الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ (1) . وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ السَّفَرَ لِرُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالتَّنَزُّهِ فِيهَا مُبَاحٌ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ السِّيَاحَةَ لِغَيْرِ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مَكْرُوهٌ (2) .
السَّفَرُ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ:
5 -
السَّفَرُ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي شَيْئًا مِنْ أَهْلِيَّةِ الأَْحْكَامِ وُجُوبًا وَأَدَاءً مِنَ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا. فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنَ الأَْحْكَامِ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ لِبَقَاءِ الْقُدْرَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِكَمَالِهَا. لَكِنَّهُ جُعِل فِي الشَّرْعِ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا - يَعْنِي مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْمَشَقَّةِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبٍ لَهَا - لأَِنَّ السَّفَرَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَقَّةِ فِي الْغَالِبِ. فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ
(1) حديث: " الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب ". أخرجه الترمذي (4 / 193 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال:" حديث حسن ".
(2)
العناية على الهداية بهامش القدير 2 / 19 دار إحياء التراث العربي، مواهب الجليل 2 / 139 دار الفكر 1978م، نهاية المحتاج 2 / 248 ط. مصطفى الحلبي 1967م. حاشية الجمل 1 / 589 دار إحياء التراث العربي، كشاف القناع 1 / 503 عالم الكتب 1983م.
نَفْسُ السَّفَرِ سَبَبًا لِلرُّخَصِ وَأُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
شُرُوطُ السَّفَرِ:
6 -
يُشْتَرَطُ فِي السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ، مَا يَلِي:
أ -
أَنْ يَبْلُغَ الْمَسَافَةَ الْمُحَدَّدَةَ شَرْعًا:
7 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَافَةِ السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إِلَى أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِهَا الأَْحْكَامُ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: يَا أَهْل مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَل مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ (2) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. وَذَلِكَ إِنَّمَا يُفْعَل عَنْ تَوْقِيفٍ. وَكُل بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ
(1) تيسير التحرير 2 / 258، 303 ط مصطفى الحلبي 1350 هـ، كشف الأسرار 4 / 376 دار الكتاب العربي 1974م.
(2)
حديث: " يا أهل مكة، لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان ". أخرجه الدارقطني (1 / 387 - ط دار المحاسن)، وقال ابن حجر:" إسناده ضعيف والصحيح عن ابن عباس من قوله " كذا في التلخيص الحبير (2 / 46 - ط شركة الطباعة الفنية) .
فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ.
فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً، وَالْفَرْسَخُ بِأَمْيَال بَنَى أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ، فَالْمَسَافَةُ عَلَى هَذَا أَرْبَعُونَ مِيلاً.
وَالتَّقْدِيرُ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلاً هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (1) وَعِنْدَهُمْ أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا تُحْسَبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَافَةِ مُدَّةُ الرُّجُوعِ اتِّفَاقًا.
فَلَوْ كَانَتْ مُلَفَّقَةً مِنَ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ لَمْ تَتَغَيَّرِ الأَْحْكَامُ. وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ مَرْحَلَتَانِ، وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الإِْبِل الْمُثْقَلَةِ بِالأَْحْمَال عَلَى الْمُعْتَادِ، مَعَ النُّزُول الْمُعْتَادِ لِنَحْوِ اسْتِرَاحَةٍ وَأَكْلٍ وَصَلَاةٍ. قَال الأَْثْرَمُ: قِيل لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ: فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ؟ قَال: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. قِيل لَهُ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ؟ قَال: لَا، أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَقَدْ قَدَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مِنْ عُسْفَانَ إِلَى مَكَّةَ، وَمِنَ الطَّائِفِ إِلَى مَكَّةَ، وَمِنْ جَدَّةَ إِلَى مَكَّةَ. وَقَدْ صَرَّحَ
(1) الميل مقياس للطول قدر قديما بأربعة آلاف ذراع، وهو الميل الهاشمي. ويقدر الآن بما يساوي 1609 من الأمتار وعليه تكون المسافة المبيحة للقصر حوالي 77 كيلو مترا وينظر مصطلح (مقادير) .
الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لأَِنَّهُ الْمُعْتَادُ لِلسَّيْرِ غَالِبًا لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَنَّ الْبَحْرَ كَالْبَرِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: إِنَّ الْبَحْرَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَسَافَةُ بَل الزَّمَانُ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقِيل بِاعْتِبَارِهَا فِيهِ كَالْبَرِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ إِذَا سَافَرَ وَبَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَرِّ وَبَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَحْرِ، فَقِيل: يُلَفِّقُ مَسَافَةَ أَحَدِهِمَا لِمَسَافَةِ الآْخَرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَقِيل: لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّفْصِيل عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَطْعُ الْمَسَافَةِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، فَلَوْ قَطَعَ الأَْمْيَال فِي سَاعَةٍ مَثَلاً لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ فِي بَعْضِ يَوْمٍ عَلَى مَرْكُوبٍ جَوَادٍ تَغَيَّرَتِ الأَْحْكَامُ فِي حَقِّهِ لِوُجُودِ الْمَسَافَةِ الصَّالِحَةِ لِتَغَيُّرِ الأَْحْكَامِ؛ وَلأَِنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَافَرَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَسَافَةَ السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ هُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،
(1) مواهب الجليل 2 / 140 دار الفكر 1978م، حاشية الدسوقي1 / 358 دار الفكر، نهاية المحتاج 2 / 257 مطبعة مصطفى الحلبي 1967م القليوبي وعميرة 1 / 259 عيسى الحلبي، كشاف القناع 1 / 504 عالم الكتب 1983م.