الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيه من لَازم هَذَا الإختيار منع غير الْمَخْصُوص بِهِ من التبريح بالقاء رَأْيه وَنَظره وَقد اعتنى الْحُكَمَاء بالتنبيه على ذَلِك فَقَالَ أفلاطون يَنْبَغِي للْملك السائس أَن يُطلق الرَّأْي إِلَّا لمن نَصبه لذَلِك لِئَلَّا يحدث فِي مَمْلَكَته الآراء الردية
الْمقَام الثَّانِي
المستشار
وَفِيه مسَائِل
الْمسَائِل الأولى فِي شُرُوطه
وَهِي جملَة
أَحدهَا الْعقل الْكَامِل بطول التجربة مَعَ الفطنة والذكاء قيل لَان الْحمق الْجَاهِل إِذا اشْتَرَيْته زَاد فِي لبسك وَأدْخل عَلَيْك التَّخْلِيط فِي رَأْيك وَلم يقم بحقيق نصحك وَكَانَ يُقَال إحذر مُشَاورَة رجلَيْنِ شَاب معجب بِنَفسِهِ قَلِيل التجارب فِي غره أَو كَبِير وَقد اخذ الدَّهْر من عقله كَمَا أَخذ من جِسْمه
الثَّانِي الدّين وَالتَّقوى قَالَ ابْن الْحَاج لِأَن ذَلِك عماد كل صَلَاح وَبَاب كل نجاح وَمن غلب عَلَيْهِ الدّين فَهُوَ مَأْمُون السريرة موفق الْعَزِيمَة قَالَ وروى عِكْرِمَة عَم ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَرَادَ أَمر فَشَاور فِيهِ أمراءا مُسلما وَفقه الله لارشد أُمُوره قلت وَعَن عمر رضي الله عنه شاور فِي أَمرك من يخَاف الله عز وجل
الثَّالِث الْحبَّة الحاملة على خلوص النَّصِيحَة قيل لِأَنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك أمنت من غشه وأجتهد لَك فِي نصحه وَنظر فِي أَمرك بِجَمِيعِ أَجزَاء قلبه
قلت وَفِي الْإِشَارَة بذلك قَول بشار
(إِذا بلغ الرَّأْي النَّصِيحَة فَاسْتَعِنْ
…
بِرَأْي نصيح أَو حزامة حَازِم)
(وَلَا تتحسب الشورى عَلَيْك غَضَاضَة
…
مَكَان الخوافي نَافِع للقوادم)
(وخل الهوينا للضعيف وَلَا تكن
…
نؤوما فَإِن الحزم لَيْسَ بنائم)
مزِيد حِكْمَة قَالَ الْأَصْمَعِي قلت لبشار يَا أَبَا معَاذ إِن النَّاس يتعجبون من أبياتك فِي المشورة يَعْنِي هَذِه البيات فَقَالَ يَا أَبَا سعد إِ المشاور بَين صَوَاب يفوز بثمرته أَو خطأ يُشَارك فِي مَكْرُوه فَقلت لَهُ أَنْت فِي قَوْلك هَذَا أشعر مِنْك فِي شعرك
تَنْبِيه قيل وَلَا يستشار الْعَدو إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد وَهُوَ أَن يكون صَلَاح الرَّأْي بصلاحه وفساده بفساده كعدوين فِي سفينة يستشير أَحدهمَا الآخر فِي صَلَاحهَا ونجاتها قَالَ احْتَرز أَن يكون فِي عُقبى إرشاده شَيْء يخصك بفساده
الرَّابِع سَلامَة الْفِكر من مكدرات صَفوه وَذكروا مِمَّن عرض لَهُ ذَلِك
أصنافا فالجائع حَتَّى يشْبع والعطشان حَتَّى يقنع وَالسير حَتَّى يُطلق والضال حَتَّى يجد والراغب حَنى يمنح وَصَاحب الْخُف الضّيق وحاقن الْبَوْل وَصَاحب الْمَرْأَة السليطة ومعلم الصّبيان وراعي الْغنم وَالْكثير الْقعُود مَعَ النِّسَاء وَمن لَا دَقِيق عِنْده
كِفَايَة عَارض كَانَ الْمُلُوك الأول إِذا هموا بمشاورة رجل بعثوا إِلَيْهِ بقوته وقوت عِيَاله لسنة ليتفرغ لَهُ عقله قَالَ الْمبرد كَانَ بعض عقلاء الْمُلُوك الْفرس إِذا شاور من قد رتبهم لمشورته فقصروا فِي الرَّأْي دَعَا المرتبين بأرزاقهم فعاقبهم فَيَقُولُونَ يُخطئ أهل مشورتك وتعاقبنا نَحن فَيَقُول لَهُم لم يخطئوا إِلَّا لتعليق قُلُوبهم بأرزاقهم فَإِذا اهتموا لحاجتهم أخطئوا
