الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ جَائِزٌ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ الدَّرَاهِمَ فِي الثَّوْبِ " (1) .
قَال ابْنُ جُزَيٍّ: " مَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ غَيْرَ طَعَامٍ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْل الأَْجَل أَوْ بَعْدَهُ؛ لأَِنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْل قَبْضِهِ. فَإِنْ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ طَعَامٍ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَهُ إِذَا قَبَّضَهُ الْجِنْسَ الآْخَرَ مَكَانَهُ.
فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ عَنِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ لِمَصِيرِهِ إِلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَزَبِيبٍ أَبْيَضَ عَنْ أَسْوَدَ، إِلَاّ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنَ الآْخَرِ أَوْ أَدْنَى، فَيَجُوزُ بَعْدَ الأَْجَل؛ لأَِنَّهُ مِنَ الرِّفْقِ وَالْمُسَامَحَةِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ؛ لأَِنَّهُ فِي الدُّونِ وُضِعَ عَلَى التَّعْجِيل، وَفِي الأَْجْوَدِ عِوَضٌ عَنِ الضَّمَانِ " وَقَال بَعْدَ ذَلِكَ:" يَجُوزُ بَيْعُ الْعِوَضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِهِ بِمِثْل ثَمَنِهِ أَوْ أَقَل لَا أَكْثَرَ؛ لأَِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي الأَْكْثَرِ بِسَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ بِالْمِثْل وَأَقَل وَأَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ بِالتَّأْخِيرِ لِلْغَرَرِ؛ لأَِنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ الأَْوَّل نَقْدًا لَجَازَ "(2) .
(1) شرح الخرشي 5 / 227.
(2)
القوانين الفقهية (ط - الدار العربية للكتاب بتونس) ص 274، 275.
ج -
إِيفَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ:
33 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا حَل أَجَل السَّلَمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِيفَاءُ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
فَإِنْ جَاءَ بِهِ وَفْقَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْعَقْدِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ (1) " لأَِنَّهُ أَتَاهُ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
فَإِنْ أَبَى قِيل لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّكَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ. فَإِنِ امْتَنَعَ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ لِلْمُسْلِمِ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِوِلَايَتِهِ (2) .
أَمَّا قَبْل حُلُول الأَْجَل، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ مُطَالَبَةُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِالدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (3) .
وَلَكِنْ إِذَا أَتَى بِهِ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ قَبْل الأَْجَل، وَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ، فَهَل يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(1) روضة الطالبين 4 / 29، 30.
(2)
المغني 4 / 339، وانظر كشاف القناع 3 / 288 وما بعدها.
(3)
روضة الطالبين 4 / 30.
أ - قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَتَى بِهِ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ قَبْل مَحِلِّهِ، فَيُنْظَرُ فِيهِ:
فَإِنْ كَانَ مِمَّا فِي قَبْضِهِ قَبْل مَحِلِّهِ ضَرَرٌ - عَلَى الْمُسْلِمِ - إِمَّا لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ، كَالْفَاكِهَةِ، وَالأَْطْعِمَةِ كُلِّهَا، أَوْ كَانَ قَدِيمُهُ دُونَ حَدِيثِهِ، كَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمِ الْمُسْلِمَ قَبُولُهُ؛ لأَِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَأْخِيرِهِ، بِأَنْ يَحْتَاجَ إِلَى أَكْلِهِ أَوْ إِطْعَامِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ؛ لأَِنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَلَفَهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دُونَ مَا قَبْلَهُ. وَهَذَا إِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إِلَى مُؤْنَةٍ، كَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ الْوَقْتُ مَخُوفًا يَخْشَى نَهْبُ مَا يَقْبِضُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الأَْخْذُ فِي هَذِهِ الأَْحْوَال كُلِّهَا؛ لأَِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي قَبْضِهِ، وَلَمْ يَأْتِ مَحَل اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، فَجَرَى مَجْرَى نَقْصِ صِفَةٍ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ. بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ، كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ الزَّيْتُ وَالْعَسَل، وَلَا فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ لِخَوْفٍ وَلَا تَحَمُّل مُؤْنَةٍ، فَعَلَيْهِ قَبْضُهُ؛ لأَِنَّ غَرَضَهُ حَاصِلٌ مَعَ زِيَادَةِ تَعْجِيل الْمَنْفَعَةِ،
فَجَرَى مَجْرَى زِيَادَةِ الصِّفَةِ وَتَعْجِيل الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ غَرَضٌ فِي الاِمْتِنَاعِ وَكَانَ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ غَرَضٌ آخَرُ سِوَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِأَنْ كَانَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ أُجْبِرَ الْمُسْلِمُ عَلَى الْقَبُول عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِلَاّ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْبَرُ (1) .
