الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ (1) .
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَال، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَال: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ. قَال: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ (2) .
قَالُوا: وَفِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِفِعْل غَيْرِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ الإِْجْمَاعُ عَلَى مَا خَالَفَ فِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، فَتُحْمَل الزِّيَادَةُ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ يَجُوزُ فِعْلُهَا إِذَا رَأَى الإِْمَامُ ذَلِكَ.
شُرْبُ الْمُسْكِرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ:
16 -
إِذَا شَرِبَ إِنْسَانٌ مُسْكِرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يُحَدُّ لِلشُّرْبِ وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا لإِِفْطَارِهِ فِي
(1) حديث: أن عليا جلد الوليد بن عقبة. أخرجه مسلم (3 / 1332 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال. أخرجه مسلم (3 / 1331 - ط الحلبي) .
شَهْرِ رَمَضَانَ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (1) .
وَذَلِكَ لأَِنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مُلْزِمٌ لِلْحَدِّ، وَهَتْكُ حُرْمَةِ الشَّهْرِ وَالصَّوْمِ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ وَلَكِنَّ الْحَدَّ أَقْوَى مِنَ التَّعْزِيرِ فَيُبْتَدَأُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يُوَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْزِيرِ لِكَيْ لَا يُؤَدِّيَ إِلَى الإِْتْلَافِ.
وَالأَْصْل فِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الْحَارِثِيِّ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَحَدَّهُ ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَخْرَجَهُ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا وَقَال: هَذَا لِجَرَاءَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (2) .
شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَدِّ:
يُشْتَرَطُ لإِِيجَابِ الْحَدِّ مَا يَلِي:
17 -
أَوَّلاً: التَّكْلِيفُ وَهُوَ هُنَا الْعَقْل وَالْبُلُوغُ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِاتِّفَاقٍ (3) ؛ لأَِنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً، وَفِعْل الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا.
(1) المبسوط 24 / 32 - 33، منتهى الإرادات 2 / 478.
(2)
المبسوط 24 / 33.
(3)
البدائع 7 / 39، ابن عابدين 4 / 37، حاشية الدسوقي 4 / 352، شرح منح الجليل 4 / 549، مغني المحتاج 4 / 187، نهاية المحتاج 8 / 12، منتهى الإرادات 2 / 476، الإقناع 4 / 267.
وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُؤَدَّبُ لِلزَّجْرِ.
18 -
ثَانِيًا: الإِْسْلَامُ (1) : فَلَا حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ بِالشُّرْبِ وَلَا بِالسُّكْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
يَقُول الْكَاسَانِيُّ: وَشُرْبُ الْخَمْرِ مُبَاحٌ لأَِهْل الذِّمَّةِ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا فَلَا يَكُونُ جِنَايَةً، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لَكِنَّنَا نُهِينَا عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَفِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ تَعَرُّضٌ لَهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لأَِنَّنَا نَمْنَعُهُمْ مِنَ الشُّرْبِ.
وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُمْ إِذَا شَرِبُوا وَسَكِرُوا يُحَدُّونَ لأَِجْل السُّكْرِ لَا لأَِجْل الشُّرْبِ لأَِنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي الأَْدْيَانِ كُلِّهَا. قَال الْكَاسَانِيُّ: وَمَا قَالَهُ الْحَسَنُ حَسَنٌ (3) .
وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: " إِنْ سَكِرَ الذِّمِّيُّ مِنَ الْحَرَامِ حُدَّ فِي الأَْصَحِّ لِحُرْمَةِ السُّكْرِ فِي كُل مِلَّةٍ " وَجَاءَ بِهَا أَيْضًا قَوْلُهُ: حُدَّ فِي الأَْصَحِّ أَفْتَى بِهِ الْحَسَنُ وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ
(1) البدائع 7 / 39، ابن عابدين 4 / 37، حاشية الدسوقي 4 / 352، شرح منح الجليل 4 / 549، مغني المحتاج 4 / 187، نهاية المحتاج 8 / 12، منتهى الإرادات 2 / 476، المحرر في الفقه ص 163، الإقناع 4 / 267.
(2)
البدائع 7 / 39، المبسوط 24 / 31.
(3)
البدائع 7 / 40.
الْمَشَايِخِ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ (1)
وَقَال الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بِشُرْبِهِ وَإِنْ سَكِرَ، وَعَنْهُ: يُحَدُّ، وَعِنْدِي: إِنْ سَكِرَ حُدَّ وَإِلَاّ فَلَا (2) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُؤَدَّبُ بِالشُّرْبِ إِنْ أَظْهَرَهُ (3) .