الْخَامِس الْبَرَاءَة مِمَّا لَهُ فِي المر المستشار فِيهِ من هوى يساعده وغرض يَقْصِدهُ
قَالَ الْحَاج لِأَن الْأَغْرَاض جاذبة والهوى مَا دَار والرأي إِذا عَارضه الْهوى وجاذبته الْأَغْرَاض فسد وَفِيه قيل
(وَقد تحكم الْأَيَّام من كَانَ جَاهِلا
…
ويردى الْهوى ذَا الرَّأْي وَهُوَ لَبِيب)
(ويحمد فِي المر الْفَتى وَهُوَ مُخطئ
…
ويعذل فِي الْإِحْسَان وَهُوَ مُصِيب)
السَّادِس الْجمع بَين الْعلم بالمستشار فِيهِ وَالْعَمَل بِهِ فَفِي
الأفلاطونيات شاور فِي أَمرك من جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل وَلَا تشَاور من انْفَرد بِالْعلمِ فَقَط فيدلك مِنْهُ على مَا يتصوره الْفَهم وَلَا يخرج إِلَى الْفِعْل
السَّابِع تساويه مَعَ المستشير فِي الطَّبَقَة فَفِيهَا يَنْبَغِي أَن تسْتَعْمل مشورة ذَوي الرَّأْي من أل طبقتك وَلَا يعول عَنهُ إِلَى رَأْي ذِي طبقَة أُخْرَى فيعدل بك عَمَّا تحْتَاج إِلَيْهِ
الثَّامِن كتمان اسر الَّذِي يطلع عَلَيْهِ عِنْد استشارته قيل لِأَنَّهُ إِذا أطلع على رَأْيك بعض أصدقائه أَو غَيرهم من جُلَسَائِهِ أخبر كل صديق صديقه وفاه كل جليس إِلَى جليسه حَتَّى يصل أَمرك إِلَى عَدوك ويتصل رَأْيك بِأَهْل بغضك فيبتغون الغوائل ويفسدون الرَّأْي قبل أَحْكَامه
التَّاسِع سَلَامَته من غائلة الْحَسَد قبل لِأَن الْحَسَد يعث أهل الْمحبَّة على البغضة وَذَوي الْولَايَة على الْبعد والفرقة وَحِينَئِذٍ يتَعَمَّد ضرك بِجَمِيعِ الْوُجُوه الَّتِي تتقيها على نَفسك وَتَكون دَاعِيَة إِلَى فَسَاد رَأْيك
قلت وَمن وصاياهم لَا تشَاور إِلَّا الحازم فير الحسود واللبيب غير الحقود
الْعَاشِر عدم استلزام نصحك ضره أَو ضرّ أحد من الأعزة عَلَيْهِ قبل لِأَنَّهُ إِذا أدّى نصحك إِلَى ضره أَو بعض شَيْء من أمره لم يفضلك على نَفسه وَلم يخصك بنصحه وَكَذَا إِن أضرّ ذَلِك بإخوانه
الْحَادِي عشر أخباره عَن مُوجب تَقْصِيره عَن مَطْلُوب المستشير لَهُ كالبخل والجبن والحرص فقد كَانَ يُقَال لَا تدخل فِي رَأْيك بَخِيلًا فيقصه فعلك وَلَا جَبَانًا فيخوفك مَالا تخَاف وَلَا حَرِيصًا فيعدك مَالا يُرْجَى
الثَّانِي عشر توسطه بَين السَّعَادَة وَسُوء البخت فَفِي الأفلاطونيات إِذا شاورت السُّعَدَاء حسنوا لَك التضرر بِنَفْسِك وسعيك لما يعمهم من سَلامَة وَإِذا شاورت المجدودين خذلوك عَن الْأَمر الَّذِي يحمد فِي الْأَكْثَر ركُوبه وَالصَّوَاب فِيمَا بَين الْفَرِيقَيْنِ واستخدام الرَّأْي الصَّحِيح فِي الْقيَاس على مَا عِنْدهمَا
تَنْبِيه لَا يمْنَع من المشورة وصفان أَحدهمَا خمول المستشار وحقارته قَالَ الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤمن حَيْثُمَا وجدهَا عقلهَا
قَالَ الطرطوشي وَلم يزل الْعُقَلَاء على اخْتِلَاف مذاهبهم يطْلبُونَ صَوَاب الرَّأْي من كل أحد حَتَّى الْأمة الوكعاء وَهَذَا عمر رضي الله عنه يَقُول رحم الله أُمَرَاء أهْدى إِلَيّ عيوبي
الثَّانِي صغر سنه لِأَنَّهُ رُبمَا فاق فِي إِدْرَاك الصَّوَاب الكهول والمشايخ وَقد كَانَ يُقَال علمكُم بآراء الْأَحْدَاث ومشاورة الشَّبَاب فَإِن لَهُم أذهانا تقل الفواصل وتتحطم الذوابل
شَاهد إقتداء
