الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي حُدُودِ الشَّرِيعَةِ لَا تَتَعَدَّاهَا. حَتَّى قَالُوا: لَا سِيَاسَةَ إِلَاّ مَا وَافَقَ الشَّرْعَ. وَبِذَلِكَ كَانُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ الأَْخْذِ بِالسِّيَاسَةِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ عَدَمُ الاِقْتِصَارِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصٌ بِخُصُوصِهِ (1) .
أَقْسَامُ السِّيَاسَةِ:
6 -
تُقْسَمُ السِّيَاسَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ: سِيَاسَةٍ ظَالِمَةٍ تُحَرِّمُهَا الشَّرِيعَةُ. وَسِيَاسَةٍ عَادِلَةٍ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتَدْفَعُ الْمَظَالِمَ وَتَرْدَعُ أَهْل الْفَسَادِ، وَتُوَصِّل إِلَى الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الشَّرِيعَةُ اعْتِمَادَهَا وَالسَّيْرَ عَلَيْهَا (2) وَالسِّيَاسَةُ الْعَادِلَةُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا، وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا، وَمَا يُسَمِّيهِ أَكْثَرُ السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ - لَا بِالْعِلْمِ - سِيَاسَةً، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ (3) .
(1) الطرق الحكمية - ابن القيم الجوزية 13 (ط - السنة المحمدية - القاهرة 1372 هـ - 1952م) ، وإعلام الموقعين عن رب العالمين - ابن قيم الجوزية 4 / 378 (ط1 - السعادة - مصر - 1374هـ - 1955م) .
(2)
تبصرة الحكام 1 / 132، والطرق الحكمية 5، ومعين الحكام 207، وحاشية ابن عابدين 4 / 15.
(3)
الطرق الحكمية 5، والفروع 6 / 431، والبحر الرائق 5 / 76، وكشاف اصطلاحات الفنون 1 / 665.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يَسُوسُونَ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَكَانَ الْحُكْمُ وَالسِّيَاسَةُ شَيْئًا وَاحِدًا. ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَتِ الدَّوْلَةُ ظَهَرَ الْفَصْل بَيْنَ الشَّرْعِ وَالسِّيَاسَةِ؛ لأَِنَّ أَهْل السُّلْطَةِ صَارُوا يَحْكُمُونَ بِالأَْهْوَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (1) .
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: تَقْسِيمُ بَعْضِهِمْ طُرُقَ الْحُكْمِ إِلَى شَرِيعَةٍ وَسِيَاسَةٍ، كَتَقْسِيمِ غَيْرِهِمُ الدِّينَ إِلَى شَرِيعَةٍ وَحَقِيقَةٍ، وَكَتَقْسِيمِ آخَرِينَ الدِّينَ إِلَى عَقْلٍ وَنَقْلٍ. . وَكُل ذَلِكَ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ؛ بَل السِّيَاسَةُ، وَالْحَقِيقَةُ، وَالطَّرِيقَةُ، وَالْعَقْل، كُل ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ. فَالصَّحِيحُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِيعَةِ لَا قَسِيمٌ لَهَا، وَالْبَاطِل ضِدُّهَا وَمُنَافِيهَا، وَهَذَا الأَْصْل مِنْ أَهَمِّ الأُْصُول وَأَنْفَعِهَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ عُمُومُ رِسَالَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُل مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ فِي مَعَارِفِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحْوِجْ أُمَّتَهُ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمْ إِلَى مَنْ يُبَلِّغُهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ بِهِ (2) .
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 11 / 551، 25 / 392 (ط - مكتبة المعارف - الرباط) .
(2)
إعلام الموقعين 3 / 375.