الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْن رضوَان وَيُشبه ذَلِك مَا حكى أَن القَاضِي أَبَا الْعَبَّاس بن عِيسَى الغماري سَأَلَهُ الْمُسْتَنْصر عَن وَالِي بَلْدَة بجاية وَقَالَ لَهُ سمعنَا أَن وَالِي بجاية لَو أَرَادَ أَن يبنيها لبنة فضَّة ولبنة ذهب لفعل فَقَالَ لَهُ مبادرا يَا مولَايَ يكون ذَلِك بالتفاتكم إِلَيْهَا وتعطفكم عَلَيْهَا فتغافل عَن سُؤَاله عَن الْقَصْد الأول وَعلم أَنه حاد عَن جَوَابه
الْقَاعِدَة السَّابِعَة عشرَة
التَّوَاضُع
وللنظر فِيهِ ثَلَاث مطَالب
أَحدهمَا فِي التَّوَاضُع وَالثَّانِي فِي نقيضه وَهُوَ الْكبر وَالثَّالِث فِيمَا يتَوَلَّد عَنهُ هَذَا النقيض وَهُوَ الْعجب
الْمطلب الأول فِي التَّوَاضُع
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ هُوَ صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَبِه اسْتحق سيادة ولد آدم إِذْ خَيره الله تَعَالَى بِي أَن يكون نَبيا ملكا أَو نَبيا عبدا فَاخْتَارَ أَن يكون نَبيا عبدا وخيره آخرا بَين الْخلد فِي الدُّنْيَا ولقائه فَاخْتَارَ لقاءه
قلت وَكَيف لَا يتواضع صلى الله عليه وسلم وَقد أمره تَعَالَى بذلك
فَفِي الصَّحِيح عَن عِيَاض بن حمَار رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله أوصى إِلَيّ أَن تواضعوا حَتَّى لَا يفخر أجد على أحد وَلَا يَبْغِي أحد على أحد
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مِمَّا يدل على فَضله أَمْرَانِ
أَحدهمَا الرّفْعَة بِهِ من الله تَعَالَى فَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من تواضع لله دَرَجَة رَفعه الله دَرَجَة حَتَّى يَجعله فِي أَعلَى عليين وَمن تكبر على الله تَعَالَى دَرَجَة نَقصه الله تَعَالَى دَرَجَة حَتَّى يَجعله فِي أَسْفَل سافلين وَلَو أَن أحدكُم يعْمل فِي صَخْرَة صماء لَيْسَ لَهَا بَاب وَلَا كوَّة لخرج مَا غيبه للنَّاس كَائِنا مَا كَانَ
الثَّانِي الْوَعْد عَلَيْهِ بِالْجنَّةِ فَفِي الحَدِيث طُوبَى لمن تواضع فِي غير مَعْصِيّة وذل لنَفسِهِ فِي غير مَسْأَلَة وَأنْفق مَالا جمعه فِي غير مَعْصِيّة ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الْفِقْه وَالْحكمَة طُوبَى لمن طَابَ مكسبه وصلحت سَرِيرَته وكرمت عَلَانِيَته وعزل عَن النَّاس شَره طُوبَى لمن عمل بِعِلْمِهِ وَأنْفق الْفضل من مَاله وَأمْسك الْفضل من قَوْله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَحسنه أَبُو عمر النمري وَغَيره
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة من فَوَائده العاجلة منقبتان
المنقبة الأولى دلَالَته على كَمَال الْفضل ومزيد الخصوصية بِهِ قيل لعبد الْملك بن مَرْوَان أَي الرِّجَال أفضل قَالَ من تواضع عَن قدره وزهد عَن كَثْرَة وَترك النُّصْرَة عَن قُوَّة
المنقبة الثَّالِثَة مزِيد الشّرف بِهِ على شرف صَاحبه دخل ابْن السماك على الرشيد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن تواضعك فِي شرفك أشرف لَك من شرفك فَقَالَ مَا أحسن مَا قلت فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن امْرَءًا أَتَاهُ الله جمالا فِي خلقته وموضعا فِي حَسبه وَبسط لَهُ فِي ذَات يَده فعف فِي جماله وواسى فِي مَاله وتواضع فِي حَسبه كتب لَهُ فِي ديوَان الله من خَالص عباده الله فَدَعَا الرشيد بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس وَكتبه بِيَدِهِ
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ الْغَزالِيّ هُوَ كَسَائِر الْأَخْلَاق لَهُ طرفان وواسطة فطرف إفراطه تكبر وطرف تفريطه خسة ومهانة وَالْوسط الْمَحْمُود هُوَ التَّوَاضُع
قَالَ والميل إِلَى التكبر أفحش من الْميل إِلَى التذلل كَمَا أَن الْميل إِلَى الْبُخْل أفحش من الْميل إِلَى التبذير والمحمود الْمَطْلُوب هُوَ الْعدْل وَوضع الْأُمُور موَاضعهَا حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع وَالْعَادَة
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْوَصْف
التَّوَاضُع أحد مصائد الشّرف
وكل نعْمَة مَحْسُود عَلَيْهَا صَاحبهَا إِلَّا التَّوَاضُع
لَا عز لمن تذلل لله عز وجل وَلَا رفْعَة إِلَّا لمن تواضع لله عز وجل وَلَا أَمن إِلَّا لمن خَافَ الله
اسمان مُخْتَلِفَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِد التَّوَاضُع والشرف
بخفض الْجَانِب تأنس النُّفُوس
الاستهانة توجب التباعد الانبساط يُوجب الموانسة
الانقباض يُوجب الوحشة
الْكبر يُوجب المقت
والتواضع يُوجب السمت
من رأى لنَفسِهِ قيمَة لَيْسَ لَهُ من التَّوَاضُع نصيب
لَا يتواضع العَبْد حَتَّى يعرف نَفسه
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من الْمَنْقُول فِي هَذَا الْبَاب عَن الْمُلُوك وَذَوي الرياسة حكايتان
الْحِكَايَة الأولى ذكر الرشاطي عَن عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين من مُلُوك المرابطين أَنه ركب يَوْمًا إِلَى الْمَسْجِد الْجَامِع لشهود صَلَاة الْجُمُعَة فَلَمَّا وصل إِلَى أول رحاب الْمَسْجِد انحط عَن مركبه وَمَشى رَاجِلا فَمر بطريقه على إِنْسَان قد بسط مِئْزَره وَجلسَ عَلَيْهِ ينْتَظر الصَّلَاة فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ خلع نَعْلَيْه لِئَلَّا يطَأ المئزر بهما فَلَمَّا جَاوز لبسهما وَلم يَأْمر الرجل بِرَفْع مِئْزَره وَلَا مَشى عَلَيْهِ
الْحِكَايَة الثَّانِيَة ذكر أَيْضا عَن إبنه ولي عَهده أَنه ركب يَوْمًا