الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمُكَلَّفٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَال: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ (1) .
فَلَوْ حَجَّ الصَّبِيُّ صَحَّ حَجُّهُ وَكَانَ تَطَوُّعًا، فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ، بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، لأَِنَّهُ أَدَّى مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، فَلَا يَكْفِيهِ عَنِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ حَتَّى يَعْقِل، وَإِذَا عَقَل فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَإِذَا حَجَّ الأَْعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ، فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى (2) .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْحُرِّيَّةُ:
12 -
الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، لأَِنَّهُ مُسْتَغْرَقٌ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَلأَِنَّ الاِسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ وَلَا تَتَحَقَّقُ إِلَاّ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَالْعَبْدُ لَا يَتَمَلَّكُ شَيْئًا، فَلَوْ حَجَّ الْمَمْلُوكُ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ حَجُّهُ وَكَانَ تَطَوُّعًا لَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَيَأْثَمُ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَجَّةَ الإِْسْلَامِ عِنْدَمَا يُعْتَقُ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(1) حديث ابن عباس: " رفعت امرأة صبيا. . . ". أخرجه مسلم (2 / 974 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " إذا حج الصبي فهي له حجة. . . " أخرجه الحاكم في المستدرك (1 / 481 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الاِسْتِطَاعَةُ:
13 -
لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ خِصَال الاِسْتِطَاعَةِ لأَِنَّ الْقُرْآنَ خَصَّ الْخِطَابَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (1) .
وَخِصَال الاِسْتِطَاعَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ قِسْمَانِ: شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ، وَشُرُوطٌ تَخُصُّ النِّسَاءَ.
الْقِسْمُ الأَْوَّل: شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ:
شُرُوطُ الاِسْتِطَاعَةِ الْعَامَّةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ:
الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ، وَصِحَّةُ الْبَدَنِ، وَأَمْنُ الطَّرِيقِ، وَإِمْكَانُ السَّيْرِ.
الْخَصْلَةُ الأُْولَى:
14 -
تُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ، وَالنَّفَقَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَيَخْتَصُّ اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى آلَةِ الرُّكُوبِ بِمَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَكَّةَ.
قَال فِي " الْهِدَايَةِ ": وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْل مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا الرَّاحِلَةُ لأَِنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ فِي الأَْدَاءِ، فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إِلَى الْجُمُعَةِ " (2) .
(1) سورة آل عمران / 97.
(2)
الهداية مع فتح القدير 2 / 127.
وَالأَْظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَعِيدًا عَنْ مَكَّةَ هُوَ: مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، أَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا، إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ " (1) يَعْنِي مَسَافَةَ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ. وَتُقَدَّرُ بِ (81) كِيلُو مِتْرٍ تَقْرِيبًا.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَهُوَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ، وَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ عِنْدَهُمْ. وَتُقَدَّرُ عِنْدَهُمْ بِنَحْوِ الْمَسَافَةِ السَّابِقَةِ (2) .
15 -
وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْطِيَّةِ الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ، وَكَانُوا يَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ. لِذَلِكَ عَبَّرُوا بِقَوْلِهِمُ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ " وَهِيَ الْجَمَل الْمُعَدُّ لِلرُّكُوبِ لأَِنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِهِمْ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَمْرَيْنِ:
الأَْمْرُ الأَْوَّل: خَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ الْجُمْهُورَ فِي اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِذَا كَانَ صَحِيحَ الْبِنْيَةِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَهُوَ يَمْلِكُ الزَّادَ.
وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (3) .
(1) حاشية ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار 2 / 195.
(2)
نهاية المحتاج للرملي 2 / 377، وحاشية الباجوري 1 / 526، والمغني لابن قدامة 3 / 221.
(3)
سورة آل عمران / 97.
وَجْهُ الاِسْتِدْلَال أَنَّ " مَنْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَلَهُ زَادٌ فَقَدِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فَيَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ "(1) .
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِمَا وَرَدَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَسَّرَ السَّبِيل بِاسْتِطَاعَةِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، مِثْل حَدِيثِ أَنَسٍ: قِيل يَا رَسُول اللَّهِ مَا السَّبِيل؟ قَال: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ (2) .
فَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الاِسْتِطَاعَةَ الْمَشْرُوطَةَ " بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ جَمِيعًا " وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَشْيِ لَا تَكْفِي لاِسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ " (3) .
الأَْمْرُ الثَّانِي: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّادِ وَوَسَائِل الْمُوَاصَلَةِ هَل يُشْتَرَطُ مَلَكِيَّةُ الْمُكَلَّفِ لِمَا يُحَصِّلُهَا بِهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِلْكَ مَا يُحَصِّل بِهِ الزَّادَ وَوَسِيلَةَ النَّقْل (مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ
(1) مختصر خليل والشرح الكبير 2 / 6، ومواهب الجليل 2 / 491، وشرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأبي الحسن المالكي 1 / 455، وانظر تفسير القرطبي 4 / 146 - 149.
(2)
حديث أنس: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ أخرجه الحاكم (1 / 442 - ط دائرة المعارف العثمانية) والبيهقي (4 / 330 - ط دائرة المعارف العثمانية)، أعله البيهقي بالإرسال. ونقل ابن حجر في الفتح (3 / 379 - ط السلفية) عن ابن المنذر أنه قال:" لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة ".
(3)
بدائع الصنائع 2 / 122.