الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَمر فِي زقاق منحصر وَإِذا بصبي على هجين قد تعرض بِهِ فِي ذَلِك الزقاق وَهُوَ لَا يقدر على رده إِلَى الطَّرِيق وإزالته عَن ذَلِك الْمضيق فَوقف ولي الْعَهْد مُدَّة حَتَّى تهَيَّأ للصَّبِيّ الزَّوَال دون أَن يُقَال فِي ذَلِك شَيْء وَحِينَئِذٍ مَشى إِلَى مقْصده قَالَ الحاكي فعجبت من ذَلِك وَقلت لَهُ يَا مولَايَ تكون ولي عهد الْمُسلمين وتقف هَذَا الْموقف لصبي صَغِير على زامل هجين لَا يزحزح عَن طريقك قَالَ فَقَالَ لي وَمَا يدْرك لَعَلَّ مِقْدَاره أرفع من مقدارنا قَالَ فازددت تَعَجبا ثمَّ إِنِّي حدثت بذلك أَمِير الْمُسلمين وَالِده فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى قَوْله لَعَلَّ مِقْدَاره فِي الْآخِرَة أرفع من مقدارنا قَالَ لي أَمِير الْمُسلمين نعم وَفِي الدُّنْيَا وَمن يعلم مجاري الأقدار وتصاريف اللَّيْل وَالنَّهَار قَالَ فازددت تَعَجبا من ذَلِك
الْمطلب الثَّانِي
فِي الْكبر
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى من التَّغْلِيظ الْوَارِد فِيهِ وعيدان
الْوَعيد الأول تَعْذِيب مُنَازع رب الْعِزَّة فِيهِ بالنَّار فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الله عز وجل الْعِزّ إزَارِي والكبرياء رِدَائي فَمن يُنَازعنِي شَيْئا مِنْهُمَا عَذبته
الْوَعيد الثَّانِي منع أدنى الْقَلِيل مِنْهُ من دُخُول الْجنَّة فَفِي الصَّحِيح عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر فَقَالَ رجل أَن الرجل يجب أَن
يكون ثَوْبه حسنا فَقَالَ إِن الله جميل يحب الْجمال الْكبر بطر الْحق وغمط النَّاس بطر الْحق رده وغمط النَّاس احتقارهم
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من شُؤْم التخلق بِهِ تَعْجِيل عقوبتين
أَحدهمَا مَنعه من فهم الْحق وقبوله قَالَ تَعَالَى سأصرف عَن آبَائِي الَّذين يتكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق
الثَّانِي خسف الأَرْض بِصَاحِبِهِ فَفِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَمَا رجل مِمَّن قبلكُمْ يجر إزَاره من الْخُيَلَاء خسف بِهِ فَهُوَ مجلجل فِي الأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَي يغوص وَينزل فِيهَا
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة شَوَاهِد خسته وَإِن أعتقد الترفع بِهِ أَمْرَانِ
أَحدهمَا دلَالَته إِلَى حمق صَاحبه قَالَ أزدشير مَا الْكبر إِلَّا فضل حمق لم يدر صَاحبه أَيْن يذهب بِهِ فصرفها إِلَى الْكبر
قلت وَمن لَازم ذَلِك نقص الْعقل لَا محَالة وَلذَلِك قَالَ بعض أهل الْبَيْت مَا دخل قلب امْرِئ شَيْء من الْكبر قطّ إِلَّا نقص من عقله بِقدر مَا دخل من ذَلِك قل أَو كثر
الثَّانِي صدوره عَن وجود الذلة فِي النَّفس قَالَ الْأَحْنَف مَا تكبر أحد إِلَّا من ذلة يجدهَا فِي نَفسه
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة للكبر بَاطِن وَهُوَ رُؤْيَة النَّفس خيرا من غَيرهَا وَظَاهر وَهُوَ ثَمَرَته الصادرة عَن الْجَوَارِح وَالْأول أصل وَحَقِيقَته وَالثَّانِي فرع ومجاز
قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ وَبِه ينْفَصل عَن الْعجب فَإِن الْعجب لَا يَسْتَدْعِي غير المعجب بِحَيْثُ لَو خلق وَحده لتصور وجوده وَلَا يكون متكبرا إِلَّا مَعَ من يعْتَقد فَضله عَلَيْهِ
