الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الدَّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الرُّجُوعِ؛ لأَِنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الْفُقَرَاءِ، وَالنُّقْصَانُ لَيْسَ بِفَاحِشٍ (1) .
وَهَذَا الْمَذْكُورُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ يَنْطَبِقُ عَلَى الْقَوْل بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَاجِبَاتُ السَّعْيِ:
14 -
أ - الْمَشْيُ بِنَفْسِهِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هُوَ سُنَّةٌ.
فَلَوْ سَعَى رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولاً أَوْ زَحْفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ صَحَّ سَعْيُهُ بِاتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا، لَكِنْ عَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ؛ لِتَرْكِهِ الْمَشْيَ فِي السَّعْيِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ، أَوْ إِعَادَةُ السَّعْيِ.
وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَوْ مَشَى بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لأَِنَّ الْمَشْيَ فِي السَّعْيِ سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ.
بَل صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الأَْفْضَل أَنْ لَا يَرْكَبَ فِي سَعْيِهِ إِلَاّ لِعُذْرٍ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّوَافِ؛ لأَِنَّ الْمَشْيَ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
(1) بدائع الصنائع 2 / 135.
السَّعْيَ رَاكِبًا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الأَْفْضَل.
وَلَوْ سَعَى بِهِ غَيْرُهُ مَحْمُولاً جَازَ، لَكِنِ الأَْوْلَى سَعْيُهُ بِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا صَغِيرًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (1) .
15 -
ب - إِكْمَال الأَْشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الأَْخِيرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الأَْقَل مِنَ السَّبْعَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَوْ تَرَكَ الأَْقَل وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ صَحَّ سَعْيُهُ وَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِكُل شَوْطٍ عِنْدَهُمْ. أَمَّا الْجُمْهُورُ فَكُل هَذِهِ الأَْشْوَاطِ السَّبْعَةِ رُكْنٌ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُنْقَصَ وَلَوْ خُطْوَةً (2) .
سُنَنُ السَّعْيِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ:
16 -
أ - الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ: فَلَوْ فَصَل بَيْنَهُمَا بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَيُسَنُّ لَهُ الإِْعَادَةُ، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا.
وَدَلِيل الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ الاِعْتِبَارُ بِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ الرُّكْنِ عَنِ الْوُقُوفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ
(1) المجموع 8 / 84.
(2)
البدائع 1 / 134 والمسلك المتقسط ص120 وشرح الرسالة 1 / 472 ومغني المحتاج 1 / 495 والمغني 3 / 396.
عَنْهُ سِنِينَ كَثِيرَةً وَلَا آخِرَ لَهُ مَا دَامَ حَيًّا بِلَا خِلَافٍ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (ر: طَوَاف ف 9 وَحَجّ ف 140 - 142) .
وَمَلْحَظُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ الأَْصْلِيِّ، وَهُوَ مَا بَعْدَ طَوَافِ الإِْفَاضَةِ.
17 -
ب - النِّيَّةُ: هِيَ سُنَّةٌ فِي السَّعْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيل عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِهَا. قَال عَلِيٌّ الْقَارِي: " وَلَعَلَّهُمْ أَدْرَجُوا فِيهِ السَّعْيَ فِي ضِمْنِ الْتِزَامِ الإِْحْرَامِ بِجَمِيعِ أَفْعَال الْمُحْرِمِ بِهِ.
فَلَوْ مَشَى مِنْ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ هَارِبًا أَوْ بَائِعًا أَوْ مُتَنَزِّهًا أَوْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ سَعَى، جَازَ سَعْيُهُ. وَهَذِهِ تَوْسِعَةٌ عَظِيمَةٌ، كَعَدَمِ شَرْطِ نِيَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (1) ".
18 -
ج - أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الأَْسْوَدَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَبْل الذَّهَابِ إِلَى السَّعْيِ، إِنْ تَيَسَّرَ لَهُ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ، وَإِلَاّ أَشَارَ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ الاِسْتِلَامُ بِمَثَابَةِ وَصْلَةٍ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (2) .
