتَعْتُ بَيْعًا وَإِنَّ عَلِيًّا يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَيَسْأَلَهُ الْحَجْرَ عَلَيَّ. فَقَال الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْبَيْعِ.
فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ، فَقَال: إِنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ قَدِ ابْتَاعَ بَيْعَ كَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ. فَقَال الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْعِ، فَقَال عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ؟
ثُمَّ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذِهِ قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُهَا وَلَمْ يُخَالِفْهَا أَحَدٌ فِي عَصْرِهِمْ فَتَكُونُ إِجْمَاعًا حِينَئِذٍ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا سَفِيهٌ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي اقْتَضَتِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ سَفِيهًا سَفَهُهُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَلأَِنَّ السَّفَهَ لَوْ قَارَنَ الْبُلُوغَ مَنَعَ دَفْعَ مَالِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا حَدَثَ أَوْجَبَ انْتِزَاعَ الْمَال كَالْجُنُونِ، وَفِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ صِيَانَةٌ لِمَالِهِ وَوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبْتَدَأُ الْحَجْرُ عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ بِسَبَبِ السَّفَهِ لِمَا سَبَقَ (1) .
الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:
13 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمٍ
(1) ابن عابدين 5 / 92.