الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا لَوْ قَال الرَّاعِي لِلْمَالِكِ: لَا أَرْضَى بِمَا سَمَّيْتَ وَإِنَّمَا أَرْضَى بِكَذَا، فَسَكَتَ الْمَالِكُ فَرَعَى الرَّاعِي لَزِمَ الْمَالِكَ مَا سَمَّاهُ الرَّاعِي بِسُكُوتِ الْمَالِكِ (1) .
وَقَالُوا: سُكُوتُ الْوَكِيل قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ (2) . وَسُكُوتُ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حِينَ رَأَى الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ الْمَبِيعَ إِذْنٌ بِقَبْضِهِ. وَإِذَا رَأَى الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ يَكُونُ رِضًا مِنَ الْمُرْتَهِنِ، وَيَبْطُل الرَّهْنُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ الْحَلَاّقُ رَأْسَ مُحْرِمٍ وَهُوَ سَاكِتٌ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ إِذْنًا، قَال الشَّافِعِيَّةُ: الأَْصَحُّ أَنَّهُ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِأَمْرِهِ فَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ (4) .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَإِنَّهَا تَنْزِل مَنْزِلَةَ النُّطْقِ. وَاشْتَرَطَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ مِنَ الْقَارِئِ تَصْحِيفٌ وَتَحْرِيفٌ لَرَدَّهُ الشَّيْخُ، فَسُكُوتُهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم مع حاشية الحموي ص 1 / 184، 185.
(2)
نفس المرجع.
(3)
نفس المرجع ص 1 / 185، 186.
(4)
نفس المرجع، والمنثور للزركشي 2 / 207.
نُجَيْمٍ فِي أَشْبَاهِهِ، وَالْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ، وَابْنُ عَابِدِينَ وَالزَّرْكَشِيُّ فُرُوعًا أُخْرَى يَنْزِل فِيهَا السُّكُوتُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ وَالإِْذْنِ.
كَمَا ذَكَرُوا أَمْثِلَةً أُخْرَى لَا يَدُل السُّكُوتُ فِيهَا عَلَى الرِّضَا وَالإِْذْنِ وَفْقًا لِقَاعِدَةِ: (لَا يُنْسَبُ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ) وَمِنْ هَذِهِ الأَْمْثِلَةِ:
لَوْ سَكَتَ عَنْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ فَلَا يَسْقُطُ ضَمَانُهُ. وَلَوْ سَكَتَ عَنْ إِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْعِ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهُ. وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَسَكَتَ الْوَلِيُّ عَنْ مُطَالَبَةِ التَّفْرِيقِ لَا يُعَدُّ رِضًا مَا لَمْ تَلِدْ، وَكَذَا سُكُوتُ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ لَيْسَ بِرِضًا وَلَوْ أَقَامَتْ مَعَهُ سِنِينَ. وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِل خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا وَفِي مَظَانِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ (1)
السُّكُوتُ فِي الدَّعَاوَى:
20 -
ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا كُلِّفَ بِالْيَمِينِ فَنَكَل صَرَاحَةً، كَأَنْ قَال: لَا
(1) فتح القدير لابن الهمام مع الهداية 3 / 206، 207، وحاشية ابن عابدين 3 / 445، وما بعدها، والمنثور للزركشي 2 / 207، وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 142، ولابن نجيم مع حاشية الحموي ص 1 / 184، 186.
أَحْلِفُ، أَوْ حُكْمًا كَأَنْ سَكَتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَمِنْ غَيْرِ آفَةٍ (كَخَرَسٍ وَطَرَشٍ) يُعْتَبَرُ سُكُوتُهُ نُكُولاً يَحْكُمُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ (1) .
وَإِذَا قَال: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، لَا يُسْتَحْلَفُ بَل يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَكَذَا لَوْ لَزِمَ السُّكُوتَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الأَْشْبَهَ أَنَّ هَذَا السُّكُوتَ إِنْكَارٌ فَيُسْتَحْلَفُ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قَال: لَا أُخَاصِمُهُ، قَال لَهُ الْقَاضِي: إِمَّا خَاصَمْتَ وَإِمَّا أَحَلَفْتُ هَذَا الْمُدَّعِيَ عَلَى دَعْوَاهُ وَحَكَمْتُ لَهُ. فَإِنْ تَكَلَّمَ وَإِلَاّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعِي. وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَجَرَى بِهَا الْعَمَل: إِنْ قَال: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، لَمْ يَتْرُكْهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ. فَإِنْ تَمَادَى فِي امْتِنَاعِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ (3) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الْمُدَّعِي لِغَيْرِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ جُعِل حُكْمُهُ كَمُنْكِرٍ لِلْمُدَّعَى بِهِ نَاكِلٌ عَنِ الْيَمِينِ، وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى
(1) ابن عابدين 4 / 224.
(2)
ابن عابدين 4 / 223.
(3)
تبصرة الحكام 1 / 241.
الْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ يَقُول لَهُ الْقَاضِي: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ وَإِلَاّ جَعَلْتُكَ نَاكِلاً، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِدَهْشَةٍ أَوْ جَهَالَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ شَرَحَ لَهُ ثُمَّ حَكَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَسُكُوتُ الأَْخْرَسِ عَنِ الإِْشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْجَوَابِ كَسُكُوتِ النَّاطِقِ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي اعْتِبَارِ سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نُكُولاً رِوَايَتَانِ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ إِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُجِيبَ، وَلَا يَجْعَلُهُ بِذَلِكَ نَاكِلاً. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ (2) .
وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ قَوْلاً آخَرَ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الْبُهُوتِيُّ مِنْ أَنَّهُ إِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَوْ قَال: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، أَوْ قَال: لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ: قَال لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ وَإِلَاّ جَعَلْتُكَ نَاكِلاً وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ. وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَال لَهُ: إِنْ حَلَفْتَ وَإِلَاّ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنُّكُول وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَاّ جَعَلَهُ نَاكِلاً وَحَكَمَ عَلَيْهِ (3) .
وَتَفْصِيل الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاء) .
(1) مغني المحتاج 4 / 468، والقليوبي 4 / 342.
(2)
المغني لابن قدامة 9 / 90.
(3)
كشاف القناع 6 / 340، والمغني لابن قدامة 9 / 90.