الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوَجَبَ غَسْلُهُ؛ وَلأَِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْل الْبَشَرَةِ غَسْلُهُ، فَوَجَبَ غَسْلُهُ لأَِنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إِلَاّ بِهِ (1) .
ج -
إِعَادَةُ التَّطَهُّرِ بَعْدَ حَلْقِ الشَّارِبِ:
9 -
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَل ثُمَّ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ قَصَّهُ، لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل، وَلَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ غَسْل مَحَل الْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ فِيمَا يَشْمَل هَذِهِ الْحَالَةَ: وَمَتَى غَسَل هَذِهِ الشُّعُورَ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي طَهَارَتِهِ، قَال يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلَاّ طَهَارَةً، وَهَذَا قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ؛ لأَِنَّ فَرْضَ الْغَسْل انْتَقَل إِلَى الشَّعْرِ أَصْلاً، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ غَسَل الْبَشَرَةَ دُونَ الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ مَسْحَهُمَا بَدَلٌ عَنْ غَسْل الرِّجْلَيْنِ فَيُجْزِئُ غَسْل الرِّجْلَيْنِ دُونَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ (2) .
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ ظُهُورَ بَشَرَةِ الْوَجْهِ بَعْدَ غَسْل شَعْرِهِ يُوجِبُ غَسْلَهَا قِيَاسًا عَلَى ظُهُورِ قَدَمِ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفِّ (3) .
(1) رد المحتار 1 / 103، الخرشي 1 / 168، مغني المحتاج 1 / 73، المغني 1 / 227 - 228.
(2)
الدر المختار ورد المحتار 1 / 69، شرح الزرقاني 1 / 60، المغني 1 / 117.
(3)
المغني 1 / 117.
ثَانِيًا: الأَْخْذُ مِنَ الشَّارِبِ:
10 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَْخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ - الْخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَْظْفَارِ وَنَتْفُ الإِْبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ (1) .
قَال النَّوَوِيُّ: وَتَفْسِيرُ الْفِطْرَةِ بِالسُّنَّةِ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: مِنَ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّوَارِبِ وَنَتْفُ الإِْبْطِ وَتَقْلِيمُ الأَْظْفَارِ (2) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَْخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ السُّنَّةِ (3) ، لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه
(1) حديث: " الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة. . . . ". أخرجه مسلم (1 / 221 - ط الحلبي) .
(2)
قوله: من السنة قص الشوارب تعقب الحافظ ابن حجر كلام النووي، أنه لم ير هذا اللفظ في شيء من نسخ البخاري وأن الصواب أنه عند البخاري بلفظ:" الفطرة " كذا في فتح الباري (10 / 339 - ط السلفية) . ولفظ: " من الفطرة قص الشارب " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 334 - ط السلفية) من حديث ابن عمر.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 3 / 146 - 148، المجموع شرح المهذب 1 / 248 - 287.
قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا (1) .
11 -
لَكِنِ الْفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِ الأَْخْذِ مِنَ الشَّارِبِ، هَل يَكُونُ بِالْقَصِّ أَمْ بِالْحَلْقِ أَمْ بِالإِْحْفَاءِ؟ (2) .
فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُسَنُّ فِي الشَّارِبِ، وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ الْخِلَافَ فَقَال: الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ الْقَصُّ، قَال فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَال الطَّحَاوِيُّ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهُوَ قَوْل عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ، وَهُمَا السَّبَالَانِ، فَقِيل: هُمَا مِنْهُ، وَقِيل: مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيل: يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالأَْعَاجِمِ وَأَهْل الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ. وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَوْفِيرَ
(1) حديث: " من لم يأخذ من شاربه فليس منا ". أخرجه الترمذي (5 / 93 - ط الحلبي) وقوى إسناده ابن حجر في الفتح (10 / 337 - ط السلفية) .
