الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُنَنٍ مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ. إِلَاّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَقُولُونَ: إِنَّ تَرْكَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ مَكْرُوهٌ، أَمَّا تَرْكُ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمَشْرُوعَاتِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: فَرْضٌ، وَوَاجِبٌ، وَسُنَّةٌ، وَنَفْلٌ. فَمَا كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ إِنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَفَرْضٌ، أَوْ بِظَنِّيٍّ فَوَاجِبٌ، وَبِلَا مَنْعِ التَّرْكِ إِنْ كَانَ مِمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَوِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ فَسُنَّةٌ، وَإِلَاّ فَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ (1) .
وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِالتَّرَادُفِ بَيْنَهُمَا (2) إِلَاّ فِي مَوَاضِعَ تُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهَا. فَالسُّنَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ نَوْعَانِ:
أ -
سُنَّةُ الْهُدَى:
وَهِيَ مَا تَكُونُ إقَامَتُهَا تَكْمِيلاً لِلدِّينِ، وَتَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهَا كَرَاهَةٌ أَوْ إِسَاءَةٌ، كَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالأَْذَانِ، وَالإِْقَامَةِ، وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهَا عَلَى سَبِيل الْعِبَادَةِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ.
ب -
سُنَنُ الزَّوَائِدِ:
وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ
(1) ابن عابدين 1 / 70.
(2)
جمع الجوامع 1 / 88.
بِتَرْكِهَا كَرَاهَةٌ وَلَا إِسَاءَةٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا عَلَى سَبِيل الْعَادَةِ، فَإِقَامَتُهَا حَسَنَةٌ، كَسَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ، وَقُعُودِهِ وَأَكْلِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: السُّنَّةُ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يَدُل دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ. وَالرَّغِيبَةُ: مَا رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهِ وَحَدَّهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ فِي جَمَاعَةٍ. وَالنَّفَل مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ؛ أَيْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ (2) .
ثَانِيًا: السُّنَّةُ فِي اصْطِلَاحِ الأُْصُولِيِّينَ:
3 -
أَدِلَّةُ الشَّرْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي تُسْتَنْبَطُ مِنْهَا الأَْحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ أَرْبَعَةٌ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالإِْجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ. وَالسُّنَّةُ: هِيَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، أَوْ تَقْرِيرٍ.
فَالسَّنَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى تُرَادِفُ الْحَدِيثَ. وَقِيل: إِنَّ الْحَدِيثَ مَا صَدَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَْقْوَال، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَخَصُّ مِنَ السُّنَّةِ. وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَدِيثِ الْخَبَرُ أَيْضًا. وَقِيل: الْخَبَرُ أَعَمُّ لِيَشْمَل مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ
(1) التعريفات للجرجاني ص 161، 162، وابن عابدين 1 / 70.
(2)
جواهر الإكليل 1 / 73.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ غَيْرِهِ، فَكُل حَدِيثٍ خَبَرٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (1) .
وَالسُّنَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: السُّنَّةُ الْقَوْلِيَّةُ، وَهِيَ أَقْوَال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَالسُّنَّةُ الْفِعْلِيَّةُ، وَهِيَ أَفْعَالُهُ، وَالسُّنَّةُ التَّقْرِيرِيَّةُ، وَهِيَ كَفُّهُ وَسُكُوتُهُ عَنْ إِنْكَارِ مَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَمَامَهُ أَوْ مَا أُخْبِرَ بِهِ (2) .
وَتَنْقَسِمُ السُّنَّةُ بِاعْتِبَارِ السَّنَدِ: إِلَى الْمُتَوَاتِرِ، وَالْمَشْهُورِ، وَخَبَرِ الْوَاحِدِ (3) . وَالسُّنَّةُ بِالْمَعْنَى الأُْصُولِيِّ: هِيَ دَلِيلٌ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ تُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ إِذَا كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً. وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَل وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ يَقِينًا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ وَجُمْلَةِ الْفُقَهَاءِ كَمَا حَرَّرَهُ الأُْصُولِيُّونَ (4) .
وَأَمَّا الْمَشْهُورُ: فَيُلْحِقُهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُتَوَاتِرِ فِي إِيجَابِهِ عِلْمَ الْيَقِينِ، وَبَعْضُهُمْ بِالآْحَادِ فَيُوجِبُ الْعَمَل دُونَ الْعِلْمِ الْيَقِينِ (5) .
وَلِبَيَانِ مَعْنَى التَّوَاتُرِ وَالشُّهْرَةِ وَشُرُوطِهِمَا
(1) التلويح 2 / 242، وكشف الأسرار 2 / 354، وشرح نخبة الفكر ص 23، 24.
(2)
جمع الجوامع 2 / 94، ومسلم الثبوت 2 / 97.
(3)
كشف الأسرار للبزدوي 2 / 359 وما بعدها
(4)
كشف الأسرار 2 / 360، 362، 370.
(5)
كشف الأسرار 2 / 386، 369.
وَآرَاءِ الأُْصُولِيِّينَ وَأَدِلَّتِهِمْ، وَمَا يُوجِبُهُ خَبَرُ الآْحَادِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَسَائِل يُنْظَرُ الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ.