الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمرتبَة الثَّالِثَة
ديوَان الْعَمَل والجباية
وفيهَا مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ ابْن خلدون وَهِي وَظِيفَة ضَرُورِيَّة للْملك وجزء عَظِيم مِنْهُ بل هِيَ ثَلَاثَة أَرْكَانه لِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ من الْجند وَالْمَال والمخاطبة لمن غَابَ عَنهُ فَيحْتَاج صَاحبه إِلَى أَوَان فِي أَمر السَّيْف والقلم وَالْمَال فينفرد صَاحبهَا بِجُزْء من رياسة الْملك فِي الْقيام على أَعمال الجباية وَحفظ حُقُوق الدولة فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج وإحصاء العساكر وَتَقْدِير أَرْزَاقهم وَصرف أَعطيتهم فِي وَقتهَا وَالرُّجُوع فِي ذَلِك إِلَى القوانين الَّتِي لَا يقوم بهَا إِلَّا المهرة من أَرْبَاب يلك الْعمَّال وَيُسمى كتابها بالديوان وَكَذَا مَكَان جُلُوس الْعمَّال والمباشرين لَهما
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي أصل هَذِه التَّسْمِيَة وَجْهَان
أَحدهمَا أَن كسْرَى نظر يَوْمًا إِلَى كتاب ديوانه وَهُوَ يحسبون مَعَ أنفسهم كَأَنَّهُمْ يحادثون فَقَالَ ديوانه أَي مجانين بلغَة الْفرس فَسمى موضعهم بذلك وحذفت الْهَاء لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فَقيل ديوَان ثمَّ نقل هَذَا الِاسْم كتاب الْأَعْمَال
الثَّانِي أَنه اسْم للشَّيْطَان بِالْفَارِسِيَّةِ فَسمى الْكتاب بِهِ لسرعة نفوذهم فِي فهم الْأُمُور ووقوفهم على الجلى مِنْهَا والخفى وجمعهم مَا شَذَّ مِنْهَا وتفرق ثمَّ نقل إِلَى مَوضِع جلوسهم
قَالَ ابْن خلدون فعلى هَذَا يتَنَاوَل اسْم الدِّيوَان كتاب الرسائل وَمَكَان جلوسهم بِبَاب السُّلْطَان
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
قَالَ فقد تفرد هَذِه الْوَظِيفَة بناظر وَاحِد ينظر فِي سَائِر الْأَعْمَال وَقد ينْفَرد كل صنف مِنْهَا بناظر كَمَا يفرد فِي بعض الدول فِي أعطيات العساكر أَو غير ذَلِك على حسب مصَالح الدولة وَمَا قره أسلافنا
قلت قَالَ ابْن حزم إِن رَأْي الإِمَام أَن يفرق الْأَعْمَال فَحسن كَمَا ولي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَعمال الْيمن جمَاعَة وَإِن رأى أَن يجمعها أَو بَعْضهَا لوَاحِد فِي بلد وَاحِد فَحسن كَمَا جمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عمان كلهَا لعَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة
أَن أول من وضع ديوَان الْجَيْش فِي الدولة الإسلامية عمر رضي الله عنه وَذكر فِي سَببه وَجْهَان
أَحدهمَا أَن أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه أَتَاهُ بِمَال من الْبَحْرين فاستكثروه وتعبوا فِي قسمه فتشوفوا إِلَى إحصاء المَال وَضبط عطائه فَأَشَارَ خَالِد بن الْوَلِيد رضي الله عنه بالديوان قَائِلا رَأَيْت مُلُوك الشَّام يدونون فَقبل مِنْهُ عمر رضي الله عنه
الثَّانِي الهرمزان الَّذِي أَشَارَ بذلك لما رأى بعث الْبعُوث بِغَيْر
ديوَان قَالَ وَمن يعلم بغيبة من يغيب مِنْهُم وَإِنَّمَا يضْبط ذَلِك الْكتاب فَأثْبت الدِّيوَان وَسَأَلَ عمر رضي الله عنه عَن اسْمه ففسر لَهُ وَلما أجمع عَلَيْهِ أَمر عقيل بن أبي طَالب ومخرمة بن نَوْفَل وَجبير بن مطعم فَكَتَبُوا ديوَان العساكر على تَرْتِيب الْأَنْسَاب مُبْتَدأ من قرَابَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا بعْدهَا الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَكَانَ ذَلِك فِي الْمحرم سنة عشْرين
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
قَالَ ابْن خلدون وَأما ديوَان الْخراج والجبايات فبقى بعد الْإِسْلَام على مَا كَانَ عَلَيْهِ ديوَان الْعرَاق بِالْفَارِسِيَّةِ وديوان الشَّام بالرومية وَكتاب الدَّوَاوِين من الْفَرِيقَيْنِ فَلَمَّا اسْتَحَالَ الْأَمر ملكا وَأَنْتَقِلَ من غَضَاضَة البداوة إِلَى رونق