19 -
ثَالِثًا: عَدَمُ الضَّرُورَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، بِأَنْ يَشْرَبَهَا مُخْتَارًا لِشُرْبِهَا، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ (4) . فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا وَذَلِكَ لِقَوْل الرَّسُول: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (5) وَلأَِنَّ الْحَدَّ
(1) ابن عابدين 4 / 37.
(2)
المحرر ص 163.
(3)
الدسوقي 4 / 352، منح الجليل 4 / 549.
(4)
البدائع 7 / 39، ابن عابدين 4 / 37، المبسوط 24 / 32، الهداية 2 / 111، حاشية الدسوقي 4 / 352، شرح منح الجليل 3 / 549، مغني المحتاج 4 / 187، نهاية المحتاج 8 / 12، حاشية الجمل 5 / 159، المغني 8 / 307، منتهى الإرادات 2 / 476، المحرر في الفقه ص 163، الإقناع 4 / 267.
(5)
حديث: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. ورد بلفظ، " إن الله وضع عن أمتي ". . الحديث، أخرجه ابن ماجه (1 / 659 - ط الحلبي) والحاكم (2 / 198 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً وَالشُّرْبُ بِالإِْكْرَاهِ حَلَالٌ فَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً فَلَا حَدَّ وَلَا إِثْمَ (1) .
وَسَوَاءٌ أُكْرِهَ بِالْوَعِيدِ وَالضَّرْبِ أَوْ أُلْجِئَ إِلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُفْتَحَ فُوهُ وَتُصَبُّ فِيهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ (2) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الإِْكْرَاهَ يَكُونُ بِالتَّهْدِيدِ بِالْقَتْل أَوْ بِالضَّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ أَوْ بِإِتْلَافِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ بِالضَّرْبِ الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ؛ أَيْ بِقَيْدٍ أَوْ سَجْنٍ شَدِيدَيْنِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ لِسَحْنُونٍ (3) .
وَكَذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَى مَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا لِدَفْعِ غُصَّةٍ بِهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ مَائِعًا سِوَاهَا، وَذَلِكَ لِقَوْل اللَّهِ عز وجل فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (4) .
وَلأَِنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً وَالشُّرْبُ لِضَرُورَةِ الْغُصَّةِ حَلَالٌ فَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (5) .
(1) البدائع 17 / 39، المغني 8 / 307.
(2)
المغني لابن قدامة 8 / 307، الإقناع 4 / 267.
(3)
حاشية الدسوقي، 4 / 353، شرح منح الجليل، 4 / 552.
(4)
سورة البقرة / 173.
(5)
البدائع 7 / 39، حاشية الدسوقي 4 / 354، وجاء فيها خلافا لابن عرفة في عدم الجواز، شرح منح الجليل 4 / 552، مغني المحتاج 4 / 188، نهاية المحتاج 8 / 13، المغني 8 / 307، منتهى الإرادات 2 / 476، المحرر ص 162، الإقناع 4 / 266.
وَإِنْ شَرِبَهَا لِعَطَشٍ فَالْحَنَابِلَةُ (1) يَقُولُونَ: إِنْ كَانَتْ مَمْزُوجَةً بِمَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ أُبِيحَتْ لِدَفْعِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَإِبَاحَتِهَا لِدَفْعِ الْغُصَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ أَنَّهُ أَسَرَهُ الرُّومُ، فَحَبَسَهُ طَاغِيَتُهُمْ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَاءٌ مَمْزُوجٌ بِخَمْرٍ، وَلَحْمُ خِنْزِيرٍ مَشْوِيٌّ لِيَأْكُلَهُ وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَتَرَكَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَفْعَل، ثُمَّ أَخْرَجُوهُ حِينَ خَشُوا مَوْتَهُ فَقَال: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَحَلَّهُ لِي فَإِنِّي مُضْطَرٌّ وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لأُِشْمِتَكُمْ بِدِينِ الإِْسْلَامِ (2) .
وَإِنْ شَرِبَهَا صِرْفًا أَوْ مَمْزُوجَةً بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يَرْوِي مِنَ الْعَطَشِ لَمْ يُبَحْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) يَحِل شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (4) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، الأَْصَحُّ تَحْرِيمُهَا لِعَطَشٍ
(1) المغني 8 / 307، منتهى الإرادات 2 / 475، المحرر في الفقه ص 162.
(2)
قصة عبد الله بن حذافة أوردها ابن حجر في الإصابة (2 / 296 - 297 - ط السعادة) وعزاها إلى البيهقي.
(3)
المبسوط 24 / 28.
(4)
سورة الأنعام / 119.