الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّاسِع فِي ملك ازدشير وَعبد النُّور
الْعَاشِر لدانيال عليه السلام فِيهِ تَعْبِير منامات بحتنصر وَولده مرموز على مَا يَقع فِي الممالك وحلل الْبَعْث والنشور
الْحَادِي عشر لعزيز عليه السلام فِيهِ صفة عود الْقَوْم من أَرض بابل إِلَى الْبَيْت الثَّانِي وبناءه
قَالَ وينفرد الربانيون بشروح لعوائم التَّوْرَاة وتفريعات عَلَيْهَا ينقلونها عَن مُوسَى عليه السلام
النَّوْع الثَّانِي
الرياسة غير الشَّرْعِيَّة
إِمَّا لعدم التدين بهَا من أصل أَو الْقيام بهَا من حَيْثُ الْحَاجة إِلَيْهَا طبعا من غير الْتِفَات إِلَى مُوَافقَة قصد الشَّارِع بهَا أَو مُخَالفَته وَإِن صدق بالشريعة وَلَا خَفَاء أَن فرض هَذِه الرياسة إِنَّمَا هُوَ فِيمَا دون الْملك كَمَا تقدم وَلها فِي الْوَاقِع على هَذَا الْفَرْض صور عديدة يَكْفِي مِنْهَا اثْنَتَانِ
الصُّورَة الأولى انْفِرَاد وَاحِد بِنَوْع من التغلب بسياسة من غلب عَلَيْهِ لينتظم عمرانها برعايتها جلبا ودفعا وَلَا يخفي موقعه فِي الْوُجُود قَدِيما وحديثا
الصُّورَة الثَّانِيَة إِقَامَة جمَاعَة من مشيخة المرؤوس عَلَيْهِم لينهضوا بتدبير أَمرهم وَإِقَامَة مصالحهم وَقد تقدم مثله لبني إِسْرَائِيل قبل وجود العصبية الحاملة على التغلب الَّذِي غَايَته الْملك الَّذِي بلغوه بعد وأمثالهم فِي ذَلِك من سَائِر الْأُمَم وَللَّه الْعَلِيم الْحَكِيم
الْبَاب الثَّانِي
فِي سَبَب وجود الْملك وَشَرطه
وَالنَّظَر فِي طرف سَبَب وجوده وَشَرطه وَمَا يقْضِي إِلَيْهِ ذَلِك وَهُوَ الْحَرْب والقتال
الطّرف الأول فِي سَبَب وجود ذَلِك
قد سبق تَقْرِير أَن الِاجْتِمَاع الطبيعي للبشر لَا بُد فِيهِ من وازع وَهُوَ السُّلْطَان الْقَائِم بقهر ملكه عَن مَحْذُور مَا يعرض فِيهِ من الشرور الطبيعية لوُجُوده وَظَاهر من توقع هَذَا الْمَحْذُور أَنه سَبَب كَاف فِي وجود الْملك من تِلْكَ الْجِهَة وَالْغَرَض الْآن تنزل الْبَيَان لبَعض الحكم الْمُشْتَمل عَلَيْهَا بِحَسب الْحَاجة إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق مُنْضَمًّا لما سبق من ذَلِك تمهيدا وتأصيلا وَالْمَذْكُور مِنْهَا عشر حكم
الْحِكْمَة الأولى ذَلِك السَّبَب الَّذِي تقدم ولظهور الْعِنَايَة بِهِ أُشير إِلَيْهِ عَن طَرِيق التَّعْرِيف بهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض} على بعض محتملاته وَهُوَ أَن مَعْنَاهُ أَن الله تَعَالَى يدْفع بِوَضْع الشَّرَائِع وَنصب الْمُلُوك أَنْوَاع الشرور والمفاسد
قَالَ الإِمَام فَخر الدّين وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى وَلَوْلَا دفع الله النَّاس
بَعضهم بِبَعْض لهدمت صوامع وَبيع وصلوات ومساجد يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا)
الْحِكْمَة الثَّانِيَة أَن السُّلْطَان المستقل بِهِ من حجج الله تَعَالَى وعَلى وجوده وبينات الدّلَالَة على توحيده لِأَن عدم استقامة الْعَالم بِغَيْر مُدبر شَاهد بِأَن اختراعه على أفضل وُجُوه الْعِنَايَة بِهِ لَا يَصح إِسْنَاده لغير شَيْء بل لابد من الْإِقْرَار بفاطره الْحَكِيم واستحالة صَلَاح الْبَلَد الْوَاحِد بِنصب سلطانين دَلِيل على أَن الْعَالم لَا يصلح بِوُجُود الِاثْنَيْنِ {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
