الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُّكُوتُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ:
تَعَرَّضَ الأُْصُولِيُّونَ لِحُكْمِ السُّكُوتِ فِي مَوْضِعَيْنِ: الأَْوَّل عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ وَمِنْهَا بَيَانُ الضَّرُورَةِ، وَالثَّانِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الإِْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ. وَفِيمَا يَلِي إِجْمَال مَا قَالُوا:
21 -
أَوَّلاً: مِنْ أَقْسَامِ الْبَيَانِ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ
بَيَانُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْبَيَانُ الَّذِي يَقَعُ بِسَبَبِ الضَّرُورَةِ بِمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَهُوَ السُّكُوتُ، فَيَقَعُ السُّكُوتُ فِيهِ مَقَامَ الْكَلَامِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ:
(الأَْوَّل) : مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ مِثْل قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُِمِّهِ الثُّلُثُ} (1) فَإِنَّهُ يَدُل عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لِلأَْبِ، فَصَارَ بَيَانًا لِقَدْرِ نَصِيبِهِ بِدَلَالَةِ صَدْرِ الْكَلَامِ، لَا بِمَحْضِ السُّكُوتِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ بَيَانَ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَالسُّكُوتَ عَنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَال صَحِيحٌ لِلاِسْتِغْنَاءِ عَنِ الْبَيَانِ. كَذَلِكَ بَيَانُ نَصِيبِ رَبِّ الْمَال وَالسُّكُوتُ عَنْ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ.
(الثَّانِي) : مَا يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ حَال الْمُتَكَلِّمِ
(1) سورة النساء آية: 11.
كَسُكُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ عَنِ التَّغْيِيرِ، فَإِنَّهُ يَدُل عَلَى كَوْنِهِ حَقًّا، مِثْل مَا شَاهَدَ مِنْ بِيَاعَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَآكِل وَمَشَارِبَ وَمَلَابِسَ كَانُوا يَسْتَدِيمُونَ مُبَاشَرَتَهَا، فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُنْكِرْهَا عَلَيْهِمْ، فَدَل أَنَّ جَمِيعَهَا مُبَاحٌ فِي الشَّرْعِ، إِذْ لَا يَجُوزُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّ النَّاسَ عَلَى مُنْكَرٍ مَحْظُورٍ، فَكَانَ سُكُوتُهُ بَيَانًا (1) . وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ سُكُوتُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ يُجْعَل بَيَانًا لِحَالِهَا الَّتِي تُوجِبُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْحَيَاءُ، فَجُعِل سُكُوتُهَا دَلِيلاً عَلَى الإِْجَازَةِ وَالرِّضَا. وَكَذَلِكَ النُّكُول جُعِل بَيَانًا لِحَال النَّاكِل، وَهُوَ امْتِنَاعُهُ عَنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَدُل ذَلِكَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْمُدَّعَى.
(الثَّالِثُ) : مَا جُعِل بَيَانًا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الْغُرُورِ، كَسُكُوتِ الْمَوْلَى حِينَ يَرَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، فَجُعِل هَذَا السُّكُوتُ إِذْنًا؛ دَفْعًا لِلْغُرُورِ عَنِ النَّاسِ.
وَكَذَا سُكُوتُ الشَّفِيعِ، جُعِل رَدًّا لِهَذَا الْمَعْنَى
(1) كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي 3 / 147، 148، والتلويح والتوضيح 2 / 39، 40 مطبعة محمد علي صبيح وأولاده.