الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ دُخُول الْحَرَمِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُ دُخُولِهِ عَلَى إِذْنِ مُسْلِمٍ وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (1) .
يَقُول الْجَصَّاصُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (2) } : يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ دُخُول سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَإِِنَّمَا مَعْنَى الآْيَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ دُخُول مَكَّةَ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، لأَِنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ، وَكَانَ لَا يُقْبَل مِنْهُمُ إِلَاّ الإِِْسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْعُهُمْ مِنْ دُخُول مَكَّةَ لِلْحَجِّ، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{وَإِِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً (3) } الآْيَةَ، وَإِِنَّمَا كَانَتْ خَشْيَةُ الْعَيْلَةِ لاِنْقِطَاعِ تِلْكَ الْمَوَاسِمِ بِمَنْعِهِمْ مِنَ الْحَجِّ، لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِالتِّجَارَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ (4) .
مَرَضُ الْكَافِرِ فِي الْحَرَمِ وَمَوْتُهُ:
8 -
تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُول إِِلَى الْحَرَمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. فَلَوْ دَخَل مَسْتُورًا وَمَرِضَ أُخْرِجَ إِِلَى الْحِل. وَإِِذَا مَاتَ فِي الْحَرَمِ حَرُمَ دَفْنُهُ فِيهِ،
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 369، وتفسير الجصاص 3 / 88.
(2)
سورة التوبة / 28.
(3)
سورة التوبة / 28.
(4)
تفسير الأحكام للجصاص 3 / 88.
فَإِِنْ دُفِنَ نُبِشَ قَبْرُهُ وَنُقِل إِِلَى الْحِل، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ فَيُتْرَكُ كَمَا تُرِكَ أَمْوَاتُ الْجَاهِلِيَّةِ (1) .
الْقِتَال فِي الْحَرَمِ:
9 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ دَخَل الْحَرَمَ مُقَاتِلاً وَبَدَأَ الْقِتَال فِيهِ، يُقَاتَل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (2) } .
وَكَذَلِكَ مَنِ ارْتَكَبَ فِي الْحَرَمِ جَرِيمَةً مِنْ جَرَائِمِ الْحُدُودِ أَوِ الْقِصَاصِ مِمَّا يُوجِبُ الْقَتْل فَإِِنَّهُ يُقْتَل فِيهِ اتِّفَاقًا لاِسْتِخْفَافِهِ بِالْحَرَمِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفِقْرَةِ التَّالِيَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قِتَال الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ عَلَى أَهْل الْعَدْل فِي الْحَرَمِ إِذَا لَمْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَال. فَذَهَبَ طَاوُسٌ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَصَحَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَوْل الْقَفَّال وَالْمَاوَرْدِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ إِِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ فِي الْحَرَمِ مَعَ بَغْيِهِمْ. وَلَكِنَّهُمْ لَا يُطْعَمُونَ وَلَا يُسْقَوْنَ وَلَا يُؤْوَوْنَ وَلَا يُبَايَعُونَ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنَ الْحَرَمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ
(1) تفسير القرطبي 7 / 104، والأحكام السلطانية للماوردي ص 167، ولأبي يعلى ص 195، والمغني 8 / 531.
(2)
سورة البقرة / 191.