الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالاً وَأُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ ضَمِنُوا الْمَال مُطْلَقًا (1) .
ثُمَّ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ، لَا عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الأَْخْذَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالُوا: لأَِنَّ وُجُودَ الضَّمَانِ لَيْسَ بِحَدٍّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُبَاشِرِ لَهُ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُعْتَبَرُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنًا لِلْمَال الْمَأْخُوذِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْل صَاحِبِهِ لأَِنَّهُمْ كَالْحُمَلَاءِ (الْكُفَلَاءِ) فَكُل مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أُخِذَ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِتَقَوِّي بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَمَنْ دَفَعَ أَكْثَر مِمَّا أَخَذَ يَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ (3) .
أَمَّا الْجِرَاحَاتُ فَقَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا جَرَحَ جَرْحًا فِيهِ قَوَدٌ فَانْدَمَل لَمْ يَتَحَتَّمْ بِهِ قِصَاصٌ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بَل يُتَخَيَّرُ الْمَجْرُوحُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لأَِنَّ التَّحَتُّمَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَاخْتُصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ، وَلأَِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَرْعِ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْمُحَارِبِ بِالْجِرَاحِ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ.
(1) حاشية الدسوقي 4 / 350، ونهاية المحتاج 8 / 8 ومغني المحتاج 4 / 182، والمغني 8 / 298.
(2)
نهاية المحتاج 8 / 8 ومغني المحتاج 4 / 483 والمغني 8 / 292.
(3)
أسهل المدارك 3 / 157.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لأَِحْمَدَ: يَتَحَتَّمُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالنَّفْسِ لأَِنَّ الْجِرَاحَ تَابِعَةٌ لِلْقَتْل فَيَثْبُتُ فِيهَا مِثْل حُكْمِهِ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ لِلشَّافِعِيَّةِ: يَتَحَتَّمُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لأَِنَّهُمَا مِمَّا يَسْتَحِقَّانِ فِي الْمُحَارَبَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
أَمَّا إِذَا سَرَى الْجُرْحُ إِِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ يَتَحَتَّمُ الْقَتْل (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالاً وَأُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ فَإِِنْ كَانَ الْمَال قَائِمًا رَدُّوهُ، وَإِِنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا لَا يَضْمَنُونَهُ، لأَِنَّهُ لَا يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ سَوَاءٌ كَانَتْ خَطَأً أَمْ عَمْدًا، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَتْ خَطَأً، فَإِِنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِِنْ كَانَتْ عَمْدًا، فَإِِنَّ الْجِنَايَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الأَْمْوَال، وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْمَال مَعَ إِقَامَةِ الْحَدِّ فَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ (2) .
مَا تَثْبُتُ بِهِ الْحِرَابَةُ:
23 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ جَرِيمَةَ الْحِرَابَةِ تَثْبُتُ قَضَاءً بِالإِِْقْرَارِ، أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَتُقْبَل شَهَادَةُ الرُّفْقَةِ فِي الْحِرَابَةِ، فَإِِذَا شَهِدَ عَلَى
(1) نهاية المحتاج 8 / 8، ومغني المحتاج 4 / 483، والمغني 8 / 292.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 95، والاختيار 4 / 111، وابن عابدين 3 / 213.