الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 -
وَحَيْثُ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ تَسْلِيمُ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ الاِمْتِنَاعُ عَنْ تَسَلُّمِهِ فِيهِ. فَإِنْ شَاءَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ أَدَاءَهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أ - فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قَبُولُهُ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ، وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَهُ بِغَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، وَيَأْخُذُ كِرَاءَ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ لأَِنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الأَْجَلَيْنِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ سَلَّمَ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ، فَلِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَأْبَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (1) . فَإِنْ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الأَْجْرِ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لَمَّا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الأَْجْرَ عَلَى نَقْل مِلْكِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، فَيَرُدُّ الأَْجْرَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ حَتَّى يُسَلَّمَ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ؛ لأَِنَّ حَقَّهُ فِي التَّسْلِيمِ فِيهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ إِلَاّ
(1) حديث: " المسلمون على شروطهم ". أخرجه أبو داود (4 / 20 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي هريرة، وفي إسناده مقال، ولكن أورد له ابن حجر في التغليق (3 / 282 - ط المكتب الإسلامي) ما يقويه.
بِعِوَضٍ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي التَّسْلِيمِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ (1) .
ب - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: (إِذَا أَتَى الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ فَامْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَخْذِهِ، فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، لَمْ يُجْبَرْ. وَإِلَاّ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّعْجِيل قَبْل الْمَحِل. فَلَوْ رَضِيَ وَأَخَذَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ مُؤْنَةَ النَّقْل. قَال النَّوَوِيُّ: قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا إِجْبَارُهُ)(2) .
د -
تَعَذُّرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل:
36 -
إِذَا انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل، بِحَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِيفَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِ فِي وَقْتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أ - فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ رَبُّ السَّلَمِ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إِلَى وُجُودِهِ،
(1) بدائع الصنائع 5 / 213، الخرشي 5 / 228، القوانين الفقهية ص 275، وانظر المدونة 9 / 42 (مطبعة السعادة 1323 هـ) ، وانظر كشاف القناع 3 / 292، شرح منتهى الإرادات 2 / 222.
(2)
روضة الطالبين 4 / 31.
فَيُطَالَبُ بِهِ عِنْدَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ السَّلَمَ وَيَرْجِعَ بِرَأْسِ مَالِهِ إِنْ وُجِدَ، أَوْ عِوَضِهِ إِنْ عُدِمَ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ. قَال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ:" لأَِنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ، وَالْعَجْزَ طَارِئٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَال، فَصَارَ كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قَبْل الْقَبْضِ ".
وَقَال ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: " وَحُجَّتُهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ شَرَطَهُ الْمُسْلِمِ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ "(1) .
وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ ضَابِطَ الاِنْقِطَاعِ بِقَوْلِهِ: " فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الْمُسْلَمُ فِيهِ أَصْلاً، بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يَنْشَأُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ مُسْتَأْصِلَةٌ، فَهَذَا انْقِطَاعٌ حَقِيقِيٌّ. وَلَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، لَكِنْ يَفْسُدُ بِنَقْلِهِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ إِلَاّ عِنْدَ قَوْمٍ امْتَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ، فَهُوَ انْقِطَاعٌ. وَلَوْ كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَلَيْسَ بِانْقِطَاعٍ، بَل يَجِبُ تَحْصِيلُهُ. وَلَوْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ، وَجَبَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا "(2) .
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 220، كشاف القناع 3 / 290، القوانين الفقهية ص 275، بداية المجتهد 2 / 230، الخرشي 5 / 221، المغني 4 / 326، الهداية مع فتح القدير والعناية 6 / 214، المهذب 1 / 309، روضة الطالبين 4 / 11.
(2)
روضة الطالبين 4 / 12.
ب - وَقَال زُفَرُ وَأَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يَنْفَسِخُ السَّلَمُ ضَرُورَةً، وَيَسْتَرِدُّ رَبُّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَال، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ.
قَال ابْنُ رُشْدٍ مُعَلِّلاً رَأَى أَشْهَبَ: " وَكَأَنَّهُ رَآهُ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ". وَقَال الشِّيرَازِيُّ مُعَلِّلاً قَوْل الشَّافِعِيِّ هَذَا: " لأَِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثَمَرَةُ هَذَا الْعَامِ، وَقَدْ هَلَكَتْ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، فَهَلَكَتِ الصُّبْرَةُ ". وَهِيَ نَفْسُ حُجَّةِ زُفَرَ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْهُمَامِ مَبْسُوطَةً أَنَّ الْبُطْلَانَ لِلْعَجْزِ عَنِ التَّسْلِيمِ قَبْل الْقَبْضِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْل الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، لَا يَبْقَى عِنْدَ فَوَاتِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ، ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْل الْقَبْضِ، يَبْطُل الْعَقْدُ، فَكَذَا هُنَا (1) .
ج - وَقَال سَحْنُونٌ: لَيْسَ لِرَبِّ السَّلَمِ فَسْخُ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَصْبِرَ إِلَى الْقَابِل (2) .
(1) الهداية مع العناية وفتح القدير 6 / 214، القوانين الفقهية ص 275، المهذب 1 / 309، بداية المجتهد 2 / 230، روضة الطالبين 4 / 11.
(2)
القوانين الفقهية ص 275، بداية المجتهد 2 / 230.