الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِِلَى جَوَازِ قَتْل الْحَشَرَاتِ، لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ شَرَطُوا لِجَوَازِ قَتْل الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْقَاتِل بِالْقَتْل دَفْعَ الإِِْيذَاءِ لَا الْعَبَثَ، وَإِِلَاّ مُنِعَ حَتَّى الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ الَّتِي يُبَاحُ قَتْلُهَا فِي الْحِل وَالْحَرَمِ.
وَقَسَمَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَشَرَاتِ إِِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الأَْوَّل: مَا هُوَ مُؤْذٍ مِنْهَا طَبْعًا، فَيُنْدَبُ قَتْلُهُ كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِقَتْل خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ (1) وَأُلْحِقَ بِهَا الْبُرْغُوثُ وَالْبَقُّ وَالزُّنْبُورُ، وَكُل مُؤْذٍ.
الثَّانِي: مَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ فَلَا يُسَنُّ قَتْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ.
الثَّالِثُ: مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرَ كَالْخَنَافِسِ، وَالْجُعْلَانِ، وَالسَّرَطَانِ فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ.
وَيَحْرُمُ عِنْدَهُمْ قَتْل النَّمْل السُّلَيْمَانِيِّ، وَالنَّحْل وَالضُّفْدَعِ، أَمَّا غَيْرُ السُّلَيْمَانِيِّ، وَهُوَ الصَّغِيرُ الْمُسَمَّى بِالذَّرِّ، فَيَجُوزُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ الإِِْحْرَاقِ، وَكَذَا بِالإِِْحْرَاقِ إِنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِِلَى اسْتِحْبَابِ قَتْل كُل مَا كَانَ طَبْعُهُ الأَْذَى مِنَ الْحَشَرَاتِ، وَإِِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى قِيَاسًا عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ، فَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ قَتْل الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ كَالْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالزُّنْبُورِ، وَالْبَقِّ، وَالْبَعُوضِ،
(1) الحديث سبق تخريجه ف / 7
وَالْبَرَاغِيثِ، وَأَمَّا مَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ كَالدِّيدَانِ، فَقِيل: يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَقِيل: يُكْرَهُ، وَقِيل: يَحْرُمُ.
وَقَدْ نَصُّوا عَلَى كَرَاهَةِ قَتْل النَّمْل إِلَاّ مِنْ أَذِيَّةٍ شَدِيدَةٍ، فَإِِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ، وَكَذَا الْقُمَّل (1) .
مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ مِنَ الْحَشَرَاتِ:
8 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِِلَى أَنَّ الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامَّ لَا تَدْخُل فِي الصَّيْدِ الْوَارِدِ تَحْرِيمُهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (2) .
وَذَلِكَ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ إِنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا بِجَنَاحِهِ أَوْ قَوَائِمِهِ، وَلِكَوْنِهَا غَيْرَ مَأْكُولَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، حَيْثُ إِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ مَأْكُولاً.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَحِل قَتْل مَا لَا يُؤْذِي مِنَ الْحَشَرَاتِ، وَإِِنْ لَمْ يُوجِبُوا فِيهَا الْجَزَاءَ، كَمَا أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ فِي قَتْل الْقُمَّل وَالْجَرَادِ الْجَزَاءَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ، فَفِي الْقَلِيل التَّصَدُّقُ بِمَا شَاءَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ فِي الثَّلَاثِ فَمَا دُونَهَا، وَفِي الْكَثِيرِ نِصْفُ صَاعٍ.
(1) تبيين الحقائق 2 / 66، بدائع الصنائع 2 / 196، والفواكه الدواني 2 / 455، 456، حاشية الجمل 5 / 273، نهاية المحتاج 3 / 343، 344 ط مصطفى الحلبي، كشاف القناع 2 / 439، الإقناع 2 / 235
(2)
سورة المائدة / 95
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ قَتْل مَا لَا يُؤْذِي مِنَ الْحَشَرَاتِ وَيُوجِبُونَ فِيهَا الْجَزَاءَ، وَأَمَّا الْمُؤْذِي فَإِِنَّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَهُ إِنْ قَصَدَ دَفْعَ الإِِْذَايَةِ، أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ بِقَصْدِ الذَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْفَأْرَةَ، وَالْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ، فَإِِنَّهَا تُقْتَل مُطْلَقًا كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً بَدَأَتْ بِالأَْذِيَّةِ أَمْ لَا، وَأَلْحَقُوا بِالْفَأْرَةِ ابْنَ عِرْسٍ وَمَا يَقْرِضُ الثِّيَابَ مِنَ الدَّوَابِّ، وَبِالْعَقْرَبِ الزُّنْبُورَ وَالرُّتَيْلَى، وَهِيَ دَابَّةٌ صَغِيرَةٌ سَوْدَاءُ رُبَّمَا قَتَلَتْ مَنْ لَدْغَتْهُ.
قَال سَنَدٌ: الْهَوَامُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَخْتَصُّ بِالأَْجْسَامِ، وَمِنْهَا يَعِيشُ فَلَا يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُمِيطُهُ عَنِ الْجَسَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إِِلَى غَيْرِهِ، فَإِِنْ قَتَلَهُ أَطْعَمَ وَكَذَا إِذَا طَرَحَهُ، وَضَرْبٌ لَا يَخْتَصُّ بِالأَْجْسَامِ كَالنَّمْل، وَالذَّرِّ، وَالدُّودِ وَشَبَهِهِ فَإِِنْ قَتَلَهُ افْتَدَى، وَإِِنْ طَرَحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذْ طَرَحَهُ كَتَرْكِهِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمُحْرِمِ كَمَذْهَبِهِمْ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ، وَقَدْ سَبَقَ فِيمَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ مِنَ الْحَشَرَاتِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ ذَلِكَ فِي الإِِْحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَعَدَمِ الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِصَيْدٍ.
وَعِنْدَهُمْ فِي الْقُمَّل رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا يُبَاحُ قَتْلُهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُبَاحُ قَتْلُهَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فِي الْمَذْهَبِ، قَال الزَّرْكَشِيُّ مِنَ
الْحَنَابِلَةِ: هِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِِنْ قَتَلَهَا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ (1) .
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 212، 218، 219، وحاشية الدسوقي 2 / 74 شرح الزرقاني على مختصر خليل 2 / 312، ومواهب الجليل 3 / 164، 173، والخرشي على مختصر خليل 2 / 270 ط المطبعة العامرة الشرقية الطبعة الأولى ونهاية المحتاج 3 / 343، 344 ط مصطفى البابي الحلبي، كشاف القناع 2 / 439، الإنصاف 3 / 484 وما بعدها ط مطبعة السنة المحمدية