الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهَذَا النَّوْعِ يُؤَدِّي إِِلَى تَعْطِيل مَصَالِحَ كَثِيرَةٍ غَالِبَةٍ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ مَفَاسِدَ قَلِيلَةٍ نَادِرَةٍ وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ حِكْمَةِ الإِِْلَهِ الَّذِي شَرَعَ الشَّرَائِعَ لأَِجْلِهَا (1) وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ فِي مِثْل الْحَالَاتِ الآْتِيَةِ:
الأُْولَى: لَوْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْلُبُ ثِيَابَ إِنْسَانٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الإِِْنْكَارُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الْمَسْلُوبِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ رَأَى رَجُلاً يَجُرُّ امْرَأَةً إِِلَى مَنْزِلِهِ يَزْعُمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ، فَإِِنَّهُ يَجِبُ الإِِْنْكَارُ عَلَيْهِ لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ رَأَى إِنْسَانًا يَقْتُل إِنْسَانًا يَزْعُمُ أَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ دَخَل إِِلَى دَارِ الإِِْسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ، لَوَجَبَ عَلَيْهِ الإِِْنْكَارُ، لأَِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ، وَالدَّارُ دَالَّةٌ عَلَى إِسْلَامِ أَهْلِهَا لِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا.
فَفِي هَذِهِ الْحَالَاتِ وَأَمْثَالِهَا يُعْمَل بِالظُّنُونِ فَإِِنْ أَصَابَ مَنْ قَامَ بِهَا فَقَدْ أَدَّى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِِنْ لَمْ يُصِبْ كَانَ مَعْذُورًا وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ (2) .
وَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَطُوفَ فِي السُّوقِ وَأَنْ يَتَفَحَّصَ أَحْوَال أَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ أَحَدٌ بِخِيَانَتِهِمْ (3) وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيل التَّجَسُّسِ
(1) قواعد الأحكام 2 / 60.
(2)
قواعد الأحكام 2 / 58، 59، الفروق 4 / 257، الآداب الشرعية 1 / 317.
(3)
نصاب الاحتساب 156، 157، 1 / 2، 202.
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَل هُوَ مِنْ صَمِيمِ عَمَلِهِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْغَلَهُ عَنْهُ شَاغِلٌ كَمَا سَبَقَ فِي بَحْثِ آدَابِ الْمُحْتَسِبِ (1) .
:
الشَّرْطُ الرَّابِعُ:
أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَعْلُومًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ، فَكُل مَا هُوَ مَحَلٌّ لِلاِجْتِهَادِ فَلَا حِسْبَةَ فِيهِ (2) وَعَبَّرَ صَاحِبُ الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ، أَوْ يَكُونَ مُدْرَكُ عَدَمِ التَّحْرِيمِ فِيهِ ضَعِيفًا (3) وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الأَْحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، أَوْ مِنَ. الْمُحَرَّمَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَالزِّنَى، وَالْقَتْل، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالْغَصْبِ، وَالرِّبَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَكُل مُسْلِمٍ يَعْلَمُ بِهَا وَلَا يَخْتَصُّ الاِحْتِسَابُ بِفَرِيقٍ دُونَ فَرِيقٍ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي دَقَائِقِ الأَْفْعَال وَالأَْقْوَال مِمَّا لَا يَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ سِوَى الْعُلَمَاءِ، مِثْل فُرُوعِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْحْكَامِ، وَهَذَا الضَّرْبُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْل الْعِلْمِ وَهَذَا
(1) معالم القربة 219، نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيرازي.
(2)
الإحياء 2 / 416.
(3)
الفواكه الدواني 2 / 394.