الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج -
مُفَارَقَةُ مَحِل الإِْقَامَةِ:
9 -
يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا قَبْل الْمُفَارَقَةِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ مَا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ مَوْضِعِ الإِْقَامَةِ كَرُبَضِ الْمِصْرِ. وَهُوَ مَا حَوْل الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ. وَكَذَا الْقُرَى الْمُتَّصِلَةُ بِالرُّبَضِ فِي الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْبَسَاتِينِ وَلَوْ مُتَّصِلَةً بِالْبِنَاءِ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْبَلْدَةِ، وَلَوْ سَكَنَهَا أَهْل الْبَلْدَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ بَعْضِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ سُكْنَى الْحَفَظَةِ وَالأَْكَرَةِ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا الْفِنَاءُ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْبَلَدِ كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ، فَإِنِ اتَّصَل بِالْمِصْرِ اعْتُبِرَتْ مُجَاوَزَتُهُ لَا إِنِ انْفَصَل بِمَزْرَعَةٍ بِقَدْرِ ثَلَاثِمِائَةِ إِلَى أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْفِنَاءِ دُونَ الرُّبَضِ لَا تُعْتَبَرُ مُجَاوَزَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالْمُعْتَبَرُ الْمُجَاوَزَةُ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى لَوْ جَاوَزَ عُمْرَانَ الْمِصْرِ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أَبْنِيَةٌ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ مُجَاوَزَةَ الْبَسَاتِينِ إِذَا سَافَرَ مِنْ نَاحِيَتِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا وَإِنْ مُحَاذِيًا لَهَا، وَإِلَاّ فَيَقْصُرُ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ.
وَقَال الْبُنَانِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ إِلَاّ إِذَا سَافَرَ مِنْ نَاحِيَتِهَا، وَإِنْ سَافَرَ مِنْ غَيْرِ نَاحِيَتِهَا فَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا وَلَوْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهَا إِذْ غَايَةُ الْبَسَاتِينِ أَنْ تَكُونَ كَجُزْءٍ مِنَ الْبَلَدِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: مِثْل الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْقَرْيَتَانِ اللَّتَانِ يَرْتَفِقُ أَهْل أَحَدِهِمَا بِأَهْل الأُْخْرَى بِالْفِعْل، وَإِلَاّ فَكُل قَرْيَةٍ تُعْتَبَرُ بِمُفْرَدِهَا، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ سَاكِنِيهَا يَرْتَفِقُ بِالْبَلَدِ الأُْخْرَى كَالْجَانِبِ الأَْيْمَنِ دُونَ الآْخَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا كُلَّهَا كَحُكْمِ الْمُتَّصِلَةِ. ثُمَّ إِنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمْ بِالْبَسَاتِينِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَرْتَفِقَ سُكَّانُهَا بِالْبَلَدِ الْمَسْكُونَةِ بِالأَْهْل وَلَوْ فِي بَعْضِ الْعَامِّ ارْتِفَاقَ الاِتِّصَال، مِنْ نَارٍ وَطَبْخٍ وَخَبْزٍ.