قَالَ الطرطوشي والعالم بأسره فِي سُلْطَان الله عز وجل كالبلد الْوَاحِد فِي سُلْطَان الأَرْض قَالَ وَلِهَذَا قَالَ عَليّ رضي الله عنه أَمْرَانِ جليلان لَا يصلح أَحدهمَا إِلَّا بالتفرد وَلَا يصلح الآخر إِلَّا بالمشاركة وهما الْملك والرأي فَكَمَا لَا يَسْتَقِيم الْملك بِالشّركَةِ لَا يَسْتَقِيم الرَّأْي بالتفرد
الْحِكْمَة الثَّالِثَة إِنَّه يتنزل من الدّين منزلَة الْأَخ الْمعِين والعماد الرافع لفسطاطه فقديما قيل الدّين وَالسُّلْطَان توأمان وَعَن أزدشير أَنه قَالَ لِابْنِهِ
يَا بني إِن الْملك وَالدّين أَخَوان لَا غنى لأَحَدهمَا عَن الآخر فالدين أس وَالْملك حارس وَمَا لم يكن لَهُ أسس فمهدوم وَمَا لم يكن لَهُ حارس فضائع وَعَن كَعْب مثل الْإِسْلَام وَالسُّلْطَان وَالنَّاس مثل الْفسْطَاط والعمود والأوتاد والأطناب
فالفسطاط الْإِسْلَام والعمود السُّلْطَان والأطناب والأوتاد وَالنَّاس لَا يصلح بَعضهم إِلَّا بِبَعْض قَالَ
قَالَ الشَّاعِر
(لَا يصلح النَّاس فوضى لَا سراة لَهُم
…
وَلَا سراة إِذا جهالهم سادوا)
(وَالْبَيْت لَا يبتني إِلَّا على عمد
…
وَلَا عماد إِذا لم ترس أوتاد)
(فَأن تجمع أوتاد وأعمدة
…
يَوْمًا فقد بلغُوا الْأَمر الَّذِي كَادُوا)
الْحِكْمَة الرَّابِعَة إِنَّه يدْفع بتخويفه وتهديده مَالا يدْفع بِالْقُرْآنِ بتكرار وعظه وترديده فِي الحَدِيث إِن الله ليزع بالسلطان مَالا يَزع بِالْقُرْآنِ
وَقَالَ الطرطوشي مَعْنَاهُ ليدفع
قلت وَذَلِكَ لما فِي الطباع البشرية من الْعدوان والاستعصاء عَن الطَّاعَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن الْمُبَارك
(إِن الْجَمَاعَة حَبل الله فَاعْتَصمُوا
…
بعروته الوثقى لمن دانا)
(كم يدْفع الله بالسلطان مظْلمَة
…
فِي ديننَا رَحْمَة مِنْهُ ودنيانا)
(لَوْلَا الْخَلِيفَة لم تأمن لنا سبل
…
وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا)
الْحِكْمَة الْخَامِسَة أَنه ينْدَفع بِهِ ضَرَر مَا يفوت بِتَقْدِير فَقده من حَاجَة الْخلق لتنفيذ الْأَحْكَام وَإِقَامَة الصَّلَوَات وجباية الْخراج وَنصب الْقُضَاة وحماية الْبَيْضَة وسد الثغور وتجهيز الجيوش وَقسم الْغَنَائِم وَبعث السعاة والولاة وإنصاف الْمَظْلُوم وَالظَّاهِر إِن دفع الضَّرَر عَن النَّفس وَاجِب بِإِجْمَاع الْأَنْبِيَاء وَالرسل وبصريح الْعقل عِنْد الْقَائِلين بتحسينه وتقبيحه وَحِينَئِذٍ فنصبه وَاجِب تحصيلا لهَذِهِ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَهِي طَريقَة غير وَاحِد فِي تَقْرِير هَذَا الْوُجُوب اعْتِبَارا كَالْإِمَامِ فَخر الدّين والأمدي والبيضاوي فِي آخَرين
لَكِن قررناها على مُقْتَضى تَقْرِير ابْن التلمساني فِيهَا
الْحِكْمَة السَّادِسَة إِنَّه لَا يتم قصد الشَّارِع فِي وَضعه الشَّرِيعَة لصلاح الْعباد عَاجلا وآجلا حَسْبَمَا خلص برهانه فِي علم الْكَلَام إِلَّا بنصبه وَقَررهُ الأمدي بِأَن عدم انقياد النَّاس لما جبلوا عَلَيْهِ من اخْتِلَاف الْأَهْوَاء يفوت عَلَيْهِم مُوَافقَة ذَلِك الْقَصْد مَعَ وُقُوع الْفِتَن باخْتلَاف الْكَلِمَة عِنْد موت الْأَئِمَّة إِلَى نصب إِمَام آخر بِحَيْثُ لَو تَأَخَّرت إِقَامَته وَبَطل المعاش وَصَارَ كل مَشْغُول بِنَفسِهِ تَحت قَائِم يتبعهُ وَذَلِكَ مفض إِلَى الْهَلَاك لَا محَال