قَالَ وَهَذِه العقيدة تنفخ فِيهِ فَيحصل فِي قلبه اعتزاز وركون إِلَى مَا اعتقده وَعز بِهِ فِي نَفسه وَذَلِكَ ورد أعوذ بِاللَّه من نفخة الْكبر انْتهى مُلَخصا
أَحدهمَا على الله تَعَالَى كإدعاء الشّركَة مَعَه فِي قَول فِرْعَوْن أَنا ربكُم الْأَعْلَى والترفع عَن عِبَادَته كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين}
قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ أفحش أَنْوَاعه قَالَ وَلَا مثار إِلَّا الْجَهْل والطغيان
الثَّانِي على الرُّسُل كَقَوْلِه قُرَيْش لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ يَعْنِي وَلم يوضع فِي أقلهم مرتبَة
قَالَ وَلم يعملوا الْمَرَاتِب بجهلهم وقبلوها حِين ثَبت لَهُم
قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ قريب من الْكبر على الله وَإِن كَانَ دونه
الثَّالِث على الْعباد كالترفع عَلَيْهِم والأنفة من مساواتهم استحقارا لَهُم واستصغارا
قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ وَإِن كَانَ دون الأول وَالثَّانِي فَهُوَ عَظِيم لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا لِأَنَّهُ لَا يَلِيق إِلَّا بِالْملكِ الْقَادِر وَالْعَبْد الْمَمْلُوك الْعَاجِز أَنى لَهُ بذلك وَأَنه يَدْعُو إِلَى مُخَالفَة الْأَمر والاستكشاف من قبُول الْحق
تَنْبِيه فِي تحذير
قَالَ الشَّيْخ عز الدّين قد يحمل التكبر على الْمَخْلُوق على التكبر على الْخَالِق كحمل تكبر إِبْلِيس على آدم على التكبر عَن السُّجُود لَهُ
قَالَ فَمن رأى أَنه خير من أَخِيه احتقارا لَهُ وازدراء بِهِ أَو رد الْحق وَهُوَ يعرفهُ فقد تكبر على الله تَعَالَى
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة أَسبَاب الْكبر نَوْعَانِ
أَحدهمَا ديني وَهُوَ الْعلم إِذا أعجب بِهِ صَاحبه فيستكبر بِهِ على من دونه فِي الْعلم وعَلى الْعَامَّة وَالْعَمَل إِذا أعجب بِهِ صَاحبه أَيْضا فيتكبر بِهِ على من لَا يعْمل مثله قَالُوا وَمَا أسْرع الْكبر إِلَى الْعلمَاء كَمَا أَنه لَا يَخْلُو الْعباد مِنْهُ
الثَّانِي دُنْيَوِيّ وَهُوَ الْحسب الْمُوجب لاحتقار النَّاس وَالْجمال أَكثر مَا يجْرِي بَين النِّسَاء وَالْمَال المفتخر بكثرته وَالْقُوَّة المتطاول بهَا على ذَوي الضعْف وَكَثْرَة الأتباع وَالْأَنْصَار
قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ وَيجْرِي ذَلِك بَين الْمُلُوك فِي المكاثرة بالجنود
وَبَين الْعلمَاء فِي المكاثرة بالمستفيدين قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مَا هُوَ نعْمَة وَأمكن أَن يعْتَقد كَمَا لَا وَإِن لم يكن تصورا تصور أَن يتكبر بِهِ حَتَّى أَن المخنث يتكبر على أقرانه بمزيد مَعْرفَته بصنعة التخنيث لاعْتِقَاده أَن ذَلِك كَمَال