(2)
القص: أصل القص القطع، يقال: قصصت ما بينهما أي: قطعت، وقص الشعر قطعه، وأخذه بالمقص. الحلق: الإزالة يقال: حلق رأسه يحلقه حلقا وتحلاقا إذا زال شعره. (القاموس المحيط) . الإحفاء: الاستئصال، يقال: أحفى الرجل شاربه إذا بالغ في أخذه وقصه. (لسان العرب، المصباح المنير) .
الشَّارِبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْغَازِي مَنْدُوبٌ؛ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ (1) .
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ قَصُّ الشَّارِبِ كُل أُسْبُوعٍ، وَالأَْفْضَل يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَرَاءَ الأَْرْبَعِينَ لِمَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَال: وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَْظْفَارِ وَنَتْفِ الإِْبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (2) وَهُوَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَيَكُونُ كَالْمَرْفُوعِ (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قُصُّوا الشَّوَارِبَ (4) وَهُوَ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ، فَلَيْسَ الأَْمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلْوُجُوبِ، وَالسُّنَّةُ: الْقَصُّ لَا الإِْحْفَاءُ، وَالشَّارِبُ لَا يُحْلَقُ بَل يُقَصُّ، قَال يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُول: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الإِْطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّل بِنَفْسِهِ.
(1) رد المحتار 2 / 204، 5 / 260 - 261، الاختيار 4 / 177، فتح القدير 2 / 232.
(2)
حديث أنس: " وقت لنا في قص الشارب. . . ". أخرجه مسلم (1 / 222 - ط الحلبي) .
(3)
رد المحتار 5 / 261 - ط بولاق.
(4)
حديث: " قصوا الشوارب. . . ". أخرجه أحمد (2 / 229 - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة، وإسناده حسن.
وَفِي قَصِّ السَّبَالَتَيْنِ عِنْدَهُمْ قَوْلَانِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقُ مَا خُلِقَ لَهَا مِنْ شَارِبٍ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ سُنَّةٌ لِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الأَْيْمَنِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُل شَيْءٍ (2) . وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُصَّهُ لَهُ غَيْرُهُ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُل مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ.
وَأَمَّا حَدُّ مَا يَقُصُّهُ: فَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَلَا يَحُفُّهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ. . . (3) مَحْمُولٌ عَلَى مَا طَال عَلَى الشَّفَتَيْنِ، وَعَلَى الْحَفِّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ لَا مِنْ أَصْل الشَّعْرِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ
(1) حاشية العدوي على الفواكه الدواني 2 / 353، الفواكه الدواني 1 / 152، القوانين الفقهية 430.
(2)
حديث: " كان يحب التيامن. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 523 - ط السلفية) ومسلم (1 / 226 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(3)
حديث: " أحفوا الشوارب. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 349 - ط السلفية) ومسلم (1 / 222 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
شَارِبِهِ (1) ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيل الرَّحْمَنِ يَفْعَلُهُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ شُرَحْبِيل بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَال: رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ وَيَعْفُونَ لِحَاهُمْ وَيُصَغِّرُونَهَا: أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثَّمَالِيُّ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ، كَانُوا يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ (2) .
وَقَال الْمُحَاطِيُّ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ حَلْقُ الشَّارِبِ.
وَقَال الْبَاجُورِيُّ: إِحْفَاءُ الشَّارِبِ بِالْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ مَكْرُوهٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَظْهَرَ الشَّفَةُ، وَأَنْ يَقُصَّ مِنْهُ شَيْئًا وَيُبْقِيَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَنَقَل الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْمَرِيِّ؛ اسْتِحْبَابَ الإِْحْفَاءِ، ثُمَّ قَال: وَلَمْ نَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصًّا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَا
(1) حديث: " كان يقص أو يأخذ من شاربه. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 93 - ط الحلبي)، وقال:" حديث حسن غريب ".
(2)
أثر شرحبيل بن مسلم. أخرجه البيهقي (1 / 151 - ط دائرة المعارف العثمانية) .