قَالَ فَإِذا نصب الإِمَام من أهم مصَالح الْمُسلمين وَأعظم مقامات الدّين وَهُوَ حِكْمَة الْإِيجَاب السمعي انْتهى مُلَخصا
الْحِكْمَة السَّابِعَة إِنَّه يحرس الدّين من مَحْذُور تبديله وتغييره فقد تقدم عَن أزدشير أَن الدّين أس وَالسُّلْطَان حارس وَقَررهُ الْمَاوَرْدِيّ بِمَا هُوَ حَاصله أَنه مَا من دين زَالَ سُلْطَانه إِلَّا بدلت أَحْكَامه وغيرت سنته كَمَا أَن السُّلْطَان إِذا عرى عَن الدّين كَانَ السُّلْطَان قهر ومفسد دهر
قَالَ وَمن هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَجَبت إِقَامَته ليحرس الدّين وَيجْرِي على سنته
قلت وعَلى مَا سبق عَن ابْن خلدون إِن الدّين الَّذِي لم تتَّخذ فِيهِ الْخلَافَة وَالْملك مَا عدى دين الْإِسْلَام لَا يجْرِي فِي هَذَا التَّقْرِير على حسب المُرَاد بِهِ نعم يتمشى فِيهِ من حَيْثُ الأولى لَا الْوُجُوب نقلا أَو عقلا
الْحِكْمَة الثَّامِنَة أَنه الْعدة الْعُظْمَى لرفع مَا يتَوَقَّع من الْفِتَن المبيرة والافتراق المفضي لفساد النظام بِتَقْدِير أَن يكون غَيره هُوَ المتصدي
لضم نشر الْأمة وَجمع كلمتها بعد وُقُوع ذَلِك وللقرافي فِيهِ تَقْرِير بَالغ حَاصِلَة أَن النظام لَا يسْتَمر إِلَّا بِمَا ترصد بِعَين الكلاءة لمبادئ الْفِتَن ليتبادر إِلَى إطفاء نارها قبل تصدي الطغام لذَلِك فتختلف الْأَهْوَاء وَيبقى النَّاس فوضى مهملين وَذَلِكَ مفض إِلَى اسْتِيلَاء الأراذل على الأفاضل وامتداد الْأَيْدِي العادية إِلَى الْفروج وَالْأَمْوَال وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك من حل عصم الدّين وَالدُّنْيَا
قَالَ فيتبين من هَذَا المنظر الْبَصِير أَن الإِمَام ضَرُورِيّ لِلْخلقِ وَأَنَّهُمْ لَا غنية لَهُم عَنهُ فِي دفع الْبَاطِل وَتَقْرِير الْحق انْتهى مُلَخصا
الْحِكْمَة التَّاسِعَة إِنَّه فِي الأَرْض الظل الظليل والدواء الذب تحفظ بِهِ الصِّحَّة ويشفى بِهِ العليل وَهُوَ معنى قَوْله صلى الله عليه وسلم السُّلْطَان ظلّ الله فِي الأَرْض يأوي إِلَيْهِ كل مظلوم ثمَّ من كَمَال هَذِه الْحِكْمَة من حَيْثُ هِيَ نعْمَة تعم الظَّالِم والمظلوم فالظالم تكفه عَن الظُّلم والمظلوم بأمنه وكف الظَّالِم عَنهُ وَلَو فقد هَذَا لَكَانَ مثلهم كَمَا قَالَ الطرطوشي كَمثل الْحُوت فِي المَاء يبتلع الْكَبِير وَالصَّغِير
قَالَ وَلِهَذَا قَالَ بعض القدماء لَو رفع السُّلْطَان من الأَرْض مَا كَانَ لَهُ تَعَالَى فِي أهل الأَرْض من حَاجَة
الْحِكْمَة الْعَاشِرَة إِنَّه الْكَفِيل بتنجيز مَا ورد بِهِ الْوَعْد الصَّادِق من ظُهُور دين الْحق على الدّين كُله وبلوغ ملك الْأمة بِهِ مازوي للنَّبِي صلى الله عليه وسلم من مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا إِذْ لإخفاء أَن مَا وَقع من ذَلِك أَو يَقع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَسْتَدْعِي نصب لإِقَامَة مَا تتمّ بِهِ مُطَالبَة ذَلِك وَمن ثمَّ لما أَمر بَنو إِسْرَائِيل بِقِتَال من غلبهم على الدّين طلبُوا ملكا يَتَيَسَّر بِهِ بُلُوغ ذَلِك المرام قَالَ تَعَالَى ألم ترى إِلَى الْمَلأ من بني إِسْرَائِيل من بعد مُوسَى إِذْ قَالُوا