المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة   ‌ ‌الْعَفو   وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى عد الطرطوشي هَذَا الْوَصْف لموقعه من - بدائع السلك في طبائع الملك - جـ ١

[ابن الأزرق]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌بَدَائِع السلك فِي طبائع الْملك

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌الْكتاب الأول

- ‌النّظر الأول

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌النّظر الثَّالِث

- ‌الطّرف الأول

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌الطّرف الثَّالِث

- ‌الْكتاب الثَّانِي

- ‌الرُّكْن الأول

- ‌الرُّكْن الثَّانِي

- ‌الرُّكْن الثَّالِث

- ‌الرُّكْن الرَّابِع

- ‌الرُّكْن الْخَامِس

- ‌الرُّكْن السَّادِس

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌الرُّكْن الثَّامِن

- ‌الرُّكْن التَّاسِع

- ‌الرُّكْن الْعَاشِر

- ‌الرُّكْن الْحَادِي عشر

- ‌الرُّكْن الثَّانِي عشر

- ‌الرُّكْن الثَّالِث عشر

- ‌الرُّكْن الرَّابِع عشر

- ‌الرُّكْن الْخَامِس عشر

- ‌الرُّكْن السَّادِس عشر

- ‌الرُّكْن السَّابِع عشر

- ‌الرُّكْن الثَّامِن عشر

- ‌الرُّكْن التَّاسِع عشر

- ‌الرُّكْن الْعشْرُونَ

- ‌الْكتاب الثَّالِث

- ‌الْكتاب الرَّابِع

- ‌الْمُقدمَة الأولى فِي تَقْرِير مَا يوطىء للنَّظَر فِي الْملك عقلا وَفِيه عشرُون سَابِقَة

- ‌السَّابِقَة الأولى

- ‌السَّابِقَة الثَّانِيَة

- ‌السَّابِقَة الثَّالِثَة

- ‌السَّابِقَة الرَّابِعَة

- ‌السَّابِقَة الْخَامِسَة

- ‌السَّابِقَة السَّادِسَة

- ‌السَّابِقَة السَّابِعَة

- ‌برهَان وجود

- ‌السَّابِقَة الثَّامِنَة

- ‌تمهيد قَالَ ابْن خلدون

- ‌السَّابِقَة التَّاسِعَة

- ‌السَّابِقَة الْعَاشِرَة

- ‌السَّابِقَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌بَيَان الأول

- ‌بَيَان ثَانِي

- ‌تَنْبِيه

- ‌السَّابِقَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌استظهار

- ‌السَّابِقَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌اعْتِبَار بالخليفة

- ‌برهَان وجود

- ‌السَّابِقَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌عاطفة اعْتِبَار

- ‌السَّابِقَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌اعْتِبَار

- ‌السَّابِقَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الْعشْرُونَ

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌فِي تمهيد أصُول من الْكَلَام فِي الْملك شرعا

- ‌الْفَاتِحَة الأولى

- ‌الْفَاتِحَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَاتِحَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَاتِحَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّادِسَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّابِعَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّامِنَة

- ‌وَقَاعِدَة

- ‌الْفَاتِحَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌استظهار

- ‌الْفَاتِحَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌تَنْزِيل

- ‌الْفَاتِحَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الْعشْرُونَ

- ‌الْكتاب الأول

- ‌فِي حَقِيقَة الْملك والخلافة وَسَائِر أنولع الرياسات وَسبب وجود ذَلِك وَشَرطه

- ‌فِي حَقِيقَة الْملك والخلافة وَسَائِر أَنْوَاع الرياسات

- ‌وَفِيه مسَائِل

- ‌النّظر الأول

- ‌فِي حَقِيقَة الْخلَافَة

- ‌الرياسة الأولى

- ‌رياسة كوهن

- ‌الرياسة الثَّانِيَة

- ‌رياسة البابا

- ‌عاطفة تَكْمِيل

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الرياسة غير الشَّرْعِيَّة

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌فِي شَرط وجوب الْملك وَهِي

- ‌العصبية أَو مَا يقوم مقَامهَا

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌تَصْدِيق بواقعين

- ‌اعْتِبَار

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌بَيَان الْعَكْس

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌مزِيد اعْتِبَار

- ‌بَيَان الثَّانِي من وَجْهَيْن

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْمقَام الأول

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ

- ‌الطّرف الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي صفة الحروب

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي تعبئة العساكر

- ‌تَنْبِيه

- ‌تَكْمِيل

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي ضرب المصاف وَرَاء العساكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي مَكَائِد مَا قبل الْقِتَال وآدابه