الحضارة وَمن سذاجة الأمية إِلَى حذق الْكِتَابَة والحسبان أَمر عبد الْملك بن مَرْوَان سُلَيْمَان بن سعد وَالِي الْأُرْدُن أَن ينْقل ديوَان الشَّام إِلَى الْعَرَبيَّة فأكمله لسنة يَوْم من ابْتِدَائه ووقف عَلَيْهِ سرجون كَاتب عبد الْملك فَقَالَ لكتاب الرّوم اطْلُبُوا الْعَيْش فِي غير هَذِه الصِّنَاعَة فقد قطعهَا الله عَنْكُم
قَالَ وَأما ديوَان الْعرَاق فَأمر الْحجَّاج كَاتبه صَالح بن عبد الرَّحْمَن وَكَانَ يكْتب بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية أَن يَنْقُلهُ من الفارسية إِلَى الْعَرَبيَّة فَفعل وَرَغمَ لذَلِك كتاب الْفرس وَكَانَ عبد الحميد بن يحي يَقُول لله در صَالح مَا أعظم مننه على الْكتاب
قَالَ ثمَّ جعلت هَذِه الْوَظِيفَة فِي دولة بني الْعَبَّاس مُضَافَة إِلَى من كَانَ
لَهُ النّظر فِيهَا كبني برمك وَبني سهل وَغَيرهم من وزراء تِلْكَ الدولة
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة
إِذا كَانَ الْقَصْد بِهَذِهِ الْوَظِيفَة حفظ المَال فَمن الْحق فِيهِ بعد ذَلِك قَالَ الطرطوشي أَن يُؤْخَذ من حق وَيُوضَع فِي حق وَيمْنَع من سرف وَلَا يُؤْخَذ من الرّعية إِلَّا مَا فصل من معاشها ومصالحها ثمَّ ينْفق فِي الْوُجُوه الَّتِي يعود عَلَيْهَا نَفعهَا قلت وَفِي العهود اليونانية وَاعْلَم أَن الَّذِي يجب من الْخراج لَك هُوَ مَا وظفته الشَّرِيعَة عَلَيْهِم فِيمَا بِأَيْدِيهِم فَإِن اجتيح بِآفَة قصرت بِتِلْكَ الْوَظِيفَة كَانَ لَك من فضل من مؤونتها وكل مَا قصر عَن ذَلِك فَإِنَّهُ دَاعِيَة اختلال وتعطيل عمارتهم
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة
الرِّفْق فِي استجباء مَال الجباية وَالْخَرَاج وَاجِب ونفعه فِي ذَلِك مشهود بِهِ
قَالَ الطرطوشي مر جباة الْأَمْوَال بالرفق ومجانبة الْخرق فَإِن الْعلقَة تنَال من الدَّم بِغَيْر أَذَى وَلَا سَماع مَا لَا تناله الْبَعُوضَة بلسعتها وصوتها قَالَ وَفِي منثور الحكم من جَاوز فِي الْحَلب حلب الدَّم وَفِي الْمثل إِذا استقصى الْعجل مص أمه وقصته
قلت وَفِي العهود اليونانية وَأعلم أَن استجباء الْخراج بالعنف ممحقة
على من طُولِبَ بِهِ ويستهلك مَنَافِعه وبركته وَاسْتِعْمَال الهوينا فِيهِ يطْمع فِي عشيرة وَيمْنَع من دروره وتوفيره
حِكَايَة لما عزل عُثْمَان عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما عَن مصر وَاسْتعْمل عَلَيْهَا ابْن أبي السَّرْح فَحمل من المَال أَكثر مِمَّا كَانَ يحملهُ عَمْرو فَقَالَ عُثْمَان يَا عمر أشعرت أَن اللقَاح درت فَقَالَ عَمْرو وَذَلِكَ لأنكم أجحفتم أَوْلَادهَا
قلت المظنون بعثمان غير هَذَا وَلَكِن عمروا أعلمهُ بعاقبة الِاسْتِقْصَاء دفعا للتُّهمَةِ عَن نَفسه وهم برَاء مِنْهَا رضي الله عنهم
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة
يجب أَن يكون الِاعْتِدَاد بِمَا يبْقى بأيدي الرّعية فَوق يستخلص مِنْهَا لبيت المَال بِهَذَا الْحِفْظ لِأَنَّهَا مَادَّة وفوره ونمائه
قَالَ الطرطوشي كن بِمَا يبْقى فِي أَيدي رعيتك أفرح مِنْك بِمَا يَأْخُذ مِنْهَا فَلَا يقل مَعَ الصّلاح شَيْء وَلَا يبْقى مَعَ الْفساد شَيْء وصيانة الْقَلِيل تربية للجيل فَلَا مَال لَا خرق وَلَا عيلة لمصلح
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة
التَّعَدِّي فِي جباية الْأَمْوَال بِمَا يخل بِحِفْظ الْعِمَارَة قَاض بخراب الدول فَأَجره على مَا تقدم برهانه فَيجب هُنَا استحضاره وَقد قَالَ جَعْفَر بن يحي الْخراج عَمُود الْملك وَمَا استغزر بِمثل الْعدْل وَمَا استنزر بِمثل الْعدْل وَمَا استنزر بِمثل الظُّلم وأسرع الْأُمُور فِي خراب الْبِلَاد وتعطيل الْأَرْضين وانكسار الْخراج الْجور والتحامل