الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِسْمُ الأَْوَّل: الْمُتَعَلِّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ضَرْبَانِ:
24 -
أَحَدُهُمَا: مَا يَلْزَمُ الأَْمْرُ بِهِ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الاِنْفِرَادِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ:
الْمِثَال الأَْوَّل: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَتَلْزَمُ فِي وَطَنٍ مَسْكُونٍ، فَإِِنْ كَانُوا عَدَدًا قَدِ اتُّفِقَ عَلَى انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ كَالأَْرْبَعِينَ فَمَا زَادَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَأْخُذَهُمُ الْمُحْتَسِبُ بِإِِقَامَتِهَا، وَيَأْمُرَهُمْ بِفِعْلِهَا وَيُؤَدِّبَ عَلَى الإِِْخْلَال بِهَا، وَإِِنْ كَانُوا عَدَدًا قَدِ اخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ فَلَهُ فِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَتَّفِقَ رَأْيُ الْمُحْتَسِبِ وَرَأْيِ الْقَوْمِ عَلَى انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِذَلِكَ الْعَدَدِ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِِقَامَتِهَا، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُسَارِعُوا إِِلَى أَمْرِهِ بِهَا، وَيَكُونُ فِي تَأْدِيبِهِمْ عَلَى تَرْكِهَا أَلْيَنَ مِنْهُ فِي تَأْدِيبِهِمْ عَلَى تَرْكِ مَا انْعَقَدَ الإِِْجْمَاعُ عَلَيْهِ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَ رَأْيُهُ وَرَأْيُ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِِقَامَتِهَا وَهُوَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا لَوْ أُقِيمَتْ أَحَقُّ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَرَى الْقَوْمُ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ بِهِمْ وَلَا يَرَاهُ الْمُحْتَسِبُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَارِضَهُمْ فِيهَا، وَلَا يَأْمُرَ بِإِِقَامَتِهَا، لأَِنَّهُ لَا يَرَاهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْهَا وَيَمْنَعَهُمْ مِمَّا يَرَوْنَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَرَى الْمُحْتَسِبُ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ بِهِمْ وَلَا يَرَاهُ الْقَوْمُ، فَهَذَا مِمَّا فِي اسْتِمْرَارِ تَرْكِهِ تَعْطِيل الْجُمُعَةِ مَعَ تَطَاوُل الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ
وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَزِيَادَتِهِ، فَهَل لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِِقَامَتِهَا اعْتِبَارًا بِهَذَا الْمَعْنَى أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْل أَبِي سَعِيدٍ الإِِْصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِإِِقَامَتِهَا اعْتِبَارًا بِالْمَصْلَحَةِ لِئَلَاّ يَنْشَأَ الصَّغِيرُ عَلَى تَرْكِهَا، فَيَظُنَّ أَنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ زِيَادَةِ الْعَدَدِ كَمَا تَسْقُطُ بِنُقْصَانِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لأَِمْرِهِمْ بِهَا، لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَمْل النَّاسِ عَلَى اعْتِقَادِهِ، وَلَا يَقُودُهُمْ إِِلَى مَذْهَبِهِ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَهُمْ فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِ مَعَ تَسْوِيغِ الاِجْتِهَادِ فِيهِ، وَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ يَمْنَعُ مِنْ إِجْزَاءِ الْجُمُعَةِ.
الْمِثَال الثَّانِي: صَلَاةُ الْعِيدِ وَهَل يَكُونُ الأَْمْرُ بِهَا مِنَ الْحُقُوقِ اللَاّزِمَةِ، أَوْ مِنَ الْحُقُوقِ الْجَائِزَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: مَنْ قَال إِنَّهَا مَسْنُونَةٌ قَال: يُنْدَبُ الأَْمْرُ بِهَا، وَمَنْ قَال إِنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ قَال: الأَْمْرُ بِهَا يَكُونُ حَتْمًا.