ب - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: " إِذَا دَفَعَ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْل الأَْجَل، جَازَ قَبُولُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ. وَأَلْزَمَ الْمُتَأَخِّرُونَ قَبُولَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ "(2) .
34 -
وَلَوْ أَحْضَرَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ الدَّيْنَ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ بَعْدَ مَحِل الأَْجَل. فَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ، كَمَا لَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: " اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ، مِثْل أَنْ يُسْلِمَ فِي قَطَائِفِ الشِّتَاءِ (4)
(1) المغني لابن قدامة 4 / 339، وانظر روضة الطالبين 4 / 30، شرح منتهى الإرادات 2 / 219.
(2)
القوانين الفقهية ص 275، وانظر بداية المجتهد 2 / 232، المنتقى للباجي 4 / 304، المدونة 9 / 43.
(3)
المغني 4 / 339، شرح منتهى الإرادات 2 / 219، كشاف القناع 3 / 288.
(4)
جمع قطيفة: وهي دثار مخمل.
فَيَأْتِي بِهَا فِي الصَّيْفِ، وَقَال ابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (1) .
وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ مَنْشَأَ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُلْزِمْهُ بِقَبْضِهِ بَعْدَ الأَْجَل رَأَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعُرُوضِ إِنَّمَا كَانَ وَقْتَ الأَْجَل لَا غَيْرَهُ. أَمَّا مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ وَأَلْزَمَهُ بِقَبْضِهِ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ (2) .
أَمَّا إِذَا أَتَى الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَحِلِّهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ، فَيُنْظَرُ: فَإِنْ أَحْضَرَهُ بِجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، وَلَكِنْ عَلَى صِفَةٍ دُونَ صِفَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ جَازَ لِلْمُسْلِمِ قَبُولُهُ، لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِسْقَاطًا لِحَقِّهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ.
وَإِنْ أَحْضَرَهُ بِجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، وَبِصِفَةٍ أَجْوَدَ مِنَ الْمَوْصُوفِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَزِيَادَةٍ تَابِعَةٍ لَهُ، فَيَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ، إِذْ لَمْ يَفُتْهُ غَرَضٌ (3) .
وَإِنْ أَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ، كَأَنْ أَسْلَمَ بِتَمْرٍ خُضَرِيٍّ، فَأَحْضَرَ الْبَرْنِيَّ، أَوْ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ، فَأَتَى بِمَرْوِيٍّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
(1) بداية المجتهد 2 / 232.
(2)
بداية المجتهد 2 / 233.
(3)
روضة الطالبين 4 / 29، المغني 4 / 340، شرح منتهى الإرادات 2 / 217.
قَال النَّوَوِيُّ: " أَصَحُّهَا: يَحْرُمُ قَبُولُهُ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ " قَال الْمَحَلِّيُّ لأَِنَّهُ يُشْبِهُ الاِعْتِيَاضَ عَنْهُ أَيِ الاِعْتِيَاضَ عَنْ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مَعَ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: " لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَل مَا وَصَفْنَاهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَاهَا، وَقَدْ فَاتَ بَعْضُ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ النَّوْعَ صِفَةٌ، وَقَدْ فَاتَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَاتَ غَيْرُهُ مِنَ الصِّفَاتِ.
وَقَال أَبُو يَعْلَى: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، لأَِنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآْخَرِ فِي الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ مَعَ اتِّفَاقِ النَّوْعِ " (2) .
أَمَّا الْمِعْيَارُ الَّذِي يُحْتَكَمُ إِلَيْهِ فِي حَدِّ الصِّفَةِ الْوَاجِبِ تَوَفُّرُهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَدْ بَيَّنَهُ ابْنُ قُدَامَةَ بِقَوْلِهِ: " وَلَيْسَ لَهُ - أَيْ: لِلْمُسْلِمِ - إِلَاّ أَقَل مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ؛ لأَِنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ سَلَّمَ إِلَيْهِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ، فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ (3) .
(1) روضة الطالبين 4 / 30، القليوبي على شرح المحلي للمنهاج 2 / 255.
(2)
المغني 4 / 340، وانظر شرح منتهى الإرادات 2 / 217.
(3)
المغني 4 / 341، وانظر شرح منتهى الإرادات 2 / 220، كشاف القناع 3 / 289.