الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَرْمِي وَيَنْحَرُ وَيَحْلِقُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سُمِّيَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ لأَِنَّ الْحَاجَّ يَأْتِي مِنْ مِنًى فَيَزُورُ الْبَيْتَ وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، بَل يَرْجِعُ لِيَبِيتَ بِمِنًى. وَيُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ الإِْفَاضَةِ، لأَِنَّ الْحَاجَّ يَفْعَلُهُ عِنْدَ إِفَاضَتِهِ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ.
وَعَدَدُ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ سَبْعَةٌ، وَكُلُّهَا رُكْنٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الرُّكْنُ هُوَ أَكْثَرُ السَّبْعَةِ، وَالْبَاقِي وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ.
وَيَجِبُ الْمَشْيُ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَيُسَنُّ الرَّمَل وَالاِضْطِبَاعُ فِي الطَّوَافِ إِذَا كَانَ سَيَسْعَى بَعْدَهُ وَإِلَاّ فَلَا يُسَنُّ. وَيُصَلِّي بَعْدَ الطَّوَافِ رَكْعَتَيْنِ وُجُوبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَسُنَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (طَوَافٌ) .
رُكْنِيَّةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ:
53 -
ثَبَتَ فَرْضِيَّةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ:
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)
فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الآْيَةَ فِي طَوَافِ الإِْفَاضَةِ، فَيَكُونُ فَرْضًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ حَجَّتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ
(1) سورة الحج / 30.
بِنْتُ حُيَيٍّ رضي الله عنها مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَاضَتْ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ. قَال: فَلَا إذَنْ (1) .
فَدَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الإِْفَاضَةِ فَرْضٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْلَا فَرْضِيَّتُهُ لَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنِ السَّفَرِ.
وَعَلَيْهِ الإِْجْمَاعُ (2) .
شُرُوطُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ:
54 -
يُشْتَرَطُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِهِ سِوَى الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ لِلطَّوَافِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ هِيَ:
أ - أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالإِْحْرَامِ، لِتَوَقُّفِ احْتِسَابِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَال الْحَجِّ عَلَى الإِْحْرَامِ.
ب - أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِوُقُوفِ عَرَفَةَ، فَلَوْ طَافَ لِلإِْفَاضَةِ قَبْل الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الطَّوَافِ، إِجْمَاعًا.
ج - النِّيَّةُ: بِأَنْ يَقْصِدَ أَصْل الطَّوَافِ. أَمَّا نِيَّةُ التَّعْيِينِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي طَوَافِ الإِْفَاضَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) لِدُخُولِهِ فِي نِيَّةِ الْحَجِّ.
(1) حديث: " أحابستنا هي؟ . . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 586 - ط السلفية) ومسلم (2 / 964 - ط الحلبي) .
(2)
المغني 3 / 440، والبدائع 1 / 128.
لِذَلِكَ صَرَّحُوا بِشَرْطِيَّةِ عَدَمِ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ، كَطَلَبِ غَرِيمٍ، أَوْ هَرَبٍ مِنْ ظَالِمٍ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَدِ اشْتَرَطُوا تَعْيِينَ الطَّوَافِ فِي النِّيَّةِ (1) .
د - الْوَقْتُ: فَلَا يَصِحُّ طَوَافُ الإِْفَاضَةِ قَبْل الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لَهُ شَرْعًا. وَهُوَ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ يَبْتَدِئُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَوَّل وَقْتِ طَوَافِ الإِْفَاضَةِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَهُ.
اسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ: مَا قَبْل الْفَجْرِ مِنَ اللَّيْل وَقْتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ "، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَيَشْغَل شَيْئًا مِنْ وَقْتِ الْوُقُوفِ.
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ بِقِيَاسِ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ، لأَِنَّهُمَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّل، فَإِنَّهُ بِالرَّمْيِ لِلْجِمَارِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ يَحْصُل التَّحَلُّل الأَْوَّل، وَبِالطَّوَافِ يَحْصُل التَّحَلُّل الأَْكْبَرُ (بِشَرْطِ السَّعْيِ) ،
(1) وانظر مسألة نية الطواف في بدائع الصنائع 2 / 128 والمسلك المتقسط ص 98 و 99 والمهذب للشيرازي 8 / 16 والمجموع ص 18 - 21 والإيضاح ص 251 - 252 ونهاية المحتاج 2 / 409 و 414 و 416 ومغني المحتاج 1 / 487 و 492 والمغني 3 / 441 - 443 والفروع وفيه أقوال تخريجات عليها 3 / 449 - 501.
فَكَمَا أَنَّ وَقْتَ الرَّمْيِ يَبْدَأُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْل فَكَذَا وَقْتُ طَوَافِ الإِْفَاضَةِ.
وَالأَْفْضَل عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَدَاؤُهُ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ.
55 -
وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ فَلَيْسَ لآِخِرِهِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ لأَِدَائِهِ فَرْضًا، بَل جَمِيعُ الأَْيَّامِ وَاللَّيَالِي وَقْتُهُ إِجْمَاعًا.
لَكِنَّ الإِْمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ أَدَاءَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى أَدَّاهُ بَعْدَهَا صَحَّ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ جَزَاءَ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا. وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ إِلَاّ بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِذَا خَرَجَ لَزِمَهُ دَمٌ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا.
اسْتَدَل أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الطَّوَافَ عَلَى الذَّبْحِ فِي الْحَجِّ، فَقَال:{فَكُلُوا مِنْهَا} (1)، ثُمَّ قَال:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) ، فَكَانَ وَقْتُهُمَا وَاحِدًا، فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ.
إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ نَظَرُوا إِلَى شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّهُ
(1) سورة الحج / 29.
(2)
سورة الحج / 30.