الْمِثَال الثَّالِثُ: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ:
صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِِقَامَةُ الأَْذَانِ فِيهَا لِلصَّلَوَاتِ مِنْ شَعَائِرِ الإِِْسْلَامِ، وَعَلَامَاتِ مُتَعَبَّدَاتِهِ الَّتِي فَرَّقَ بِهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ دَارِ الإِِْسْلَامِ وَدَارِ الشِّرْكِ، فَإِِذَا اجْتَمَعَ أَهْل مَحَلَّةٍ أَوْ بَلَدٍ عَلَى تَعْطِيل الْجَمَاعَاتِ فِي مَسَاجِدِهِمْ، وَتَرْكِ الأَْذَانِ فِي أَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ، كَانَ الْمُحْتَسِبُ مَنْدُوبًا إِِلَى أَمْرِهِمْ بِالأَْذَانِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ، وَهَل ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ
يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ لَهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، عَلَى وَجْهَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي اتِّفَاقِ أَهْل بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الأَْذَانِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهَل يَلْزَمُ السُّلْطَانَ مُحَارَبَتُهُمْ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
فَأَمَّا مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مِنْ آحَادِ النَّاسِ أَوْ تَرَكَ الأَْذَانَ وَالإِِْقَامَةَ لِصَلَاتِهِ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلْمُحْتَسِبِ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَجْعَلْهُ عَادَةً وَإِِلْفًا، لأَِنَّهَا مِنَ النَّدْبِ الَّذِي يَسْقُطُ بِالأَْعْذَارِ، إِلَاّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ اسْتِرَابَةٌ، أَوْ يَجْعَلَهُ إِلْفًا وَعَادَةً وَيَخَافُ تَعَدِّيَ ذَلِكَ إِِلَى غَيْرِهِ فِي الاِقْتِدَاءِ بِهِ، فَيُرَاعِي حُكْمَ الْمَصْلَحَةِ بِهِ فِي زَجْرِهِ عَمَّا اسْتَهَانَ بِهِ مِنْ سُنَنِ عِبَادَتِهِ، وَيَكُونُ وَعِيدُهُ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مُعْتَبَرًا بِشَوَاهِدِ حَالِهِ، كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَانِي أَنْ يَسْتَعِدُّوا إِلَيَّ بِحُزَمٍ مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ تُحَرَّقُ بُيُوتٌ عَلَى مَنْ فِيهَا (1) .
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَأْمُرُ بِهِ آحَادَ النَّاسِ وَأَفْرَادَهُمْ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا،
(1) حديث: " لقد هممت أن آمر فتياني أن يستعدوا إلي بحزم من حطب، ثم آمر رجلا يصلي بالناس، ثم تحرق بيوت على من فيها ". أخرجه مسلم (1 / 452 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة. وفي لفظ " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال
فَيُذَكِّرُ بِهَا وَيَأْمُرُ بِفِعْلِهَا، وَيُرَاعِي جَوَابَهُ عَنْهَا، فَإِِنْ قَال: تَرَكْتُهَا لِنِسْيَانٍ، حَثَّهُ عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَ ذِكْرِهِ وَلَمْ يُؤَدِّبْهُ، وَإِِنْ تَرَكَهَا لِتَوَانٍ أَدَّبَهُ زَجْرًا وَأَخَذَهُ بِفِعْلِهَا جَبْرًا، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَنْ أَخَّرَهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ لاِخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي فَضْل التَّأْخِيرِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ، وَلَكِنْ لَوْ اتَّفَقَ أَهْل بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَاتِ إِِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَالْمُحْتَسِبُ يَرَى فَضْل تَعْجِيلِهَا فَهَل لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالتَّعْجِيل أَوْ لَا؟
مَنْ رَأَى أَنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ رَاعَى أَنَّ اعْتِيَادَ تَأْخِيرِهَا وَإِِطْبَاقَ جَمِيعِ النَّاسِ عَلَيْهِ مُفْضٍ إِِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَنْشَأُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَقْتُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ عَجَّلَهَا بَعْضُهُمْ تَرَكَ الْمُحْتَسِبُ مَنْ أَخَّرَهَا مِنْهُمْ وَمَا يَرَاهُ مِنَ التَّأْخِيرِ.
فَأَمَّا الأَْذَانُ وَالْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ إِذَا خَالَفَ فِيهِ رَأْيَ الْمُحْتَسِبِ، فَلَا اعْتِرَاضَ لَهُ فِيهِ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، وَإِِنْ كَانَ يَرَى خِلَافَهُ، إِذَا كَانَ مَا يُفْعَل مُسَوَّغًا فِي الاِجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ إِذَا فَعَلَهَا عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ يُخَالِفُ فِيهِ رَأْيَ الْمُحْتَسِبِ مِنْ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ، وَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ تَغَيَّرَ بِالْمَذْرُورَاتِ الطَّاهِرَاتِ، أَوِ الاِقْتِصَارِ عَلَى مَسْحِ أَقَل الرَّأْسِ، وَالْعَفْوِ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَلَا اعْتِرَاضَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ.