الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ:
؟
6 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ السَّلَبَ لِكُل قَاتِلٍ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ أَوِ الرَّضْخَ كَالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَالتَّاجِرِ، وَالذِّمِّيِّ، لِعُمُومِ الْحَدِيثِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ (1) وَلِمَا رَوَاهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِل (2) . وَهُوَ حُكْمٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ.
إِلَاّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَسْتَثْنُونَ الذِّمِّيَّ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ وَإِنْ حَضَرَ الْقِتَال بِإِذْنِ الإِْمَامِ، أَمَّا إِذَا حَضَرَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِاتِّفَاقٍ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالذِّمِّيَّ وَالصَّبِيَّ وَكُل مَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ. هَذَا الْقَوْل الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
(1) حديث: " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 247 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1371 ط. الحلبي) .
(2)
حديث: أن رسول الله صلى الله عليه سلم قضى بالسلب للقاتل. أخرجه أبو داود (3 / 165 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد، وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 105 - ط شركة الطباعة الفنية) وهو ثابت في صحيح مسلم من حديث طويل، وهو في صحيح مسلم (3 / 1373 - ط الحلبي) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِلَاّ إِذَا أَجَازَ الإِْمَامُ لَهُمْ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ بِدُخُول الْكُفَّارِ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَأْخُذُونَ السَّلَبَ عِنْدَ ذَلِكَ. أَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا وَلَا رَضْخًا كَالْمُرْجِفِ وَالْمُخَذِّل وَالْخَائِنِ وَالْمُعِينِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (1) .
7 -
وَمِنْ شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ أَنْ يُغَرِّرَ الْقَاتِل بِنَفْسِهِ فِي قَتْل الْكَافِرِ؛ أَيْ يُخَاطِرَ بِحَيَاتِهِ وَيُوَاجِهَ احْتِمَال الْمَوْتِ، فَإِنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ حِصْنٍ يَتَحَصَّنُ فِيهِ فَلَا سَلَبَ لَهُ.
وَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قَتْل الْكَافِرِ حَال الْحَرْبِ، فَالسَّلَبُ لَهُمْ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ حَيْثُ يَتَنَاوَل الْوَاحِدَ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةَ؛ وَلأَِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي السَّبَبِ - وَهُوَ الْقَتْل - فَيَجِبُ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي السَّلَبِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَا
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 239، سبل السلام 4 / 52، الخرشي 3 / 130، الشرح الصغير 2 / 177، جواهر الإكليل 1 / 261، مغني المحتاج 3 / 99، روضة الطالبين 6 / 374، المغني لابن قدامة 8 / 387، حاشية العدوي 2 / 14، فتح القدير 5 / 249، كشاف القناع 3 / 71.
يُرْجَى نَجَاتُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَخْتَصَّ قَاتِلُهُ بِسَلَبِهِ لأَِنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ بِنَفْسِهِ، وَلأَِنَّ شَرَّ الْكَافِرِ زَال بِالْوُقُوعِ بَيْنَهُمْ. وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ حَمَل جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَقَتَلُوهُ فَسَلَبُهُ لَيْسَ لَهُمْ. بَل يَكُونُ غَنِيمَةً؛ لأَِنَّهُمْ لَمْ يُغَرِّرُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قَتْلِهِ، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنَ الآْخَرِ؛ لأَِنَّ السَّلَبَ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُخَاطَرَةِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا يَحْصُل ذَلِكَ بِقَتْل الاِثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ السَّلَبُ. قَالُوا: وَلأَِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ، وَلأَِنَّ أَبَا جَهْلٍ ضَرَبَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ رضي الله عنه وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ رضي الله عنه وَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ فَقَال: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ الْجَمُوحِ (1) .
