الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُسْنُ سِيَاسَةِ الإِْمَامِ لِلرَّعِيَّةِ:
7 -
إِنَّ لِلسِّيَاسَةِ أَثَرًا كَبِيرًا فِي الأُْمَّةِ، فَحُسْنُ السِّيَاسَةِ يَنْشُرُ الأَْمْنَ، وَالأَْمَانَ فِي أَنْحَاءِ الْبِلَادِ. وَعِنْدَئِذٍ يَنْطَلِقُ النَّاسُ فِي مَصَالِحِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مُطْمَئِنِّينَ، فَتَنْمُو الثَّرْوَةُ، وَيَعُمُّ الرَّخَاءُ، وَيَقْوَى أَمْرُ الدِّينِ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إِلَاّ إِذَا كَانَتْ لِلإِْمَامِ سِيَاسَةٌ حَازِمَةٌ، تَهْتَمُّ بِكُل أُمُورِ الأُْمَّةِ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَتُرَغِّبُ النَّاسَ بِفِعْل الْخَيْرَاتِ، وَتُثِيبُ عَلَى الْفِعْل الْجَمِيل، كَمَا تُحَذِّرُ مِنَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَتُعَاقِبُ عَلَيْهِ وَتَقْطَعُ دَابِرَ دُعَاتِهِ وَمُقْتَرِفِيهِ، وَبِغَيْرِ هَذِهِ السِّيَاسَةِ تَضْعُفُ الدَّوْلَةُ وَتَنْهَارُ وَتَخْرَبُ الْبِلَادُ.
وَالسِّيَاسَةُ الْحَازِمَةُ الْمُحَقِّقَةُ لِخَيْرِ الأُْمَّةِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الإِْمَامُ بَيْنَ اللِّينِ وَالْعُنْفِ، وَيُقَدِّمُ اللِّينَ عَلَى الشِّدَّةِ، وَالدَّعْوَةَ الْحَسَنَةَ عَلَى الْعُقُوبَةِ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَهْتَمَّ بِإِصْلَاحِ دِينِ النَّاسِ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَأَعْظَمُ عَوْنٍ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
الأَْوَّل: الإِْخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّوَكُّل عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: الإِْحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ بِالنَّفْعِ وَالْمَال.
وَالثَّالِثُ: الصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ وَعِنْدَ الشَّدَائِدِ (1) .
قَوَاعِدُ السِّيَاسَةِ:
أُسُسُ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ: هِيَ تِلْكَ الْقَوَاعِدُ الأَْسَاسِيَّةُ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا دَوْلَةُ الإِْسْلَامِ، وَيُسْتَلْهَمُ مِنْهَا النَّهْجُ السِّيَاسِيُّ لِلْحُكْمِ.
الأَْسَاسُ الأَْوَّل: سِيَادَةُ الشَّرِيعَةِ:
8 -
يُؤَكِّدُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ هَذِهِ السِّيَادَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَل ضَلَالاً مُبِينًا} (2) وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (3) قَال
(1) المنهج المسلوك في سياسة الملوك لعبد الرحمن بن عبد الله بن نصر الشيزري ص 90 (ط - 1326 هـ) دستور العلماء 2 / 194، والتبر المسبوك في نصائح الملوك - الغزالي 53، 70، 71، 83 (ط1 - الخيرية - مصر - 1306 هـ) ، ونصيحة الملوك 223، والسياسة الشرعية - ابن تيمية 112، 113.
(2)
سورة الأحزاب / 36.
(3)
سورة الأنعام / 62.
ابْنُ جَرِيرٍ: أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ دُونَ سِوَاهُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ (1) ، وَذَلِكَ حَقٌّ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ؛ لأَِنَّ مَبْنَى الْحِسَابِ فِي الآْخِرَةِ إِنَّمَا يَقُومُ عَلَى عَمَل النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُحَاسَبُ النَّاسُ عَلَى مَا اجْتَرَحُوا فِي الدُّنْيَا إِلَاّ عَلَى أَسَاسِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي جَاءَتْ أَحْكَامُهَا مُنَظِّمَةً لِلْحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالاِقْتِصَادِيَّةِ وَأُمُورِ الْمُعَامَلَاتِ الأُْخْرَى.
9 -
وَمَا دَامَتِ الْحَاكِمِيَّةُ فِي هَذَا الْعَالَمِ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُل شُؤُونِ الْحَيَاةِ وَإِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنَ الآْيَاتِ جَاءَتْ آمِرَةً بِتَطْبِيقِ أَحْكَامِهَا وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَتْ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَتْ عَنْهُ. مِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2) . قَال ابْنُ جَرِيرٍ: فَاتَّبِعْ تِلْكَ الشَّرِيعَةَ الَّتِي جَعَلْنَاهَا لَكَ، وَلَا تَتَّبِعْ مَا دَعَاكَ إِلَيْهِ الْجَاهِلُونَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِل، فَتَعْمَل بِهِ فَتَهْلِكُ إِنْ عَمِلْتَ بِهِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ.
وَقَال الزَّمَخْشَرِيُّ: فَاتَّبِعْ شَرِيعَتَكَ الثَّابِتَةَ بِالدَّلَائِل وَالْحُجَجِ، وَلَا تَتَّبِعْ مَا لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ
(1) جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبري) 7 / 140 ط - 4 - دار المعرفة - بيروت - 1400 هـ - 1980م) .
(2)
سورة الجاثية / 18.
مِنْ أَهْوَاءِ الْجُهَّال وَدِينِهِمُ الْمَبْنِيِّ عَلَى هَوًى وَبِدْعَةٍ (1) . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِل إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (2) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: قَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِل إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يَعْنِي الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. قَال تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3)، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هَذَا أَمْرٌ يَعُمُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ دُونَهُ؛ أَيِ اتَّبِعُوا مِلَّةَ الإِْسْلَامِ وَالْقُرْآنِ، وَأَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ. وَدَلَّتِ الآْيَةُ عَلَى تَرْكِ اتِّبَاعِ الآْرَاءِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (4) .
10 -
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الأَْمْرَ بِاتِّبَاعِ مَا أَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى لَا يَخُصُّ الْقُرْآنَ فَحَسْبُ، بَل يَعُمُّ السُّنَّةَ أَيْضًا، مَا جَاءَ فِي عَدَدٍ مِنَ الآْيَاتِ مِنَ الأَْمْرِ بِاتِّبَاعِهَا وَتَطْبِيقِهَا. مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
(1) تفسير الطبري 25 / 88، والكشاف 3 / 511 (ط - دار المعرفة - بيروت) .
(2)
سورة الأعراف / 3.
(3)
سورة الحشر / 7.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 7 / 161 (ط - دار الكتب العربية - القاهرة - 1387 هـ - 1967م) ، والكشاف 2 / 64.