الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ (1) .
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ السَّلَمِ:
7 - إِنَّ عَقْدَ السَّلَمِ مِمَّا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَمِنْ هُنَا كَانَ فِي إِبَاحَتِهِ رَفْعٌ لِلْحَرَجِ عَنِ النَّاسِ، فَالْمُزَارِعُ مَثَلاً قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ الْمَال الَّذِي يُنْفِقُهُ فِي إِصْلَاحِ أَرْضِهِ وَتَعَهُّدِ زَرْعِهِ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُقْرِضُهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَال، وَلِذَلِكَ فَهُوَ فِي حَاجَةٍ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْمُعَامَلَةِ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنَ الْحُصُول عَلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَال، وَإِلَاّ فَاتَتْ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ اسْتِثْمَارِ أَرْضِهِ، وَكَانَ فِي حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ وَعَنَتٍ، فَمِنْ أَجَل ذَلِكَ أُبِيحَ السَّلَمُ. .
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي حَيْثُ قَال: " وَلأَِنَّ الْمُثَمَّنَ فِي الْبَيْعِ أَحَدُ عِوَضَيِ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ، وَلأَِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ أَرْبَابَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالتِّجَارَاتِ يَحْتَاجُونَ إِلَى النَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَيْهَا لِتَكْمُل، وَقَدْ تَعُوزُهُمُ النَّفَقَةُ، فَجُوِّزَ لَهُمُ السَّلَمُ لِيَرْتَفِقُوا وَيَرْتَفِقَ الْمُسْلِمُ (2) بِالاِسْتِرْخَاصِ (3) .
(1) المغني 4 / 304.
(2)
أي رب السلم.
(3)
المغني 4 / 305.
مَدَى مُوَافَقَةِ السَّلَمِ لِلْقِيَاسِ:
8 -
بَعْدَمَا ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ عَقْدِ السَّلَمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْمَشْرُوعِيَّةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ، أَمْ أَنَّهَا جَاءَتِ اسْتِثْنَاءً عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْعَقْدِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ)، وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ عَقْدٌ جَائِزٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (1) قَال ابْنُ نُجَيْمٍ:" هُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ (2) ". وَقَال زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ:" السَّلَمُ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ (3) . وَفِي " مِنَحِ الْجَلِيل ": " صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ بَائِعِهِ (4) ".
(وَالثَّانِي) لِتَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ
(1) انظر الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب 1 / 280، بداية المجتهد (ط - دار الكتب الحديثة بمصر) 2 / 228، بدائع الصنائع 5 / 201 (مطبعة الجمالية 1328 هـ) ، المغني 4 / 321، شرح منتهى الإرادات 2 / 218، 221، الخرشي 5 / 214.
(2)
البحر الرائق 6 / 196.
(3)
أسنى المطالب شرح روض الطالب 2 / 122.
(4)
منح الجليل لعليش 3 / 2.
وَابْنِ الْقَيِّمِ، وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ.
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " السَّلَمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ " فَقَوْلُهُمْ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا رَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (1) وَأَرْخَصَ فِي السَّلَمِ.
وَهَذَا لَمْ يُرْوَ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: السَّلَمُ بَيْعُ الإِْنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ.
وَنَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ: إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ بَيْعُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ، فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ مَال الْغَيْرِ قَبْل أَنْ يَشْتَرِيَهُ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ بَيْعُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ.
وَهَذَا أَشْبَهُ. فَيَكُونُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ شَيْئًا لَا يَدْرِي هَل يَحْصُل أَوْ لَا يَحْصُل. وَهَذَا فِي السَّلَمِ الْحَال إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُوَفِّيهِ.
وَالْمُنَاسَبَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ.
فَأَمَّا السَّلَمُ الْمُؤَجَّل، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مِنَ
(1) حديث: " لا تبع ما ليس عندك ". أخرجه الترمذي (تحفة الأحوذي 4 / 430 - ط السلفية) من حديث حكيم بن حزام، وحسنه الترمذي.
الدُّيُونِ، وَهُوَ كَالاِبْتِيَاعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ. فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مُؤَجَّلاً فِي الذِّمَّةِ، وَكَوْنِ الْعِوَضِ الآْخَرِ مُؤَجَّلاً فِي الذِّمَّةِ، وَقَدْ قَال تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (1) قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ فِي الذِّمَّةِ حَلَالٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَرَأَ هَذِهِ الآْيَةَ.
فَإِبَاحَةُ هَذَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لَا عَلَى خِلَافِهِ " (2) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ": " وَأَمَّا السَّلَمُ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَوَهَمَ دُخُولَهُ تَحْتَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَإِنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ، وَالْقِيَاسُ يَمْنَعُ مِنْهُ. .
وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ بَيْعُ مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفٍ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ غَالِبًا، وَهُوَ كَالْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْمَنَافِعِ فِي الإِْجَارَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ فَطَرَ اللَّهُ الْعُقَلَاءَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ بَيْعِ الإِْنْسَانِ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ وَبَيْنَ السَّلَمِ إِلَيْهِ فِي مُغَلٍّ مَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِ
(1) سورة البقرة / 282.
(2)
مجموعة فتاوى ابن تيمية 20 / 529.