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِيمَا يخدع بِهِ الْعَدو عِنْد الْقِتَال

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي مَكَائِد حِصَار المدن والحصون

- ‌فِي الْأَفْعَال الَّتِي تُقَام بهَا صُورَة الْملك ووجوده

- ‌الرُّكْن الأول

- ‌نصب الْوَزير

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌الْموضع الأول الْمشرق

- ‌الْموضع الثَّانِي فِي الْمغرب وَذَلِكَ فِي دوَل

- ‌الْمطلب الأول

- ‌فِي شُرُوطه الضرورية والمكملة

- ‌الْمطلب الثَّالِث

- ‌الرُّكْن الثَّانِي

- ‌إِقَامَة الشَّرِيعَة

- ‌تركيب

- ‌تَنْبِيه

- ‌الرُّكْن الثَّالِث

- ‌إعداد الْجند

- ‌الْعِنَايَة الثَّالِثَة

- ‌فِي اخْتِيَار قَائِم الْجند ورئيسه

- ‌الرُّكْن الرَّابِع

- ‌حفظ المَال

- ‌وَفِيه مسَائِل

- ‌الرُّكْن الْخَامِس

- ‌تَكْثِير الْعِمَارَة

- ‌الرُّكْن السَّادِس

- ‌إِقَامَة الْعدْل

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌تَوْلِيَة الخطط الدِّينِيَّة

