الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لنبيهم ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله) ثمَّ قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا بإجابة مَا سَأَلُوا من ذَلِك {وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}
تَعْرِيف ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله ثمَّ قَالَ تَعَالَى أَخْبَارًا بإجابة مَا سَأَلُوا من ذَلِك وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا تَعْرِيف ذكر المؤرخون أَن أول ملك وضع فِي الأَرْض كيومرث ابْن آدم عليه السلام فَسَارُوا إِلَيْهِ وعرفوه حَاجتهم إِلَى ملك قيم وَقَالُوا لَهُ أَنْت أكبرنا وأشرفنا وَبَقِيَّة أَبينَا وَلَيْسَ فِي الْعَصْر من يوازيك فاضم أمرنَا إِلَيْك وَكن الْقَائِم فِينَا فإننا سَمعك وطاعتك والقائلون بِمَا ترَاهُ فأجابهم إِلَى مَا دَعوه إِلَيْهِ واستوثق مِنْهُم توكيد العهود والمواثق على السّمع لوالطاعة وَترك الْخلاف عَلَيْهِ فَلَمَّا وضع التَّاج على رَأسه قَالَ ان النِّعْمَة اتدوم إِلَى بالشكر وَأَنا احْمَد الله على أياديه ونشكره على نعْمَته ونرغب الله فِي مزيده ونسأله المعونة على مَا دفعنَا إِلَيْهِ وَحسن الْهِدَايَة إِلَى الْعقل الَّذِي يجمع الْعقل الَّذِي يجمع الشمل ويصفي الْعَيْش فثقوا بِالْعَدْلِ منا وأنصفونا من أَنفسكُم نوردكم أفضل مَا هممكم وَالسَّلَام
الطّرف الثَّانِي
فِي شَرط وجوب الْملك وَهِي
العصبية أَو مَا يقوم مقَامهَا
وَفِيه لبَيَان ذَلِك وَمَا يلْحق بِهِ مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى إِن الْملك والدولة الْعَامَّة إِنَّمَا تحصل بالعصبية والشوكة وَقد يعبر عَنْهَا بالجند حَيْثُ يقوم مقَامهَا وَذَلِكَ لِأَن حُصُول الْملك أَولا
مُتَوَقف على التغلب عَلَيْهِ بقهر من ينافس فِيهِ لشرف منصبه واشتماله على الملاذ الْبَدَنِيَّة والنفسانية كَمَا قَالَ وَالْملك بعد أبي ليلى لمن غلبا والتغلب من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك مُتَوَقف على العصبية لما فِيهَا من النعرة الحاملة على التعاضد والتناحر لَا محَالة لِأَن شَأْن كل أَمر لايتم حمل النَّاس عَلَيْهِ إِلَّا بِالسَّيْفِ والسنان لما فِي طباعهم من استعصاء وصعوبة الانقياد كَمَا سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
تَنْبِيه قَالَ ابْن خلدون وَهَذَا الْأَمر بعيد عَن إفهام الْجُمْهُور لنسيانهم عهد تمهيد الدول أَولا فَلَا يعْرفُونَ مَا فعل الله أول الدولة وَمَا لَقِي أَوَّلهمْ من المتاعب
قَالَ وخصوصا أهل الأندلس فِي نِسْيَان هَذِه العصبية لطول الأمد واستغنائهم فِي الْغَالِب عَن قوتها لتلاشي وطنهم وخلوه عَن العصائب وَالله قَادر على مَا يَشَاء
قلت وَذكر فِي مَوضِع آخر إِن أول قَائِم بِأَمْر الْمُسلمين من هَؤُلَاءِ الْمُلُوك النصريين أَيّدهُم الله ونصرهم وَهُوَ السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر قدس الله روحه لم يحْتَج لكثر من عِصَابَة قَليلَة من قرَابَة المسمين بالرؤساء لقلَّة العصائب بالأندلس وَإِنَّهَا سُلْطَان ورعية فَلَا يظنّ بِهِ خلاف ذَلِك وَالله غَنِي عَن الْعَالمين انْتهى المُرَاد مِنْهُ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن الْغَايَة الَّتِي تجْرِي إِلَيْهَا العصبية هِيَ الْملك
