الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بهَا بعض النَّاس سقط الباقيين وَقد يرخص تَركهَا لآفة تعرض فِيهَا أَو عائق يمْنَع مِنْهَا
حِكَايَة قَالَ أَخْبرنِي الياس بن إِسْحَاق قَالَ شهِدت أَحْمد بن الْيَمَانِيّ واستشاره رجل فِي بعض الْأُمُور فأمتنع من الْإِشَارَة وَهَذَا أَمر لَا يلْزَمنِي قلت وَكَيف وَقد سَمِعت الله يَقُول {وشاورهم فِي الْأَمر} فَقَالَ إِن للْإِشَارَة آفَات وَأَنا أحذرها وَذَلِكَ أَنِّي إِذا أَشرت على رجل بِشَيْء لم يخل من قبُوله لَهُ أورد فَإِن قبله لم يخل من أحد أَمريْن أما أَن يَقع صَوَابا فينتفع بِهِ أَو خطأ فيتضرر بِهِ فَإِن وَقع صَوَابا وانتفع بِهِ لم آمن أَن يداخلني فِي ذَلِك عجب وَأَن توهمني نَفسِي أَنِّي قد سقت إِلَيْهِ خيرا وَأَن وَقع خطأ وتصرر بِهِ لم أعدم مِنْهُ لائمة وذما فَإِن لم يقبله لم يخل أَيْضا من أحد أَمريْن أما أينجح أَو يخْفق فَإِن أنجح أزري بِي واتهمني فِي مشورتي وَإِن أخفق أَو ناله ضَرَر لم آمن من نَفسِي الشماتة وَإِن أَثم فِي أمره وَمَا أعتورته هَذِه الْآفَات فَتَركه أسلم
قَالَ الْخطابِيّ وَلَعَلَّه كَانَ يعرف من صحابه إعجابا بِرَأْيهِ وتركا لقبُول نصحه فحذر الْفِتْنَة واغتنم السَّلامَة
الْمقَام الأول
المستشير
وَهُوَ كل قَاصد لغَرَض يهمه لما تقدم من عُمُوم الطّلب بهَا فِي سَائِر الطَّبَقَات لَكِن يتَفَاوَت ذَلِك فيهم بِحَسب الرئيس والمرؤوس ثمَّ قَالَ النَّوَوِيّ يسْتَحبّ لم هم بِأَمْر أَن يشاور فِيهِ ثمَّ قَالَ ويتأكد الْأَمر بهَا فِي حق وُلَاة الْأُمُور الْعَامَّة كالسلطان وَالْقَاضِي وَنَحْوهمَا ثمَّ عَلَيْهِ عِنْد الاستشارة وظائف وَهِي ضَرْبَان
الضَّرْب الأول مَا يعم سَائِر الطَّبَقَات وَهِي جملَة
الْوَظِيفَة الأولى أَن تَصْدِيق فِي التَّعْرِيف بِقَصْدِهِ من المر المستشار فِيهِ بِحَيْثُ لَا يتْرك شَيْئا مِمَّا يعلم فِيهِ من مصلحَة أَو مفْسدَة أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيّ
قلت وَفِي الأفلاطونيات إِذا شاورت من يضطلع بالمشورة عَلَيْك فأصدقك عَنْك فِيهَا وَفِي كثير مِمَّا يَتَحَرَّك إِلَيْهِ طباعك ليقف من صدقك على مَا يُوجِبهُ الْحق فِيهَا وَاعْلَم أَن مغادرة المشير عَلَيْك فِي الرَّأْي بِمِقْدَار مَا خلقته عَنْك من الصدْق
الْوَظِيفَة الثَّانِيَة أَن لَا يلْتَمس الرُّخْصَة عِنْد المستشار مَخَافَة الزلل مُخَالطَة الْهوى فِي ذَلِك وَقد تقدم أَن حكم الْهِنْد أَن من التمس من الإخوان الرُّخْصَة عِنْد المشورة وَمن الْأَطِبَّاء عِنْد الْمَرَض وَمن الْفُقَهَاء عِنْد الشُّبْهَة أَخطَأ الرَّأْي وازداد مَرضا وَحمل الْوزر
الْوَظِيفَة الثَّالِثَة أَن يستنكر من المشاورين مَا أمكنه استظهار على الوثوق بِالرَّأْيِ الْمشَار بِهِ عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيّ وَيسْتَحب أَن يشاور جمَاعَة بِالصّفةِ الْمَذْكُورَة يَعْنِي فِي شُرُوط المشاور قَالَ ويستكثر مِنْهُم
الْوَظِيفَة الرَّابِعَة أَن يتواضع للمستشار مَعَه وَلَا يترفع عَن التنزل لَهُ فِي استهداء مَا يُشِير مِمَّا يظْهر لَهُ صَوَابه وَإِن كَانَ السُّلْطَان الْأَعْظَم
قَالَ ابْن رضوَان لَا يَنْبَغِي للْملك عِنْد الْمُشَاورَة أَن يترفع إِلَى أَن يسْلك سَبِيل الهيبة فَإِن ذَلِك يقصر لِسَان الناصح والمشير
موعظة قَالَ وَقد كَانَ الْملك الْعَادِل عَظِيم الهيبة وَمرض بعلة
الخوانيق فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأَطِبَّاء بالفصد فَامْتنعَ وَلم يُرَاجع وَمرض فَكَانَ ذَلِك سَببه مَوته
وَصِيَّة قَالَ بعض مُلُوك الْفرس لِابْنِهِ عَلَيْك بالمشاورة فَإنَّك وَاحِد من الرِّجَال وشاور من يفصح عَن المستكن ويوضح الْمُشكل وَلَا يدع لَك فِي عَدوك فرْصَة إِلَّا انتهزها وَلَا لعدوك فِيك فرْصَة إِلَّا أحصنها وَلَا يمنعك حسن رَأْيك فِي ظَنك وَلَا علو مَكَانك فِي نَفسك أَن تجمع إِلَى رَأْيك رَأْي غَيْرك فَإِن وَافق رَأْيك رَأْي غَيْرك ازْدَادَ رَأْيك عنْدك شدَّة وَإِن خَالف رَأْيك عرضته على نظرك وفهمك فَإِن كَانَ غَالِبا على مَا رَأَيْت قبلت وَإِن كَانَ متضاعفا اسْتَغْنَيْت
الضَّرْب الثَّانِي مَا يخص السُّلْطَان مِمَّن يَلِيهِ وحاصلها اخْتِيَار من يخْتَص بِمَعْرِِفَة مَا يستشار فِيهِ وعَلى حسب مَا يذكر إِن شَاءَ الله من شُرُوطه
قَالَ ابْن حزم وَإِذا نزلت بالسلطان معضلة لَيْسَ عِنْده فِيهَا يَقِين شاور من أَصْحَابه وولاة جُنُوده من يَرْجُو عِنْده فرجا من ذَلِك ويشاور فِي الْحَرْب وسياستها وَيسْأل عَن كل علم أربابه وَلَا يتكل على رَأْي أحد وَلَا يطلعهم على مَا يخْتَار من رَأْيهمْ فَإِذا انْقَضى مَا عِنْدهم أنفذ مِمَّا سمع مِنْهُم
تبصرة يَنْعَدِم هَذَا الِاخْتِيَار عِنْد المشورة إعداد الْمُسْتَحق لَهُ فِي سَائِر عمالة السُّلْطَانِيَّة وتعيينه لذَلِك
قَالَ ابْن المقفع اعرف أهل الدّين والمروءة فِي كل نَاحيَة وكورة وقبيلة فليكونوا إخوانك وأعوانك وثقاتك وبطانتك