- ‌الخطة الأولى

- ‌إِمَامَة الصَّلَاة

- ‌الخطة الثَّانِيَة

- ‌الْفتيا

- ‌الخطة الثَّالِثَة

- ‌التدريس

- ‌الخطة الرَّابِعَة

- ‌الْقَضَاء

- ‌الخطة الْخَامِسَة

- ‌الْعَدَالَة

- ‌الخطة السَّادِسَة

- ‌الْحِسْبَة

- ‌الخطة السَّابِعَة

- ‌السِّكَّة

- ‌الرُّكْن الثَّامِن

- ‌تَرْتِيب الْمَرَاتِب السُّلْطَانِيَّة

- ‌ الحجابة

- ‌الْمرتبَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌نَوَادِر

- ‌الْمرتبَة الثَّانِيَة

- ‌الْكِتَابَة

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمرتبَة الثَّالِثَة

- ‌ديوَان الْعَمَل والجباية

- ‌الْمرتبَة الرَّابِعَة

- ‌الشرطة

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌رِعَايَة السياسة

- ‌الرُّكْن الْعَاشِر

- ‌وَفِيه مُقَدمَات ومقامات

- ‌الْمقَام الأول

- ‌المستشير

- ‌الْمقَام الثَّانِي

- ‌المستشار

- ‌الْمقَام الثَّالِث

- ‌المستشار فِيهِ

- ‌الْمقَام الرَّابِع

- ‌الرُّكْن الْحَادِي عشر

- ‌بذل النَّصِيحَة

- ‌الرُّكْن الثَّانِي عشر

- ‌إحكام التَّدْبِير

- ‌الرُّكْن الثَّالِث عشر

- ‌تَقْدِيم الْوُلَاة والعمال

- ‌الرُّكْن الرَّابِع عشر

- ‌إتخاذ البطانة وَأهل الْبسَاط

- ‌الرُّكْن الْخَامِس عشر

- ‌تنظيم الْمجْلس وعوائده

- ‌الرُّكْن السَّادِس عشر

- ‌تَقْرِير الظُّهُور والاحتجاب

- ‌وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْمَمْنُوع مِنْهُ

- ‌الرُّكْن السَّابِع عشر

- ‌رِعَايَة الْخَاصَّة والبطانة

- ‌الرُّكْن الثَّامِن عشر

- ‌ظُهُور الْعِنَايَة بِمن لَهُ حق أَو فِيهِ مَنْفَعَة

- ‌الصِّنْف الثَّالِث

- ‌الصالحون

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌مُكَافَأَة ذَوي السوابق

- ‌الرُّكْن الْعشْرُونَ

- ‌تخليد مفاخر الْملك ومآثره

- ‌الْبَاب الثَّانِي

- ‌فِي الصِّفَات الَّتِي تصدر بهَا تِلْكَ الْأَفْعَال على أفضل نظام

- ‌ الْعقل

- ‌الْقَاعِدَة الأولى

- ‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْعلم

- ‌الْقَاعِدَة الثَّالِثَة

- ‌الشجَاعَة

- ‌الْقَاعِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْعِفَّة

- ‌الْقَاعِدَة الْخَامِسَة

- ‌السخاء والجود

- ‌الْمنْهَج الأول

- ‌الْمِنْهَاج الثَّانِي

- ‌الْقَاعِدَة السَّادِسَة

- ‌الْحلم

- ‌الْقَاعِدَة السَّابِعَة

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌فِي الْغَضَب

- ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْعَفو

- ‌الْقَاعِدَة التَّاسِعَة

- ‌الرِّفْق

- ‌الْقَاعِدَة الْعَاشِرَة

- ‌اللين

- ‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْوَفَاء بالوعد

- ‌الْقَاعِدَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الصدْق وضده وَهُوَ الْكَذِب

- ‌الْقَاعِدَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌كتم السِّرّ

- ‌الْقَاعِدَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الحزم

- ‌الْقَاعِدَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الدهاء والتغافل

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌فِي التغافل

- ‌الْقَاعِدَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌التَّوَاضُع

- ‌الْمطلب الثَّانِي

- ‌فِي الْكبر

- ‌الْمطلب الثَّانِي

- ‌فِي الْعجب

- ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌سَلامَة الصَّدْر من الحقد والحسد

- ‌الطّرف الأول

- ‌فِي الحقد

- ‌الْقَاعِدَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الصَّبْر

- ‌الْقَاعِدَة الْعشْرُونَ

- ‌الشُّكْر

- ‌النَّوْع الأول

- ‌الْقلب

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌اللِّسَان

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌الأذنان

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْبَصَر

- ‌النَّوْع الْخَامِس

- ‌اليدان

- ‌النَّوْع السَّادِس

- ‌الرّجلَانِ

- ‌النَّوْع السَّابِع

- ‌الْفرج

- ‌النَّوْع الثَّامِن

- ‌الْبَطن

الفصل: ‌ ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة   ‌ ‌الْعَفو   وَفِيه مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى عد الطرطوشي هَذَا الْوَصْف لموقعه من

‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة

‌الْعَفو

وَفِيه مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى عد الطرطوشي هَذَا الْوَصْف لموقعه من خِصَال الْكَمَال قَاعِدَة جمال السُّلْطَان وعمدة رتبته وَجعله الْغَزالِيّ من الْوَظَائِف الَّتِي بالمحافظة عَلَيْهَا يَدُوم اسْتِحْقَاق الْملك والإمامة وَمثل ذَلِك مشهود بِهِ الْغَيْر وَاحِد لظُهُوره فِي تَأَكد الْعِنَايَة فقد قَالَ بعض الْحُكَمَاء حسن الظفر يقبح الإنتقام وَخير مَنَاقِب الْمُلُوك الْعَفو

وَقَالَ لَا شَيْء أقوى للْملك من الْعَفو فَإِن الْملك وثقت مِنْهُ رَعيته بِحسن الْعَفو لم يرجفها الذَّنب وَإِن أعظم وَإِذا خشيت مِنْهُ الْعقُوبَة أرجفها الذَّنب وَإِن صغر ذَلِك إِلَى الْمعْصِيَة