لِأَن صَاحبهَا إِذا بلغ رُتْبَة الرياسة الَّتِي يصير بهَا متبوعا لَا غير وَأمكنهُ الترقي إِلَى مَا وَرَاء ذَلِك من الْقَهْر والتغلب فَإِنَّهُ يترامى إِلَيْهِ بأقصى جهده تكميلا لمطلوب النَّفس مِنْهُ وتحصيلا لغاية مَا تجْرِي إِلَيْهِ العصبية الْقَاهِرَة وَهُوَ الْملك الَّذِي بِهِ كَمَال الْقَهْر والتغلب
قلت من لَهُ همة علية يطْلب بعده مَا وَرَاء ذَلِك من الْملك الْكَبِير فِي الدَّار الْآخِرَة
قَالَ عمر ابْن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه كَانَت لي نفس تواقة تاقت إِلَى الْإِمَارَة فَلَمَّا بلغتهَا تاقت إِلَى الْخلَافَة فَلَمَّا بلغتهَا تاقت إِلَى الْجنَّة
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِن الدولة إِذا تمهدت قد تَسْتَغْنِي عَن العصبية
وسر ذَلِك أَن الدول الْعَامَّة فِي ابتدائها يصعب الانقياد لَهَا لغرابتها إِلَّا بتغلب قوى فَإِذا اسْتَقَرَّتْ رياستها فِي أهل النّصاب الْمَخْصُوص بِالْملكِ واستحكمت لَهُم صبغتها فَلَا يحْتَاج إِذْ ذَاك إِلَى كَبِير عِصَابَة وَيَكْفِي الِاسْتِظْهَار عَلَيْهَا أما بِالْمَوَالِي والمصطنعين أَو بالعصائب الخارجين عَن نَسَبهَا الداخلين فِي وليتها
تَمْثِيل من مَشْهُور الدول الْوَاقِع فِيهَا ذَلِك مَا يذكر
الدولة الأولى دولة بني الْعَبَّاس
لما فَسدتْ عصبيتها فِي أَيَّام المعتصم وَابْنه الواثق واستظهروا بعد ذَلِك بِالْمَوَالِي من الْعَجم وَالتّرْك والديلم والسلجوقية وَغَيرهم إِلَى أَن تغلب الْعَجم على النواحي وتقلص ظلّ الدولة فَلم تعد أَعمال بَغْدَاد حَتَّى زحف إِلَيْهَا الديلم وملكوها وَصَارَ الخلائف فِي ملكهم إِلَى أَن ملك السلجوقية من بعدهمْ والخلائف كَذَلِك فِي حكمهم إِلَى أَن جَاءَ التتر فمحوا رسوم الدولة ونسخوها
الدولة الثَّانِيَة دولة صنهاجة بالمغرب
فَسدتْ عصبيتهم مُنْذُ الْمِائَة الْخَامِسَة أَو مَا قبلهَا واستمرت لَهُم الدولة متقلصة الظل بالمهدية وبجاية والقلعة وَسَائِر ثغور إفريقية إِلَى أَن جَاءَ الموحدون أولو العصبية القوية فِي المصامدة فمحوا آثَارهم
الدولة الثَّالِثَة دولة الأموية بالأندلس
لما فَسدتْ عصبيتها استولى عَلَيْهَا مُلُوك الطوائف واقتسموا خطتها أنتزى كل على مَا كَانَ بِيَدِهِ وشمخ بأنفة وبلغهم شَأْن الْعَجم فِي الدولة العباسية فتلقبوا بألقاب الْملك ولبسوا شارته وأمنوا من تَغْيِير ذَلِك عَلَيْهِم لفقد الْقَائِم بِهِ فِي الأندلس إِذْ لَيْسَ بدار عصائب وَلَا قبائل فاستظهروا بِالْمَوَالِي والمصطنعين والطراء عَلَيْهِم من قبائل العدوة إقتداء بالدولة فِي آخر أمرهَا بالاستظهار بهم لما ضعفت عصبية الْعَرَب واستبد ابْن أبي عَامر على الدولة فَكَانَ لَهُم دوَل عَظِيمَة وحظ كَبِير من الْملك على نِسْبَة الدولة الْقَدِيمَة المقسمة إِلَى أَن دخل إِلَيْهِم المرابطون ذَوُو العصبية القوية فِي لمتونة فاستزلوهم ومحوا آثَارهم وَلم يقدروا على مدافعتهم لفقدان العصبية لديهم
تَنْبِيه على وهم
قَالَ ابْن خلدون وَقد ظن الطرطوشي إِن حامية الدول بإطلاقهم الْجند المرتزقون وَلَا يتناولون كَلَامه تأسيس الدول أَولا بل مَا تمهد مِنْهَا أخيرا باستقرار الْملك فِي نصابه واستحكام الصبغة لأَهله
قَالَ ابْن خلدون فالرجل إِنَّمَا أدْرك الدولة عِنْدهَا هرمها ومصيرها إِلَى