الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْخُرُوجِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُل الْحُقُوقِ، وَإِِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي جَازَ لَهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى فِيهَا إِذَا وَجَبَتْ بِاعْتِرَافٍ وَإِِقْرَارٍ مَعَ الإِِْمْكَانِ وَالْيَسَارِ، فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ الْمُوسِرَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَدَفْعُهَا إِِلَى مُسْتَحِقِّهَا، لأَِنَّ فِي تَأْخِيرِهِ لَهَا مُنْكَرًا هُوَ مَنْصُوبٌ لإِِِزَالَتِهِ.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي قُصُورِهَا عَنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ
فَأَحَدُهُمَا: قُصُورُهَا عَنْ سَمَاعِ عُمُومِ الدَّعَاوَى الْخَارِجَةِ عَنْ ظَوَاهِرِ الْمُنْكَرَاتِ مِنَ الدَّعَاوَى فِي الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَالْمُطَالَبَاتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُعْتَرَفِ بِهَا، فَأَمَّا مَا تَدَاخَلَهُ جَحْدٌ وَإِِنْكَارٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِيهَا.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي زِيَادَتِهَا عَلَى أَحْكَامِ الْقَضَاءِ:
فَأَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَتَعَرَّضَ بِتَصَفُّحِ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْهُ مِنَ الْمُنْكَرِ وَإِِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ خَصْمٌ مُسْتَعْدٍ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ إِلَاّ بِحُضُورِ خَصْمٍ يَجُوزُ لَهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحِسْبَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلرَّهْبَةِ فَلَا يَكُونُ خُرُوجُ الْمُحْتَسِبِ إِلَيْهَا بِالْغِلْظَةِ تَجَوُّزًا
فِيهَا. وَالْقَضَاءُ مَوْضُوعٌ لِلْمُنَاصَفَةِ فَهُوَ بِالأَْنَاةِ وَالْوَقَارِ أَخَصُّ (1) .
ثَانِيًا: الْمَظَالِمُ
3 -
وِلَايَةُ الْمَظَالِمِ قَوْدُ الْمُتَظَالِمِينَ إِِلَى التَّنَاصُفِ بِالرَّهْبَةِ، وَزَجْرُ الْمُتَنَازِعِينَ عَنِ التَّجَاحُدِ بِالْهَيْبَةِ. وَقَدْ بَيَّنَ الْمَاوَرْدِيُّ الصِّلَةَ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَبَيْنَ الْمَظَالِمِ فَقَال: بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مُؤْتَلِفٌ وَفَرْقٌ مُخْتَلِفٌ، فَأَمَّا الشَّبَهُ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
فَأَحَدُهُمَا: أَنَّ مَوْضُوعَهُمَا عَلَى الرَّهْبَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِقُوَّةِ السَّلْطَنَةِ.
وَالثَّانِي: جَوَازُ التَّعَرُّضِ فِيهِمَا لأَِسْبَابِ الْمَصَالِحِ، وَالتَّطَلُّعِ إِِلَى إِنْكَارِ الْعُدْوَانِ الظَّاهِرِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّظَرَ فِي الْمَظَالِمِ مَوْضُوعٌ لِمَا عَجَزَ عَنْهُ الْقُضَاةُ، وَالنَّظَرَ فِي الْحِسْبَةِ مَوْضُوعٌ لِمَا رَفُهَ عَنْهُ الْقُضَاةُ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ رُتْبَةُ الْمَظَالِمِ أَعْلَى وَرُتْبَةُ الْحِسْبَةِ أَخْفَضُ، وَجَازَ لِوَالِي الْمَظَالِمِ أَنْ يُوقِعَ إِِلَى الْقُضَاةِ وَالْمُحْتَسِبِ، وَلَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي أَنْ يُوقِعَ إِِلَى وَالِي الْمَظَالِمِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ إِِلَى الْمُحْتَسِبِ، وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُوقِعَ إِِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص 241، 242، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 285، 286، وتحفة الناظر وغنية الذاكر ص 178، 179، وتبصرة الحكام لابن فرحون 1 / 19، والمعيار 10 / 101.