الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً أَمْ مَضْمُونَةً، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ (1) .
(وَالثَّانِي) لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَنُوبُ الْقَبْضُ السَّابِقُ لِرَأْسِ مَال السَّلَمِ عَنِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ إِذَا كَانَتْ يَدُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ يَدَ ضَمَانٍ لَا يَدَ أَمَانَةٍ، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ الْقَبْضُ الْبَدِيل مِثْلُهُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ أَمْكَنَ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً - كَيَدِ الْوَكِيل وَالْوَدِيعِ وَالشَّرِيكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - فَإِنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِيَصِحَّ عَقْدُ السَّلَمِ (2) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْض) .
ج -
شُرُوطُ الْمُسْلَمِ فِيهِ:
الشَّرْطُ الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ:
20 -
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إِذَا جُعِل الْمُسْلَمُ فِيهِ شَيْئًا
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 221، كشاف القناع 3 / 291.
(2)
(مجمع الضمانات البغدادي ص 217، الفتاوى الطرطوسية ص 253، بدائع الصنائع 5 / 248.
مُعَيَّنًا بِذَاتِهِ (1) ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، إِذْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِبَيْعِ شَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ، وَمُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَمَحَلُّهُ ذِمَّةُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُعَيَّنًا تَعَلَّقَ حَقُّ رَبِّ السَّلَمِ بِذَاتِهِ، وَكَانَ مَحَل الاِلْتِزَامِ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ، لَا ذِمَّةَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ تَعْيِينُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.
وَبِالإِْضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا التَّعْيِينَ يَجْعَل السَّلَمَ مِنْ عُقُودِ الْغَرَرِ؛ إِذْ يَنْشَأُ عَنْهُ غُرَرُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَنْفِيذِ الْعَقْدِ فَلَا يُدْرَى أَيَتِمُّ هَذَا الْعَقْدُ أَمْ يَنْفَسِخُ، حَيْثُ إِنَّ مِنَ الْمُحْتَمَل أَنْ يَهْلِكَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ قَبْل حُلُول وَقْتِ أَدَائِهِ، فَيَسْتَحِيل تَنْفِيذُهُ.
وَالْغَرَرُ مُفْسِدٌ لِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَمُقَرَّرٌ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْوَفَاءَ يَكُونُ بِأَدَاءِ أَيَّةِ عَيْنٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الأَْوْصَافُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَعَذَّرُ تَنْفِيذُ الْعَقْدِ لَوْ تَلِفَ
(1) الهداية مع فتح القدير والعناية (الميمنية 1319 هـ) 6 / 219، القوانين الفقهية (ط - الدار العربية للكتاب) ص 274، مواهب الجليل 4 / 534، بداية المجتهد 2 / 230، روضة الطالبين 4 / 6، نهاية المحتاج 4 / 183.
الْمُسْلَمُ فِيهِ قَبْل تَسْلِيمِهِ؛ إِذْ يَسَعُهُ الاِنْتِقَال عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ أَمْثَالِهِ (1) .
وَقَدْ رَتَّبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَضَمُّنِ السَّلَمِ غَرَرًا إِذَا عَيَّنَ الْمُسْلَمَ فِيهِ أَيْلُولَةَ الْعَقْدِ إِلَى السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا. فَقَال الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمُمَهِّدَاتِ ": " وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزِ السَّلَمُ فِي الدُّورِ وَالأَْرَضِينَ؛ لأَِنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ إِلَاّ بِصِفَةٍ، وَلَا بُدَّ فِي صِفَةِ الدُّورِ وَالأَْرَضِينَ مِنْ ذِكْرِ مَوْضِعِهَا، وَإِذَا ذَكَرَ مَوْضِعَهَا تَعَيَّنَتْ، فَصَارَ السَّلَمُ فِيهَا كَمَنِ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ دَارَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَهَا لَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي لَا يَحِل وَلَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ لَا يَدْرِي بِكَمْ يَتَخَلَّصُهَا مِنْهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَهَا مِنْهُ، وَمَتَى لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَهَا مِنْهُ رَدَّ إِلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ، فَصَارَ مَرَّةً بَيْعًا وَمَرَّةً سَلَفًا، وَذَلِكَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا " (2) .
كَمَا بَنَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَنْعَ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُعَيَّنًا عَلَى أَسَاسِ أَنَّ السَّلَمَ إِنَّمَا جَازَ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَإِذْ عَيَّنَ الْمُسْلَمَ فِيهِ، فَيُمْكِنُ عِنْدَئِذٍ بَيْعُهُ فِي الْحَال،
(1) كشاف القناع 3 / 292، أسنى المطالب 2 / 124، 130.
(2)
المقدمات الممهدات ص 516.
وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ حَاجَةٌ إِلَى السَّلَمِ، فَيَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الأَْصْلِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ (1) .
وَلَعَل الْمُسْتَنَدَ النَّصِّيَّ لِوُجُوبِ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ، وَعَدَمُ جَوَازِ السَّلَمِ إِذَا تَعَيَّنَ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَال جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَسْلَمُوا (لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ) وَإِنَّهُمْ قَدْ جَاءُوا، فَأَخَافُ أَنْ يَرْتَدُّوا. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عِنْدَهُ؟ فَقَال رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ: عِنْدِي كَذَا وَكَذَا (لِشَيْءٍ قَدْ سَمَّاهُ) أُرَاهُ قَال: ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ، بِسِعْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ. فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِسِعْرِ كَذَا وَكَذَا، إِلَى أَجَل كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ (2) .
21 -
وَبِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ مِنَ الأَْمْوَال هُوَ الْمِثْلِيَّاتُ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ
(1) كشاف القناع 3 / 292، شرح منتهى الإرادات 2 / 221.
(2)
حديث عبد الله بن سلام: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن بني فلان أسلموا. . . . أخرجه ابن ماجه (2 / 766 - ط الحلبي) ، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 24 - ط دار الجنان) .
الْمُتَقَارِبَةِ، وَالْقِيمِيَّاتِ الَّتِي تَقْبَل الاِنْضِبَاطَ بِالْوَصْفِ (1) .
قَال الشِّيرَازِيُّ فِي (الْمُهَذَّبِ) : (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي كُل مَالٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَتُضْبَطُ صِفَاتُهُ كَالأَْثْمَانِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالأَْصْوَافِ وَالأَْشْعَارِ وَالأَْخْشَابِ وَالأَْحْجَارِ وَالطِّينِ وَالْفَخَّارِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْبَلُّورِ وَالزُّجَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْمْوَال الَّتِي تُبَاعُ وَتُضْبَطُ بِالصِّفَاتِ)(2) .
أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ مِنَ الأَْمْوَال فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُشَاقَّةِ، وَعَدَمُهَا مَطْلُوبٌ شَرْعًا (3) .
وَعَلَى هَذَا فَقَدْ نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي النُّقُودِ - عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَال مِنْ غَيْرِهَا
(1) البحر الرائق 6 / 169، شرح منتهى الإرادات 2 / 214، 215، أسنى المطالب 2 / 128، فتح العزيز 9 / 268، الهداية مع فتح القدير والعناية 6 / 206، 207، كشاف القناع 3 / 276 وما بعدها، الخرشي 5 / 212 وما بعدها، الإفصاح1 / 363، بداية المجتهد 2 / 229، رد المحتار 4 / 203، المغني 4 / 318، 320.
(2)
المهذب 1 / 304.
(3)
أسنى المطالب 2 / 130، كشاف القناع 3 / 276، نهاية المحتاج 4 / 195، وبدائع الصنائع 5 / 208.
لِئَلَاّ يُفْضِيَ ذَلِكَ إِلَى رِبَا النَّسَاءِ (1) - قَال ابْنُ قُدَامَةَ: " لأَِنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَدَاقًا، فَتَثْبُتُ سَلَمًا كَالْعُرُوضِ، وَلأَِنَّهُ لَا رِبَا بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ التَّفَاضُل وَلَا النَّسَاءُ (2) ، فَصَحَّ إِسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الآْخَرِ كَالْعَرَضِ فِي الْعَرَضِ "(3) .
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ (4) وَهِيَ مِنَ الْمَوْزُونَاتِ، وَبِأَنَّ كُل مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ؛ وَلأَِنَّ ضَبْطَهَا بِالصِّفَةِ مُمْكِنٌ بِذِكْرِ نَوْعِ فِضَّتِهَا أَوْ ذَهَبِهَا وَسِكَّتِهَا وَوَزْنِهَا. فَانْتَفَى كُل مَانِعٍ، وَتَوَفَّرَ مَنَاطُ الْجَوَازِ (5) .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ نَقْدًا؛ لأَِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا، وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ، فَلَا تَكُونُ مُسْلَمًا فِيهَا (6) .
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 215، كشاف القناع 3 / 278، المقدمات الممهدات ص 519 أسنى المطالب 2 / 137، الخرشي 5 / 206، منح الجليل 3 / 11، كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي عليها 2 / 163.
(2)
لكون رأس المال عرضا غير نقد.
(3)
المغني 4 / 332.
(4)
حديث: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم ". تقدم تخريجه ف6.
(5)
الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب البغدادي 1 / 281.
(6)
رد المحتار 4 / 203، الهداية وفتح القدير والعناية 6 / 206.