الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبُيُوتِ. وَأَمَّا لَوْ جَمَعَهُمُ اسْمُ الْحَيِّ فَقَطْ دُونَ الدَّارِ بِأَنْ كَانَتْ كُل فِرْقَةٍ فِي دَارٍ فَإِنَّهَا تُعْتَبَرُ كُل دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا حَيْثُ كَانَ لَا يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِلَاّ فَهُمْ كَأَهْل الدَّارِ الْوَاحِدَةِ. وَكَذَا إِذَا لَمْ يَجْمَعْهُمُ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا جَاوَزَ بُيُوتَ حِلَّتِهِ هُوَ. وَالْمُرَادُ بِالْحَيِّ عِنْدَهُمُ الْقَبِيلَةُ، وَبِالدَّارِ الْمَنْزِل الَّذِي يَنْزِلُونَ فِيهِ. وَمَحَل مُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ كَانَ بِمُسْتَوٍ.
فَإِنْ كَانَتْ بَوَادٍ وَمُسَافِرٌ فِي عَرْضِهِ، أَوْ بِرَبْوَةٍ أَوْ وَحْدَةٍ، اشْتُرِطَتْ مُجَاوَزَةُ الْعَرْضِ وَمَحَل الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ إِنْ كَانَتِ الثَّلَاثَةُ مُعْتَدِلَةً، وَإِلَاّ بِأَنْ أَفْرَطَتْ سَعَتُهَا أَوْ كَانَتْ بِبَعْضِ الْعَرْضِ اكْتُفِيَ بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ. قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ مَرَافِقِهَا أَيْضًا كَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ وَنَادٍ وَمَطْرَحِ رَمَادٍ وَمَعْطِنِ إِبِلٍ، وَكَذَا مَاءٌ وَحَطَبٌ اخْتَصَّا بِهَا.
وَأَمَّا سَاكِنُ الْجِبَال وَمَنْ نَزَل بِمَحَلٍّ فِي بَادِيَةٍ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ مَحَلِّهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُكَّانَ الْبَسَاتِينِ وَنَحْوَهُمْ كَأَهْل الْعِزَبِ يُشْتَرَطُ فِي سَفَرِهِمِ الاِنْفِصَال عَنْ مَسَاكِنِهِمْ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: سَوَاءٌ أَكَانَتْ تِلْكَ الْبَسَاتِينُ مُتَّصِلَةً بِالْبَلَدِ أَمْ مُنْفَصِلَةً عَنْهَا. وَاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ الْعُرْفَ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: لِيَصِيرُوا مُسَافِرِينَ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا نُسِبُوا إِلَيْهِ بِمَا يُعَدُّ مُفَارَقَةً عُرْفًا.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِل سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوِ الزَّوْرَقِ إِلَيْهَا. قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنْ كَانَ فِي هَوَاءِ الْعُمْرَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ إِطْلَاقُهُمْ (1) .
د -
أَلَاّ يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ:
10 -
اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي السَّفَرِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الأَْحْكَامُ أَلَاّ يَكُونَ الْمُسَافِرُ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ كَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَنَاشِزَةٍ وَعَاقٍّ وَمُسَافِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ غَرِيمِهِ.
إِذْ مَشْرُوعِيَّةُ التَّرَخُّصِ فِي السَّفَرِ لِلإِْعَانَةِ.
وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ؛ لأَِنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَمِثْلُهُ مَا إِذَا انْتَقَل مِنْ سَفَرِهِ الْمُبَاحِ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 525 دار إحياء التراث العربي، الفتاوى الهندية 1 / 139 المطبعة الأميرية 1310 هـ، حاشية الدسوقي 1 / 359 دار الفكر، نهاية المحتاج 2 / 252 ط مصطفى الحلبي 1967م. كشاف القناع 1 / 507 عالم الكتب.
إِلَى سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ أَنْشَأَ سَفَرًا مُبَاحًا ثُمَّ قَصَدَ سَفَرًا مُحَرَّمًا.
وَالْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَوْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَامِل عَلَى السَّفَرِ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا فِي الأَْمْثِلَةِ السَّابِقَةِ. وَقَدْ أَلْحَقَ الْحَنَابِلَةُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ السَّفَرَ الْمَكْرُوهَ فَلَا يَتَرَخَّصُ الْمُسَافِرُ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ مُسَافِرًا لِفِعْلٍ مَكْرُوهٍ، وَفِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فِي التَّرَخُّصِ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ فَقِيل بِالْمَنْعِ وَقِيل بِالْجَوَازِ. قَال ابْنُ شَعْبَانَ: إِنْ قَصَرَ لَمْ يُعِدْ لِلاِخْتِلَافِ فِيهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى تَابَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ يَتَرَخَّصُ بِسَفَرِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَعْصِيَةٌ. وَيَكُونُ أَوَّل سَفَرِهِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَحَل التَّوْبَةِ وَمَقْصِدِهِ مَرْحَلَتَانِ قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهَا فَلَا قَصْرَ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمَالِكِيَّةُ لِذِكْرِ الْمَسَافَةِ فِي حَال التَّوْبَةِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ التَّرَخُّصُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الشَّرْطَ، فَلِلْمُسَافِرِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ السَّفَرِ
كُلِّهَا لإِِطْلَاقِ نُصُوصِ الرُّخَصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ (2) قَالُوا: وَلأَِنَّ الْقَبِيحَ الْمُجَاوِرَ - أَيِ الْمَعْصِيَةَ - لَا يُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، بِخِلَافِ الْقَبِيحِ لِعَيْنِهِ وَضْعًا كَالْكُفْرِ، أَوْ شَرْعًا كَبَيْعِ الْحُرِّ، فَإِنَّهُ يُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ.
كَمَا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ وَالسَّبَبُ هُوَ السَّفَرُ، وَالْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ عَيْنَ السَّفَرِ، وَقَدْ وُجِدَ السَّفَرُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ.
وَأَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ سَفَرًا مُبَاحًا ثُمَّ تَطْرَأُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ يَرْتَكِبُهَا فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي سَفَرِهِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ السَّفَرَ لِلْمَعْصِيَةِ وَلأَِنَّ سَبَبَ تَرَخُّصِهِ - وَهُوَ السَّفَرُ - مُبَاحٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا (3) .
(1) سورة البقرة / 184.
(2)
حديث ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين. أخرجه مسلم (1 / 479 - ط الحلبي) .
(3)
تيسير التحرير 2 / 304 ط مصطفى الحلبي 1350 هـ حاشية ابن عابدين 1 / 527، دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي 1 / 358 دار الفكر، مواهب الجليل 2 / 140 دار الفكر، نهاية المحتاج 2 / 263 ط مصطفى الحلبي 1967م. كشاف القناع 1 / 505، 506، عالم الكتب 1983.