الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ، فَقَال: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (1) . فَلَمْ يُشْتَرَطْ عليه الصلاة والسلام وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَذَكَرَهُ وَلَنَهَاهُمْ عَنِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ؛ لأَِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الثَّمَرَ لَا يَبْقَى طُول هَذِهِ الْمُدَّةِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ التَّسْلِيمَ قَبْل حُلُول الأَْجَل غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، فَلَا يَلْزَمُ وُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ لِوُجُودِهِ حِينَئِذٍ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَقَالُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ إِلَاّ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الأَْسْوَاقِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى مَحِل الأَْجَل دُونَ انْقِطَاعٍ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِأَنَّ الأَْجَل يَبْطُل بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَيَجِبُ أَخْذُ الْمُسْلَمِ
(1) الحديث الذي رواه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة. . . . . تقدم تخريجه ف6.
(2)
الهداية مع فتح القدير والعناية 6 / 213، المغني 4 / 326، البحر الرائق 6 / 172، وبدائع الصنائع 5 / 211.
فِيهِ مِنْ تَرِكَتِهِ. فَاشْتُرِطَ لِذَلِكَ دَوَامُ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا الشَّرْطُ، وَمَاتَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ قَبْل أَنْ يَحِل الأَْجَل فَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. فَيَئُول ذَلِكَ إِلَى الْغَرَرِ (1) .
الشَّرْطُ السَّادِسُ: تَعْيِينُ مَكَانِ الإِْيفَاءِ:
28 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَكَانِ إِيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ عَلَى أَرْبَعَةِ اتِّجَاهَاتٍ.
أ - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الإِْيفَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، أَيْ: لَا يَحْتَاجُ نَقْلُهُ إِلَى كُلْفَةِ وَسِيلَةِ نَقْلٍ وَأُجْرَةِ حَمَّالٍ (2) .
أَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَكَانِ الإِْيفَاءِ. فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ إِيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ
(1) الدر المختار وحاشية رد المحتار (بولاق 1272 هـ) 4 / 206، البحر الرائق 6 / 172، والمقدمات الممهدات ص 513.
(2)
وهذا الحكم لا خلاف فيه بين الإمام والصاحبين، وفي هذه الحالة يكون للمسلم إليه أن يوفيه حيث شاء كما صحح الحصكفي في الدر المختار، وصحح ابن كمال أن الوفاء يكون في مكان العقد. (الدر المختار وحاشية ابن عابدين 4 / 207) .
وَاجِبٍ فِي الْحَال، فَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ مَوْضِعًا لِلتَّسْلِيمِ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بَقِيَ مَجْهُولاً جَهَالَةً مُفْضِيَةً إِلَى الْمُنَازَعَةِ لاِخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الأَْمَاكِنِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَيَانِ دَفْعًا لِلْمُنَازَعَةِ، وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِهِ، وَيُسَلِّمُهُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ؛ لأَِنَّ مَكَانَهُ مَوْضِعُ الاِلْتِزَامِ، فَيَتَعَيَّنُ لإِِيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ، كَمَوْضِعِ الاِسْتِقْرَاضِ وَالاِسْتِهْلَاكِ وَكَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِعَيْنِهَا (1) .
ب - وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ مَكَانِ الإِْيفَاءِ وَلَكِنَّهُ يُفَضَّل (2) . جَاءَ فِي الْقَوَانِينِ الْفِقْهِيَّةِ لاِبْنِ جُزَيٍّ " الأَْحْسَنُ اشْتِرَاطُ مَكَانِ الدَّفْعِ. . . فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا فِي الْعَقْدِ مَكَانًا فَمَكَانُ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَيَّنَاهُ تَعَيَّنَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَهُ بِغَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، وَيَأْخُذُ كِرَاءَ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ، لأَِنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الأَْجَلَيْنِ "(3) .
ج - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ
(1) البحر الرائق 6 / 176، رد المحتار 4 / 207، بدائع الصنائع 5 / 213، الهداية مع فتح القدير والعناية 6 / 221 وما بعدها.
(2)
بداية المجتهد 2 / 229، المنتقى للباجي 4 / 299، وذلك لزوال التخاصم بين العاقدين، وليكون دخولهما على معلوم ".
(3)
القوانين الفقهية ص 275.
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ بَيَانُ مَكَانِ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ كَالصَّحْرَاءِ، أَوْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ. فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ بِمَكَانٍ يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْل الْمُسْلَمِ فِيهِ مُؤْنَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ. وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُؤَجَّلاً. أَمَّا السَّلَمُ الْحَال فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ مَكَانِ الْوَفَاءِ، وَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ (1) .
قَالُوا: وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِهِ فِي الْمُؤَجَّل إِذَا كَانَ الْمَكَانُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، اخْتِلَافُ الأَْغْرَاضِ وَتَفَاوُتُهَا فِي الأَْمْكِنَةِ، فَوَجَبَ بَيَانُهُ كَمَا هُوَ الأَْمْرُ فِي الأَْوْصَافِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ فَلأَِنَّهُ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي سَيُسَلَّمُ فِيهِ، كَالصِّفَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهَا، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَيَانُهُ لأَِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهَا، فَلَمْ يَجِبْ بَيَانُهُ كَالصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهَا (2) .
د - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ
(1) أسنى المطالب 2 / 128، روضة الطالبين 4 / 12، 13، فتح العزيز 9 / 251 وما بعدها، المهذب 1 / 307.
(2)
المهذب 1 / 307، أسنى المطالب 2 / 127.