8 -
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُول الَّذِي يَأْخُذُ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ الَّذِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ شَرْعًا، أَمَّا إِذَا قَتَل امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَاهِبًا مُنْعَزِلاً فِي صَوْمَعَتِهِ أَوْ نَحْوَهُمْ مِمَّنْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِمْ، فَلَا يَسْتَحِقُّ قَاتِلُهُ السَّلَبَ مَا لَمْ يَشْتَرِكْ فِي الْقِتَال. فَإِنِ اشْتَرَكَ أَحَدٌ مِنْ
(1) سبق تخريجه ف5.
هَؤُلَاءِ فِي الْقِتَال اسْتَحَقَّ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ، لِجَوَازِ قَتْلِهِ حِينَئِذٍ.
9 -
وَمِنْ شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُثْخِنَهُ بِجِرَاحٍ تَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُول، بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ وَأَزَال امْتِنَاعَهُ كُلِّيًّا؛ كَأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يُعْمِيَ بَصَرَهُ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدًا وَرِجْلاً لِضَعْفِ حَرَكَتِهِ فِي الْقَطْعِ؛ وَلأَِنَّ الأَْسْرَ أَبْلَغُ فِي الْقَهْرِ وَأَصْعَبُ مِنَ الْقَتْل؛ وَلأَِنَّ الإِْمَامَ يَتَخَيَّرُ فِي الأَْسِيرِ بَيْنَ الْقَتْل وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَنَحْوِهَا.
قَال مَكْحُولٌ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ إِلَاّ لِمَنْ أَسَرَ عِلْجًا (1) أَوْ قَتَلَهُ، وَقَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا أَسَرَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ الإِْمَامُ صَبْرًا فَسَلَبُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ، وَإِنِ اسْتَبَقَاهُ الإِْمَامُ كَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ أَوْ رَقَبَتُهُ وَسَلَبُهُ لأَِنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ بَيْنِهِمُ السُّبْكِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إِلَاّ الْقَاتِل لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ (2) وَلأَِنَّ غَيْرَ الْقَتْل لَا يُزِيل الاِمْتِنَاعَ،
(1) الرجل الضخم من كفار العجم.
(2)
سبق تخريجه ف5.
فَرُبَّ أَعْمَى شَرٌّ مِنَ الْبَصِيرِ، وَمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ يَحْتَال عَلَى الأَْخْذِ بِثَأْرِ نَفْسِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْقَاطِعَ لِلرِّجْلَيْنِ أَوِ الْيَدَيْنِ أَوِ الْيَدِ وَالرِّجْل لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ لأَِنَّهُ لَمْ يَكُفَّ شَرَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَذَا إِنْ أَسَرَهُ؛ لأَِنَّ الَّذِي أَسَرَهُ لَمْ يَقْتُلْهُ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الإِْمَامُ أَوِ اسْتَبَقَاهُ بِرِقٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ مَنٍّ، وَيَكُونُ سَلَبُهُ وَفِدَاؤُهُ إِنْ فُدِيَ، وَرِقُّهُ إِنْ رُقَّ، غَنِيمَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسْرَى بَدْرٍ، فَقَتَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَاسْتَبْقَى سَائِرَهُمْ (1) . فَلَمْ يُعْطِ مَنْ أَسَرَهُمْ أَسْلَابَهُمْ وَلَا فِدَاءَهُمْ، بَل كَانَ فِدَاؤُهُمْ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ.
وَإِنْ عَانَقَ رَجُلاً فَقَتَلَهُ آخَرُ فَسَلَبُهُ لِلْقَاتِل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ وَلأَِنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرًّا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعَانِقْهُ الآْخَرُ.
وَذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ سَلَبَهُ لِلْمُعَانِقِ. وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلاً عَلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُهُ
(1) قصة أسرى بدر ومقتل عقبة والنضر أوردها ابن كثير في السيرة النبوية (2 / 473 - نشر دار إحياء التراث العربي) وعزاها إلى ابن إسحاق في سيرته.
فَجَاءَ آخَرُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْل عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، وَأَقْبَل عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رَائِحَةَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ. . . ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَال: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ . . . إِلَى أَنْ قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُول اللَّهِ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيل عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ، فَقَال أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَاتِل عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ، قَال: فَأَعْطَانِيهِ (1) .
