الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحُكْمِ لاِنْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَالْعِلَّةِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الشَّبَهَ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمُنَاسِبِ وَالطَّرْدِ، فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الطَّرْدَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ بِالذَّاتِ وَيُشْبِهُ الْمُنَاسِبَ بِالذَّاتِ مِنْ حَيْثُ الْتِفَاتُ الشَّارِعِ إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُوهِمُ الْمُنَاسَبَةَ (1) .
وَالدَّوَرَانُ: هُوَ الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ مَعًا؛ أَيْ: كُلَّمَا وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ، وَكُلَّمَا انْتَفَى الْوَصْفُ انْتَفَى الْحُكْمُ. وَهَذَا الْمَسْلَكُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فِي الْقِيَاسِ نَفَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْغَزَالِيِّ وَالآْمِدِيِّ.
وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ ظَنًّا أَوْ قَطْعًا عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلَافٍ (2) . (ر: دَوَرَان)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
4 -
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي بَحْثِ اللَّقِيطِ أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيطِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ تَكُنْ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، أَوْ تَعَارَضَتْ فِيهِ بَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا، يُعْرَضُ اللَّقِيطُ عَلَى الْقَافَةِ (3) .
(1) جمع الجوامع 2 / 286، 291 - 292، 302 - 305.
(2)
مسلم الثبوت 2 / 302.
(3)
القافة جمع قائف: وهو من يعرف النسب بالشبه، ولا يختص بقوم، لأن المراعى فيها إنما هو إدراك الشبه فكل من عرف ذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف. وقيل: هي مختصة ببني مدلج من العرب لأن لهم في ذلك قوة ليست لغيرهم. (القليوبي 4 / 349، الزرقاني 6 / 110، والمغني 5 / 769 وما بعدها) .
وَتَعْتَمِدُ الْقَافَةُ فِي مَعْرِفَتِهَا الأَْنْسَابَ بِالشَّبَهِ، فَيَلْحَقُ اللَّقِيطُ بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل أَنَسٍ وَعَطَاءٍ، وَالأَْوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الأَْخْذِ بِقَوْل الْقَائِفِ وَالاِعْتِمَادِ عَلَى الشَّبَهِ بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَل عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَال: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدٍ وَأُسَامَةَ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَال: إِنَّ هَذِهِ الأَْقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَثْبُتُ نَسَبُ اللَّقِيطِ مِنْ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، كَمَا يَثْبُتُ مِنَ اثْنَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ إِذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا. فَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ ابْنُهُ مَا لَمْ يُبَرْهِنِ الآْخَرُ. وَلَمْ يَأْخُذُوا بِالشَّبَهِ وَقَوْل الْقَافَةِ لأَِنَّهُ مُجَرَّدُ ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ، فَقَدْ يُوجَدُ الشَّبَهُ بَيْنَ الأَْجَانِبِ أَحْيَانًا، وَيَنْتَفِي بَيْنَ الأَْقَارِبِ (2) . وَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ
(1) القليوبي وعميرة 3 / 129، 4 / 349، والمغني 5 / 766، 769 وما بعدها، وحديث عائشة:" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسرورا ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 56 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1082 ط. الحلبي) . واللفظ لمسلم.
(2)
ابن عابدين 3 / 315، والمغني لابن قدامة 5 / 767.
أَعْرَابِيًّا أَتَاهُ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَال: هَل لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَال حُمْرٌ، قَال: فَهَل فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟ قَال: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، قَال: فَلَعَل ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَلْحَقُ نَسَبُ اللَّقِيطِ بِمُلْتَقِطِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الأَْخْذَ بِقَوْل الْقَائِفِ وَالاِعْتِمَادَ عَلَى الشَّبَهِ. لَكِنَّهُمْ أَخَذُوا بِالشَّبَهِ فِي مَسَائِل، مِنْهَا: إِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وَأَمَةُ آخَرَ وَاخْتَلَطَ الْوَلَدَانِ، وَلَمْ تَعْرِفْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَهَا، عَيَّنَتْهُ الْقَافَةُ، وَتَعْتَمِدُ الْقَافَةُ فِي مَعْرِفَتِهَا الأَْنْسَابَ بِالشَّبَهِ عَلَى أَبٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ يُدْفَنْ، لَا عَلَى شَبَهِ عَصَبَةِ الأَْبِ الْمَدْفُونِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكْفِيَ قَائِفٌ وَاحِدٌ (2) . وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي
(1) حديث: " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 175 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1137 - ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2)
جواهر الإكليل 2 / 139، والزرقاني 6 / 110، والحطاب مع المواق 5 / 247 وحاشية الدسوقي 3 / 417، وتبصرة الحكام 2 / 108، 109.
مُصْطَلَحَاتِ (قَافَة، لُقَطَة، نَسَب) .
5 -
ثَانِيًا: قَرَّرَ الأُْصُولِيُّونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ نَاطَهُ بِهَا الشَّرْعُ، رِعَايَةً لِلْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُْخْرَوِيَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لإِِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَسْلَكُ. وَهُنَاكَ مَسَالِكُ لِتَعْيِينِ الْعِلَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، كَالنَّصِّ وَالإِْجْمَاعِ، وَالسَّبْرِ، وَالتَّقْسِيمِ، وَالْمُنَاسَبَةِ، مَعَ تَفْصِيلٍ فِيهَا (1) . وَمَسَالِكُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، كَالشَّبَهِ وَقِيَاسِهِ، وَالطَّرْدِ وَالدَّوَرَانِ وَنَحْوِهَا. وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ قِيَاسُ الْعِلَّةِ الْمُشْتَمِل عَلَى الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ فَالشَّبَهُ لَا اعْتِبَارَ لَهُ، وَلَا يُصَارُ إِلَى قِيَاسِهِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ تَعَدَّدَتِ الْعِلَّةُ يَتَعَذَّرُ الْمُنَاسِبُ بِالذَّاتِ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْبَاقِلَاّنِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ لِشَبَهِهِ بِالطَّرْدِ.
وَقَال الشَّافِعِيُّ: هُوَ حُجَّةٌ لِشَبَهِهِ بِالْمُنَاسِبِ، وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الشَّبَهَ عِلَّةٌ وَلَيْسَ بِمَسْلَكٍ، بَل إِنْ ثَبَتَ بِمَسْلَكٍ مِنَ الْمَسَالِكِ الأُْخَرِ يُقْبَل، وَإِلَاّ فَلَا
(1) مسلم الثبوت 2 / 294، 295 وما بعدها.