(1) المسلك المتقسط ص121.
(2)
المجموع 8 / 76.
19 -
د - يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى عَلَى طَهَارَةٍ مِنَ الْحَدَثِ الأَْصْغَرِ وَالأَْكْبَرِ وَالنَّجَاسَةِ، وَلَوْ خَالَفَ صَحَّ سَعْيُهُ. فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال لَهَا لَمَّا حَاضَتِ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَل الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . وَهُوَ يَدُل دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى جَوَازِ السَّعْيِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ.
20 -
هـ - أَنْ يَصْعَدَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كُلَّمَا بَلَغَهُمَا فِي سَعْيِهِ بِحَيْثُ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَةَ، وَقَدَّرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَدْرِ قَامَةٍ. وَهَذَا الصُّعُودُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَخَصُّوا بِهِ الرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ.
21 -
و - الدُّعَاءُ: عِنْدَ صُعُودِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ بَيْنَهُمَا، جَعَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ. عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.
22 -
ز - السَّعْيُ الشَّدِيدُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الأَْخْضَرَيْنِ: وَهُمَا الْعَمُودَانِ الأَْخْضَرَانِ اللَّذَانِ فِي جِدَارِ الْمَسْعَى الآْنَ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي
(1) حديث: " افعلي كما يفعل الحاج، غير أن. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 504 - ط السلفية) . ومسلم (2 / 873 - ط الحلبي) واللفظ للبخاري.
الأَْشْوَاطِ السَّبْعَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ الرَّمَل وَدُونَ الْعَدْوِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْشِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيل إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُسَنُّ الْخَبَبُ فِي الذَّهَابِ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَقَطْ، وَلَا يُسَنُّ فِي الإِْيَابِ.
وَسُنِّيَّةُ السَّعْيِ الشَّدِيدِ هَذِهِ تَخْتَصُّ بِالرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ؛ لأَِنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ، فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِنَّ الْمَشْيُ فَقَطْ.
23 -
ح - الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ:
وَسُنِّيَّتُهَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمُعْتَمَدِ، فَقَدْ جَعَلُوا الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ شَرْطًا لِصِحَّةِ السَّعْيِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: (2) .
(1)
إِنْ جَلَسَ فِي سَعْيِهِ وَكَانَ شَيْئًا خَفِيفًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ
(1) حديث: كان صلى الله عليه وسلم يسعى بطن المسيل إذا طاف. . . . أخرجه البخاري (الفتح 3 / 502 - ط السلفية) . ومسلم (2 / 920 - ط الحلبي) ، من حديث ابن عمر.
(2)
شرح الرسالة وحاشية العدوي 1 / 471 - 472، كشاف القناع 2 / 487.
طَال جُلُوسُهُ وَصَارَ كَالتَّارِكِ بِأَنْ كَثُرَ التَّفْرِيقُ، ابْتَدَأَ السَّعْيَ مِنْ جَدِيدٍ.
(2)
لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَقِفَ مَعَ أَحَدٍ وَيُحَدِّثَهُ، فَإِنْ فَعَل وَكَانَ خَفِيفًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، فَإِنْ كَثُرَ ابْتَدَأَ السَّعْيَ مِنْ جَدِيدٍ.
(3)
إِنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى مَا سَبَقَ وَلَمْ يُعِدْ.
(4)
إِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَمَادَى إِلَاّ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَلْيُصَل، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى لَهُ.
وَكُل ذَلِكَ لَا يَضُرُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَل أَوْ كَثُرَ (1) ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّعْيَ لإِِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَلِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، كَمَا فِي الطَّوَافِ، بَل هُوَ هُنَا أَوْلَى.
24 -
ط - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى سُنِّيَّةِ الاِضْطِبَاعِ فِي السَّعْيِ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ.
25 -
ي - اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ أَنْ يَدْخُل الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ،
(1) حتى قال النووي: وإن كان شهرا أو سنة أو أكثر، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور. المجموع 8 / 81 - 82.