قَال أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ أَمْسَكَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ بَيْنَهُمَا
(1) حديث أبي قتادة: أخرجه البخاري (الفتح 6 / 247 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1370 - 1371 - ط. الحلبي) .
لاِنْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا. وَهَذَا فِيمَا إِذَا مَنَعَهُ الْهَرَبَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ. فَأَمَّا الإِْمْسَاكُ الضَّابِطُ فَهُوَ أَسْرٌ. وَقَتْل الأَْسِيرِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ السَّلَبُ (1) .
10 -
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلْبِ: أَنْ يَقْتُل الْكَافِرَ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى الْقِتَال وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. فَإِذَا انْهَزَمَ جَيْشُ الْمُشْرِكِينَ وَاتَّبَعَهُمْ فَقَتَل كَافِرًا مِنْهُمْ فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ لأَِنَّ بِهَزِيمَتِهِمُ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَل كَافِرًا وَهُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِهِ، أَوْ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ مُثْخَنٌ زَائِل الاِمْتِنَاعِ؛ لأَِنَّ الْقَاتِل لَمْ يُغَرِّرُ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يَكُفَّ الْمُسْلِمِينَ شَرَّ الْمَقْتُول.
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ لأَِنَّهُ ذَبَحَهُ بَعْدَ أَنْ أَثْخَنَهُ مُعَاذُ بْنُ الْجَمُوحِ، (2) وَأَمَرَ بِقَتْل عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ صَبْرًا، وَلَمْ يُعْطِ سَلَبَهُمَا مَنْ قَتَلَهُمَا، (3) وَقَتَل رِجَال بَنِي قُرَيْظَةَ صَبْرًا فَلَمْ يُعْطِ مَنْ قَتَلَهُمْ سِلَابَهُمْ (4) .
(1) المغني لابن قدامة 8 / 386، روضة الطالبين 6 / 263، مغني المحتاج 3 / 100، كشاف القناع 3 / 71، سبل السلام 4 / 53.
(2)
الحديث سبق تخريجه ف5.
(3)
الحديث سبق تخريجه ف9.
(4)
قصة مقتل رجال بني قريظة صبرا. أوردها ابن كثير في السيرة (3 / 248 - 242 - نشر دار إحياء التراث العربي) نقلا عن ابن إسحاق في سيرته.
وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ كُل مَنْ قَتَل كَافِرًا لِعُمُومِ حَدِيثِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ (1)
وَلأَِنَّ سَلَمَةَ بْنَ الأَْكْوَعِ رضي الله عنه قَتَل طَلِيعَةً لِلْكُفَّارِ، وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: سَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ، قَال: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ (2) .
أَمَّا إِذَا انْهَزَمَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ لأَِنَّ الْحَرْبَ فَرٌّ وَكَرٌّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ مُقْبِلاً أَوْ مُدْبِرًا مَا دَامَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَالشَّرُّ مُتَوَقَّعٌ وَالْمُوَلِّي لَا تُؤْمَنُ كَرَّتُهُ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الْقَاتِل فِي الصُّفُوفِ الْمُلْتَحِمَةِ يَسْتَحِقُّ سَلَبَ مَنْ قَتَلَهُ لِعُمُومِ خَبَرِ: مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ قَال فِيهِ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا رَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رضي الله عنه: قَتَل يَوْمَ هَوَازِنَ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْتِقَاءِ الزَّحْفَيْنِ (3) وَلِحَدِيثِ عَوْفِ
(1) الحديث سبق تخريجه ف5.
(2)
حديث: قتل سلمة بن الأكوع رجلا من طليعة الكفار. أخرجه مسلم (3 / 1375 - ط. الحلبي) .
(3)
حديث أنس. أن أبا طلحة قتل يوم هوازن عشرين رجلا. تقدم بعضه ف (5) وتقدم تخريجه.