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة حَقِيقَته إِسْقَاط حق ثَابت مَعَ الْقُدْرَة على الإنتقام قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فَكل من ترك مَا وَجب لَهُ فَهُوَ عاف وَإِذا كثر ذَلِك مِنْهُ فَهُوَ عَفْو على

قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ غير الْحلم وكظم الغيظ

قلت لِأَنَّهُ ثَمَرَتهَا والأثمار غير المثمر لَا محَالة

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة من فضيلته الجامعة بَين خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَوَائِد

الْفَائِدَة الأولى تحقق الْمَدْح لَهُ من الله مَقْرُونا بالأعلام بمحبة من اتّصف بِهِ لأجل الْإِحْسَان الَّذِي أثنى بِهِ

ص: 466

قلت وعَلى ذَلِك السَّبِيل فالعفو أفضل مِنْهُ وَهِي

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة كَمَا صرح بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خير للصابرين}

ص: 468

قَالَ الطرطوشي وَهُوَ نَص لَا يحْتَمل التَّأْوِيل

قلت وَيظْهر ذَلِك مُنْضَمًّا بِاعْتِبَار

الْمقَام الأول بِحَسب مَا يعم السُّلْطَان وَغَيره وَذَلِكَ من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن الْعَافِي أجره على الله تَعَالَى والمنتصر قد استوفى حَقه قَالَ الله تَعَالَى {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله} قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ قَوْله فَأَجره على الله كلمة لَا يوازيها شَيْء لِأَن الَّذِي للْعَبد عهد الله وَمن الله وَبِاللَّهِ خير لَهُ مِمَّا يَأْخُذهُ بِنَفسِهِ ويفعله بِاخْتِيَارِهِ

الثَّانِي أَن المتخلق بِالْعَفو مقتد بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وسلك على نهج الإنباع لَهُ وَكفى بِهِ أُسْوَة

قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظْلمَة ظلمها قطّ غير أَنه إِذا أنتهك شَيْء من محارم الله تَعَالَى فَلَا يقوم لغضبه شَيْء صلى الله عليه وسلم

الْمقَام الثَّانِي من جِهَة مَا يخص السُّلْطَان من حَيْثُ الْفَائِدَة المحتملة وَذَلِكَ أَيْضا من وَجْهَيْن

أَحدهمَا استخلاص قُلُوب ذَوي الْجِنَايَة لَهُ وإيناس نُفُوسهم من وَحْشَة الْعِصْيَان وَلَا يخفى مَا فِي ذَلِك من السياسة العائدة على الدولة بالنفع الْعَظِيم

قَالَ الْمَأْمُون لَيْسَ على فِي الْحلم مُؤنَة ولوددت أَن أهل الجرائم علمُوا مذهبي فِي الْعَفو فَيذْهب الْخَوْف عَنْهُم فتخلص لي قُلُوبهم

الثَّانِي رفع الهمة بِهِ عَن تعاظم الذُّنُوب وَفِي ذَلِك من تبجيل الْملك وإجلاله مَالا يسع عدم الإنبعاث إِلَيْهِ

ص: 469

قَالَ رضي الله عنه أَنِّي لَا رفع نَفسِي أَن يكون ذَنْب أعظم من عفوي وَجَهل أَكثر من حلمي وعورة لَا يواريها ميزري

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة يصير الإنتقام مَطْلُوبا فِي موضِعين

الْموضع الأول حَيْثُ يكون عَجزا ومهانة نفس وَذَلِكَ هُوَ الذل الَّذِي تأنف مِنْهُ ذَوُو الهمم الْعلية وَقد قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} كَانُوا يكْرهُونَ أَن يذلوا فَإِذا قدرُوا عفوا فمدحوا على الْعَفو بعد قدرَة لَا على عَفْو بعد ذل ومهانة

قَالَ ابْن قيم الجوزية وَهَذَا هُوَ الْكَمَال الَّذِي مدح الله بِهِ نَفسه فِي قَوْله تَعَالَى وَكَانَ الله عفوا قَدِيرًا وَالله غَفُور رَحِيم

