الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ سُلُوكَ السِّيَاسَةِ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِ النَّاسِ وَتَقْوِيمِ الْعِوَجِ، وَفْقَ مَعَايِيرَ وَضَوَابِطَ يَأْتِي بَيَانُهَا، وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: السِّيَاسَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا، فَإِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ - بَعْدَ قَوَاعِدِ الإِْيمَانِ - عَلَى حَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ لِبَقَاءِ الْعَالَمِ (1) . وَقَال الْقَرَافِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْحُكَّامِ فِي الأَْحْكَامِ السِّيَاسِيَّةِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، بَل تَشْهَدُ لَهُ الأَْدِلَّةُ، وَتَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ، وَمِنْ أَهَمِّهَا كَثْرَةُ الْفَسَادِ وَانْتِشَارُهُ، وَالْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي قَال بِهَا مَالِكٌ وَجَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ (2) .
وَقَال أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ:
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 15.
(2)
نقل ذلك عنه ابنه فرحون المالكي في تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (2 / 150 - 152 (ط - الحلبي - 1378 هـ - 1958م) .
لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ، وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا، وَلَا يَخْلُو مِنَ الْقَوْل فِيهِ إِمَامٌ. وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ؛ إِذِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رضي الله عنهم قَدْ قَتَلُوا وَمَثَّلُوا وَحَرَقُوا الْمَصَاحِفَ. وَنَفَى عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ خَوْفَ فِتْنَةِ النِّسَاءِ. وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ (1) .
وَقَدْ حَذَّرَ ابْنُ الْقَيِّمِ مِنْ إِفْرَاطِ مَنْ مَنَعَ الأَْخْذَ بِالسِّيَاسَةِ، مُكْتَفِيًا بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَتَفْرِيطِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الأَْخْذَ بِهَا يُبِيحُ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ فَرْضَ مَا يَرَاهُ مِنْ عُقُوبَةٍ عَلَى هَوَاهُ. . ثُمَّ قَال: وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أُتِيَتْ مِنْ تَقْصِيرِهَا فِي مَعْرِفَةِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَل بِهِ كِتَابَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَل رُسُلَهُ، وَأَنْزَل كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْل الَّذِي قَامَتْ بِهِ الأَْرْضُ وَالسَّمَوَاتُ. فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْل وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ، فَأَيُّ طَرِيقٍ اسْتُخْرِجَ بِهَا الْعَدْل وَالْقِسْطُ، فَهِيَ مِنَ الدِّينِ (2) .
(1) الطرق الحكمية 13، والفروع - أبو عبد الله بن مفلح - 6 / 115، 116 - (ط4 - عالم الكتب - بيروت - 1405 هـ - 1985م) .
(2)
إعلام الموقعين 4 / 372 - 373، والطرق الحكمية 13 - 14.