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة قَالَ البلالي مُخْتَصر لكَلَام الْغَزالِيّ يدْفع الْكبر إدامة فكرة فِي أَصله من تُرَاب وطين منتن ونطفة بمَكَان قذر فأوجده يسمع وبصر وعقل ليعرف بِهِ أَوْصَافه وَأخرجه تَعَالَى ضَعِيفا عَاجِزا فرباه وَقواهُ وَعلمه يعلم فيجهل يَصح فيسقم يقدر فيعجز لَا يملك ضرا وَلَا نفعا وَلَا شَيْئا وَمَعَ ذَلِك لَا يشْكر نعْمَة وَلَا يذكر عرض قبائحه وتفرده بِقَبْر موحش عَن أَصْحَابه وأحبابه فَيصير جيفة والأحداق سَالَتْ والألوان حَالَتْ والفصاحة زَالَت والرؤوس تَغَيَّرت ومالت مَعَ فتان يَأْتِيهِ فيقعده ويسأله عَمَّا كَانَ يَعْتَقِدهُ ثمَّ يكْشف لَهُ من الْجنَّة وَالنَّار مقعدة إِلَى مبعثه فَيرى أَرضًا مبدلة وقبورا مبعثرة وسماء مشققة وشمسا مكورة ونجوما منكدرة وملائكة منزلَة وأهوالا مذعرة وصحفا منشرة وَنَارًا مزفرة وجنة مزخرفة فَمَا لمن هَذِه حَاله وَالْكبر وَنَحْوه مَعَ أَنه يحْشر على صُورَة الذَّر تطأه النَّاس كَمَا صَحَّ فالكبرياء وَالْعَظَمَة للعزيز الْقَادِر لَا للْعَبد الْعَاجِز قَالَ فالمتكبر وَنَحْوه مبتلى لَا يرحم
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة علاجه على التنزل بمدارات أَسبَابه فالعلم وَكبره أبعد عَن قبُول العلاج إِلَّا بِمَشَقَّة عَظِيمَة بِمَعْرِِفَة أَن الْحجَّة على الْعَالم أبلغ وَأَن الْكبر لَا يَلِيق إِلَّا بِاللَّه وَالْعَمَل فتنته عَظِيمَة بِلُزُوم التَّوَاضُع لسَائِر الْعباد من عَالم فَوْقه ومستور لاحْتِمَال أَن يكون أقل مِنْهُ دينا ومكشوف لِإِمْكَان نجاته والحسب بمعرفته الله أَن التعزز بِكَمَال الْغَيْر جَهَالَة فَإِن النّسَب
الْحَقِيقِيّ مَا تقدّمت لإشارة إِلَيْهِ من خلق أَصله وَالْجمال بِالنّظرِ إِلَى قبائح الْبَاطِل من بَوْل وغائط ومخاط وبصاق وَرشح دم مُنْضَمًّا إِلَى قذارة مبدئه وَالْقُوَّة بِعلم مَا سلط عَلَيْهِ من الْأَمْرَاض والآفات وَأَنَّهَا دون قُوَّة الْبَهَائِم وَكَثْرَة المَال والإتباع فَإِن الْكبر بذلك إِنَّمَا هُوَ بِخَارِج
قَالَ الإِمَام الغوالي وَهُوَ أقبح أَنْوَاع الْكبر لِأَن مَا لَيْسَ بذاتي لَا يَدُوم فالتفاخر بِهِ غَايَة الْجَهْل
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة قَالَ ابْن قيم الجوزية الْفرق بَين الْكبر وَبَين المهابة أَن المهابة أثر امتلاء الْقلب بعظمة الرب ومحبته وَإِذا امتلاء بذلك حل فِيهِ النُّور وألبس رِدَاء الهيبة فاكتسى وَجهه الْحَلَاوَة والمهابة فحنت إِلَيْهِ الأفئدة وقرت بِهِ الْعُيُوب وَالْكبر أثر الْعجب فِي قلب مَمْلُوء جهلا وظلما نزل عَلَيْهِ المقت فنظره شزر ومشيته تبختر لَا يبْدَأ بِسَلام وَلَا يرى لأحد حَقًا وَيرى حَقه على غَيره فَلَا يزْدَاد من الله إِلَّا بعدا وَلَا من النَّاس إِلَّا صغَارًا وبعضا انْتهى مُلَخصا
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة قَالَ وَالْفرق بَينه وَبَين الصيانة أَن الصائن لنَفسِهِ كلا بس ثوب جَدِيد نقي الْبيَاض يدْخل بِهِ على الْمَمْلُوك فَمن دونهم فَهُوَ يصونه عَن الْوَسخ وأنواع الْآثَار وَمَتى أَصَابَهُ شَيْء من ذَلِك بَادر إِلَى إِزَالَته ومحو آثاره وَكَذَا الصائن لِقَلْبِهِ وَدينه فَلذَلِك لَا يتَقرَّب من النَّاس ويحترس من غوائل مخالطتهم بِمَا ظَاهره التعزز مَخَافَة أَن يتَأَذَّى قلبه بِمَا هُوَ أعظم فِي الْأَثر من الطبوع الْفَاحِشَة فِي الثَّوْب النقي والمتكبر وَأَن شابهه فِي الْعِزَّة والتخنث فقصده أَن يَعْلُو رقابهم ويجعلهم تَحت قدمه فَقَالَ هَذَا لون وَذَاكَ لون وانْتهى مُلَخصا