أَمَّا الْبَسَاتِينُ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ غَيْرُ الْمَسْكُونَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِالْحَارِسِ وَالْعَامِل فِيهَا.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلْبَلَدِ سُورٌ فَأَوَّل سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُورِهَا، وَلَوْ مُتَعَدِّدًا أَوْ كَانَ دَاخِلَهُ مَزَارِعُ أَوْ خَرَابٌ؛ إِذْ مَا فِي دَاخِل السُّورِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْبَلَدِ مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الإِْقَامَةِ. وَإِنْ كَانَ لَهَا بَعْضُ سُورٌ وَهُوَ صَوْبُ مَقْصِدِهِ اشْتُرِطَتْ مُجَاوَزَتُهُ، وَلَوْ كَانَ السُّورُ مُتَهَدِّمًا وَبَقِيَتْ لَهُ بَقَايَا اشْتُرِطَتْ مُجَاوَزَتُهُ أَيْضًا وَإِلَاّ فَلَا. وَالْخَنْدَقُ فِي الْبَلْدَةِ
الَّتِي لَا سُورَ لَهَا كَالسُّورِ، وَبَعْضُهُ كَبَعْضِهِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ مَعَ وُجُودِ السُّورِ. وَيَلْحَقُ بِالسُّورِ تَحْوِيطَةُ أَهْل الْقُرَى عَلَيْهَا بِتُرَابٍ وَنَحْوِهِ. وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْعِمَارَةِ وَرَاءَ السُّورِ فِي الأَْصَحِّ لِعَدَمِ عَدِّهَا مِنَ الْبَلَدِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ سُوْرٌ أَصْلاً، أَوْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، أَوْ كَانَ لَهَا سُورٌ غَيْرُ خَاصٍّ بِهَا، وَكَقُرَى مُتَفَاصِلَةٍ جَمَعَهَا سُورٌ وَلَوْ مَعَ التَّقَارُبِ، فَأَوَّل سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ. وَلَوْ تَخَلَّلَهُ خَرَابٌ لَا أُصُول أَبْنِيَةٍ بِهِ أَوْ نَهْرٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ لِكَوْنِهِ مَحَل الإِْقَامَةِ، أَمَّا الْخَرَابُ خَارِجَ الْعُمْرَانِ الَّذِي لَمْ تَبْقَ أُصُولُهُ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَيْهِ أَوِ اتَّخَذُوهُ مَزَارِعَ فَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ، كَمَا لَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنِ اتَّصَلَتْ بِمَا سَافَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ مَحُوطَةً لأَِنَّهَا لَا تُتَّخَذُ لِلإِْقَامَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِهَا قُصُورٌ أَمْ دُورٌ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُول السَّنَةِ أَوْ لَا. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَرْيَتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ عُرْفًا كَبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنِ اخْتَلَفَ اسْمُهُمَا وَإِلَاّ اكْتَفَى بِمُجَاوَزَةِ قَرْيَةِ الْمُسَافِرِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ دَاخِل السُّورِ أَوْ خَارِجَهُ، فَيَقْصُرُ إِذَا فَارَقَهَا بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُفَارَقَةِ بِنَوْعِ الْبُعْدِ عُرْفًا؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَبَاحَ الْقَصْرَ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الأَْرْضِ. وَقَبْل
مُفَارَقَتِهِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا فِيهَا وَلَا مُسَافِرًا؛ وَلأَِنَّ ذَلِكَ أَحَدُ طَرَفَيِ السَّفَرِ أَشْبَهَ حَالَةَ الاِنْتِهَاءِ.
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يَقْصُرُ إِذَا ارْتَحَل، وَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْخَرَابِ وَإِنْ كَانَتْ حِيطَانُهُ قَائِمَةً إِنْ لَمْ يَلِهِ عَامِرٌ فَإِنْ وَلِيَهُ عَامِرٌ اعْتُبِرَتْ مُفَارَقَةُ الْجَمِيعِ. وَكَذَا لَوْ جُعِل الْخَرَابُ مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ وَلَوْ فِي فَصْل النُّزْهَةِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهُ. وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ مُتَدَانِيَتَيْنِ وَاتَّصَل بِنَاءُ إِحْدَاهُمَا بِالأُْخْرَى فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِل فَلِكُل قَرْيَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا.
وَأَمَّا مَسَاكِنُ الْخِيَامِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ أَوَّل سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ حِلَّتِهِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ الْحِلَّةُ بُيُوتٌ مُجْتَمَعَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ، وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْحِلَّةُ مَنْزِل قَوْمِهِ، فَالْحِلَّةُ وَالْمَنْزِل بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْحِلَّةِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ، حَيْثُ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ أَوِ الدَّارِ فَقَطْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ أَوِ الدَّارِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ إِلَاّ إِذَا جَاوَزَ جَمِيعَ