الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ بِأَلَاّ يَجْمَعَ الْبَدَلَيْنِ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْل، حَيْثُ إِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مُؤَجَّلٌ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا جَمَعَهُ مَعَ رَأْسِ الْمَال أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْل، تَحَقَّقَ رِبَا النَّسَاءِ فِيهِ، وَكَانَ فَاسِدًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (1) وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (2) .
(ر: رِبًا) .
ج - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ بِحَدِّ ذَاتِهَا، وَأَنَّهَا تُحَازُ بِحِيَازَةِ أُصُولِهَا وَمَصَادِرِهَا، وَهِيَ الأَْعْيَانُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا. وَمِنْ ثَمَّ أَجَازُوا كَوْنَهَا رَأْسَ مَالٍ وَمُسْلَمًا فِيهِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ. وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَال رَبُّ السَّلَمِ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ سُكْنَى دَارِي هَذِهِ سَنَةً، أَوْ
(1) القوانين الفقهية (ص273) . وانظر شرح منتهى الإرادات 2 / 215، الخرشي 5 / 206، بداية المجتهد 2 / 227 (ط - دار الكتب الحديثة) . كشاف القناع 3 / 278، بدائع الصنائع 5 / 214، المغني 4 / 331 وما بعدها.
(2)
حديث: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . . . ". أخرجه مسلم (3 / 1211 - ط الحلبي) .
خِدْمَتِي شَهْرًا فِي كَذَا إِلَى أَجَل كَذَا، صَحَّ ذَلِكَ السَّلَمُ.
وَلَوْ قَال لَهُ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ عِشْرِينَ دِينَارًا فِي مَنْفَعَةٍ مَوْصُوفَةٍ فِي ذِمَّتِكَ إِلَى أَجَل كَذَا، صَحَّ السَّلَمُ.
د - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُ أَيٍّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ فِي السَّلَمِ مَنْفَعَةً؛ لأَِنَّ الْمَنَافِعَ مَعَ أَنَّهَا مِلْكٌ لَا تُعْتَبَرُ أَمْوَالاً فِي مَذْهَبِهِمْ؛ إِذِ الْمَال عِنْدَهُمْ " مَا يَمِيل إِلَيْهِ طَبْعُ الإِْنْسَانِ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ (1) " وَالْمَنَافِعُ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلإِْحْرَازِ وَالاِدِّخَارِ؛ إِذْ هِيَ أَعْرَاضٌ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَآنًا فَآنًا، وَتَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا، وَمَا يَحْدُثُ فِيهَا غَيْرُ الَّذِي يَنْتَهِي.
عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ جَعْل الْمَنَافِعِ بَدَلاً فِي عَقْدِ السَّلَمِ عِنْدَهُمْ (2) . (ر: مَنَافِع) .
ب -
شُرُوطُ رَأْسِ مَال السَّلَمِ:
يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي رَأْسِ مَال السَّلَمِ شَرْطَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:
15 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي
(1) مجلة الأحكام العدلية المادة (126) .
(2)
فتح العزيز للرافعي 9 / 210، شرح الخرشي على خليل 5 / 203، شرح منتهى الإرادات 2 / 360، أسنى المطالب 2 / 123، نهاية المحتاج 4 / 182، 208، روضة الطالبين 4 / 27.
رَأْسِ الْمَال أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ بَدَلٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا، كَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.
وَرَأْسُ الْمَال إِمَّا أَنْ يُوصَفَ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ يُعَيَّنَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْعَقْدِ، كَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مُشَاهَدًا، ثُمَّ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهِ.
فَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا، فَيَجِبُ أَنْ يَنُصَّ فِي عَقْدِ السَّلَمِ عَلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ.
عَلَى هَذَا، فَإِنْ قَبِل الطَّرَفُ الآْخَرُ، وَجَبَ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَال فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَتَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ وَفَاءً بِالْعَقْدِ (1) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الإِْشَارَةِ إِلَى رَأْسِ مَال السَّلَمِ الْحَاضِرِ هَل هِيَ كَافِيَةٌ فِي رَفْعِ الْجَهَالَةِ عَنْهُ، وَاعْتِبَارِهِ مَعْلُومًا، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ وَالصِّفَاتِ بِالإِْضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ؟ .
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ تَكْفِي الرُّؤْيَةُ إِذَا كَانَ
(1) رد المحتار 4 / 206، المهذب 1 / 307، القوانين الفقهية لابن جزي (ط - تونس) ص 274، المغني (ط - مكتبة الرياض الحديثة) 4 / 330، أسنى المطالب 2 / 123، 124.
رَأْسُ مَال السَّلَمِ مُعَيَّنًا سَوَاءٌ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قَدْرِهِ أَوْ صِفَاتِهِ (1) .
وَوَجْهُ ذَلِكَ " أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى تَعْيِينِ رَأْسِ الْمَال، وَأَنَّهُ حَصَل بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعْلَامِ قَدْرِهِ. وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ إِعْلَامُ قَدْرِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَا فِي السَّلَمِ إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَال مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ "(2) .
وَقَال الشِّيرَازِيُّ: " لَا يَجِبُ ذِكْرُ صِفَاتِهِ وَمِقْدَارِهِ، لأَِنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدٍ لَا يَقْتَضِي رَدَّ الْمِثْل، فَوَجَبَ أَنْ تُغْنِيَ الْمُشَاهَدَةُ عَنْ ذِكْرِ صِفَاتِهِ، كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ "(3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُ مِقْدَارِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إِلَاّ بِبَيَانِهَا (4) .
قَال الشِّيرَازِيُّ: " لأَِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْفَسِخَ السَّلَمُ بِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ
(1) المغني 4 / 331، البدائع 5 / 201، أسنى المطالب 2 / 142، رد المحتار 4 / 207، نهاية المحتاج 4 / 183، مواهب الجليل 4 / 516، التاج والإكليل 4 / 516، العناية على الهداية (الميمنية 1319 هـ) 6 / 221.
(2)
بدائع الصنائع 5 / 202.
(3)
المهذب 1 / 307.
(4)
المغني 4 / 330، شرح منتهى الإرادات 2 / 221، حاشية الرملي على أسنى المطالب 2 / 124، المهذب 1 / 307.