الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظَّلَمَةِ، بِأَنْ دَخَل عَلَيْهِمْ وَخَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَنْوِي أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ الْمَعْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ (1) .
وَذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِكُل مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ النَّرْدَ أَوِ الشِّطْرَنْجَ، وَكَذَا مُجَالَسَتُهُ لإِِظْهَارِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَقَال أَحْمَدُ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ: مَا هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِينَ بِالْمَعَاصِي، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِنْ سَلَّمُوا إِلَاّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ انْزِجَارُهُمْ بِتَرْكِ الرَّدِّ.
قَال أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَِحْمَدَ: أَمُرُّ بِالْقَوْمِ يَتَقَاذَفُونَ، أُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ؟ قَال: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سُفَهَاءُ، وَالسَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قُلْتُ لأَِحْمَدَ: أُسَلِّمُ عَلَى الْمُخَنَّثِ؟ قَال: لَا أَدْرِي، السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ جَل (2) .
وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْفَاسِقِ أَوِ الْمُبْتَدِعِ فَلَا يَجِبُ زَجْرًا لَهُمَا كَمَا فِي رُوحِ الْمَعَانِي (3) .
(1) روضة الطالبين 10 / 230 ط. المكتب الإسلامي، الأذكار / 407 ط. الأولى الأدب المفرد بشرحه 2 / 472 ط. السلفية.
(2)
الآداب الشرعية لابن مفلح 3 / 389 ط. الأولى.
(3)
روح المعاني 5 / 101 ط المنيرية.
السَّلَامُ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ:
21 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ إِنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ؛ لأَِنَّ السَّلَامَ حِينَئِذٍ لأَِجْل الْحَاجَةِ لَا لِتَعْظِيمِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُول: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (1) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَسَائِرِ فِرَقِ الضَّلَال بِالسَّلَامِ مَكْرُوهٌ؛ لأَِنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةٌ وَالْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (2) .
وَيَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بُدَاءَةُ الذِّمِّيِّ بِالسَّلَامِ، وَلَهُ أَنْ يُحَيِّيَهُ بِغَيْرِ السَّلَامِ بِأَنْ يَقُول: هَدَاكَ اللَّهُ، أَوْ: أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ، إِنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ، وَإِلَاّ فَلَا يَبْتَدِئُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الإِْكْرَامِ أَصْلاً؛ لأَِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ وُدٍّ (3) . وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لَا
(1) ابن عابدين 5 / 264 - 265 ط. المصرية، الاختيار 4 / 165 ط. المعرفة روح المعاني 5 / 100 ط. المنيرية.
(2)
الفواكه الدواني 2 / 425 - 426 ط. الثالثة، حاشية العدوي على الخرشي 3 / 110 ط بولاق، القرطبي 5 / 303 ط الأولى.
(3)
نهاية المحتاج 8 / 49 ط. المكتبة الإسلامية، تحفة المحتاج 9 / 226 ط. دار صادر، روضة الطالبين 10 / 230 - 231 ط. المكتب الإسلامي.
تَجِدُ قَوْمًا يُومَنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) .
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَهْل الذِّمَّةِ، فَقَطَعَ الأَْكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ، وَقَال آخَرُونَ: لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ بَل هُوَ مَكْرُوهٌ.
حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ بِالسَّلَامِ، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ الْمُسَلِّمُ عَلَى قَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَلَا يَذْكُرُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، إِلَاّ أَنَّ النَّوَوِيَّ وَصَفَ هَذَا الْوَجْهَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ.
وَبُدَاءَةُ أَهْل الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ لَا تَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نُحَيِّيَهُمْ بِتَحِيَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ السَّلَامِ. قَال أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَِبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَكْرَهُ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلذِّمِّيِّ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ أَوْ: كَيْفَ حَالُكَ؟ أَوْ: كَيْفَ أَنْتَ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا؟ قَال: نَعَمْ، هَذَا عِنْدِي أَكْثَرُ مِنَ السَّلَامِ.
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ قَال لِلذِّمِّيِّ: أَطَال اللَّهُ بَقَاءَكَ، جَازَ، إِنْ نَوَى أَنَّهُ يُطِيلُهُ لِيُسْلِمَ أَوْ
(1) سورة المجادلة / 22.
لِيُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ لأَِنَّهُ دُعَاءٌ بِالإِْسْلَامِ، وَإِلَاّ فَلَا يَجُوزُ (1) .
وَدَلِيل كَرَاهَةِ الْبُدَاءَةِ بِالسَّلَامِ قَوْل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ (2) .
وَالاِسْتِقَالَةُ أَنْ يَقُول لَهُ: رُدَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْتُهُ عَلَيْكَ؛ لأَِنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ كَافِرٌ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ ذِمِّيًّا أَنْ يَسْتَقِيلَهُ بِأَنْ يَقُول لَهُ: رُدَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْتُهُ عَلَيْكَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيل: إِنَّهُ كَافِرٌ، فَقَال: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْتُ عَلَيْكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَال أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَال: أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَسْتَقِيلُهُ.
وَإِذَا كَتَبَ إِلَى الذِّمِّيِّ كِتَابًا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، اقْتِدَاءً
(1) الاختيار 4 / 165 ط. المعرفة، الأذكار ص / 404 - 406 ط. الأولى. المغني 8 / 536 ط. الرياض، كشاف القناع 3 / 129 ط،. النصر، الكافي 4 / 359 ط الثانية.
(2)
حديث: " لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ". أخرجه مسلم (4 / 1707 ط. الحلبي) .