الْموضع الثَّانِي حَيْثُ يَتَرَتَّب على الْعَفو مفْسدَة تربي على مصلحَة شرعا أَو سياسة معتبره وَمن أمثلته عِقَاب من استخف بالسلطان كَمَا يرْوى أَن رجلا جَاءَ إِلَى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه فَقَالَ احملني وَالله لانا أَفرس مِنْك وَمن أَبِيك وَعِنْده الْمُغيرَة بن شعة فحسر عَن ذراعه وصك بِهِ أنف الرجل فَسَالَ الدَّم فجَاء قومه إِلَى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه ولاموه فَقَالُوا أقدنا من الْمُغيرَة فَقَالَ أَنا أقيدكم من وزعة الله أَنا لَا أقيدكم مِنْهُ قَالَ ابْن قيم الجوزية فَرَأى أَبُو بكر رضي الله عنه أَن ذَلِك انتصار من الْمُغيرَة لله وَلِرَسُولِهِ وللعز الَّذِي وعد الله الْمُؤمنِينَ

الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من النَّاس من يعْتَمد فِي الإنتقام على نصْرَة الله تَعَالَى لَهُ

ص: 470

وَيظْهر ذَلِك بِمَا قَرَّرَهُ الشَّيْخ تَاج الدّين رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي لطائف المنن من عرف الله تَعَالَى يَأْبَى الإنتصار لنَفسِهِ إِذْ الْعَارِف لَا يشْهد فعلا لغير معروفه وَقد قَالَ تَعَالَى {وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} وَقَالَ {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ} قَالَ وَكَانَ ذَلِك لَهُم لأَنهم جَعَلُوهُ تَعَالَى مَكَان همومهم فَدفع عَنْهُم الأغيار وَقَامَ لَهُم بِوُجُوب الإنتصار انْتهى مُلَخصا

الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة من الحكم فِي هَذَا الْبَاب مَا قرن شَيْء إِلَى شَيْء أفضل من حلم إِلَى علم وَمن عَفْو إِلَى مقدرَة

أحب الْأَشْيَاء إِلَى الله تَعَالَى أَرْبَعَة الْقَصْد عِنْد الْجدّة وَالْعَفو عِنْد الْمقدرَة والحلم عِنْد الْغَضَب والرفق بعباد الله

لَا سؤدد مَعَ انتقام وَلَا رياسة مَعَ عزازة نفس لَيْسَ الإفراط فِي شَيْء أَجود مِنْهُ فِي الْعَفو وَلَا هُوَ فِي شَيْء أقبح مِنْهُ فِي الْعقُوبَة الْعَفو يفْسد من الخسيس بِقدر مَا يصلح من الرفيع

إِذا عَفا الْملك الْبعيد الهمة أنف من الإعتذار

الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة من الْمَنْقُول فِي أَخْبَار ذَوي الْعَفو وخصوصا عِنْد استعطافهم بِمَا يرغبهم فِيهِ حكايتان

ص: 471

الْحِكَايَة الأولى قَالَ الْمُبَارك بن فضَالة وفدت على أبي جَعْفَر الْمَنْصُور فَلبث عِنْده إِذْ أَتَى بِرَجُل فَأمر بقتْله

فَقلت يقتل رجل من الْمُسلمين وَأَنا حَاضر فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا أحَدثك بِحَدِيث سمعته من الْحسن قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ سمعته يَقُول إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد حَيْثُ يسمعهم الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر فَيقوم مُنَاد وَيَقُول من لَهُ عِنْد الله تبارك وتعالى يَد فَليقمْ فَلَا يقوم إِلَّا من عَفا فَقَالَ وَالله لسمعته من الْحسن فَقلت لَهُ وَالله لسمعته مِنْهُ فَقَالَ خلوا عَنهُ

الْحِكَايَة الثَّانِيَة قيل أَتَى عبد الْملك بن مَرْوَان بِأسَارَى ابْن الْأَشْعَث الْقَائِم عَلَيْهِ وَقَالَ لرجاء بن حَيْوَة مَا ترى قَالَ أَن الله تَعَالَى قد أَعْطَاك مَا تحب من الظفر بعدوك فأعظ الله مَا يحب من الْعَفو فَعَفَا عَنْهُم

ص: 472