قَالَ الزُّهْرِيّ كَانَ مجْلِس عمر رضي الله عنه غاصا بالعلماء والقراء كهولا كَانُوا أَو أشبانا وَرُبمَا استشارهم فَكَانَ يَقُول لَا يمْنَع أحدكُم حَدَاثَة سنة أَن يُشِير بِرَأْيهِ فَإِن الرَّأْي لَيْسَ على حَدَاثَة السن وَلَا على قدمه وَلَكِن أَمر بضعه الله حَيْثُ يَشَاء
أَعْلَام
من الْحُكَمَاء من أوقف الِاعْتِبَار بِرَأْي الْأَحْدَاث على تعقب الْمَشَايِخ فَفِي الأفلاطونيات
إِذا احتجت إِلَى المشورة فِي طَارِئ عَلَيْك فاستشر ببدايته الصغار ورد إِلَى الْمَشَايِخ لعقبه وَحسن الِاخْتِيَار فِيهِ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِيمَا عَلَيْهِ عِنْد إِشَارَته أما على الْجُمْلَة وَيفهم مِمَّا تقدم فبذل الوسع فِي النَّصِيحَة وأعمال الْفِكر فِي اسْتِخْرَاج زبدتها أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيّ محتجبا بقوله صلى الله عليه وسلم الدّين النَّصِيحَة قَالُوا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وأمتهم رَوَاهُ مُسلم عَن تَمِيم الدَّارِيّ رضي الله عنه المستشار مؤتمن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغير وَاحِد عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه وَأما بِاعْتِبَار السُّلْطَان فَعَلَيهِ فِي ذَلِك جملَة وظائف
الْوَظِيفَة الأولى أَن يُبَالغ فِي إرشاده بِجَمِيعِ مَا لَهُ وَعَلِيهِ قَضَاء لواجب النصح وَالْأَمَانَة فَفِي الأفلاطونيات على مشاور الْملك أَن يرشده ويسدده نَحْو الْحق الَّذِي لَهُ وَإِن صَعب عَلَيْهِ عنانه أطلقهُ نَحْو شهواته الْخَاصَّة بِهِ وألجمه عَم الْعَامَّة لِأَن الْعَامَّة تولد عَلَيْهِ سوء الْمنطق وتسير الْعَامَّة والخاصة بِهِ إِنَّمَا هِيَ بَهِيمَة لَازِمَة لنَفسِهِ
الْوَظِيفَة الثَّانِيَة أَن يعْمل غَايَة اجْتِهَاده مَخَافَة الْخَطَأ الَّذِي لَا أسْرع مِنْهُ ضَرَرا فَفِيهَا أسْرع الْأَشْيَاء ضَرَرا الْخَطَأ فِي السَّفِينَة وَفِي مجَالِس الْمُلُوك وَفِي مناجزة الحروب
قلت وَالْخَطَأ من الْملك وَحده كَذَلِك إِذْ الْمَعْنى وَاحِد فَفِيهَا أَيْضا لَيْسَ الْخَطَأ بِأحد اقبح مِنْهُ بِالْملكِ وَلَا أضرّ مِنْهُ جملَة النَّاس لِأَنَّهُ يُحَرك الْكل إِلَى نظام رَدِيء وتفسد نفوس من فِيهِ
الْوَظِيفَة الثَّالِثَة أَن لَا ينحط فِي هَوَاهُ ويماشيه فِي أغراضه
وَقد كَانَ عمر بن هُبَيْرَة يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من صُحْبَة من غَايَته خَاصَّة نَفسه دون غَيره والانحطاط فِي هوى مستشيره وَمن لَا يلْتَمس خَالص مودتي إِلَّا بالتأني لموافقة شهوتي وَمن يساعدني على سرُور سَاعَتِي وَلَا يفكر فِي عواقب عدلي
الْوَظِيفَة الرَّابِعَة إِن تُشِير باستصلاح مَا شور فِيهِ لَا بأعمال وَاجِب المواخذة عَلَيْهِ فَفِي الأفلاطونيات إِذا شاور الْملك فِي قوم فحركه على استصلاحهم ول تتعمد هفواتهم فَإِن خطأك فِي الحض على الْإِحْسَان اسْلَمْ من خطأك فِي التحريك على الْإِسَاءَة
الْوَظِيفَة الْخَامِسَة أَن يلقى مَا يسير بِهِ عِنْد ظُهُور حَاجَة السُّلْطَان إِلَيْهِ كالراغب لَهُ فِي الْقبُول كَأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاج غلى سَماع كَلَامه لَا السُّلْطَان إِلَى غَرَضه عَلَيْهِ فَفِيهَا إِذا شاوروك من الرؤساء من قد وقفت على فاقته إِلَى رَأْيك فَلَا تكَلمه بِكَلَام أَمر وَلَا مشاور وَأخرج كلامك فِي معرض متفهم مِنْهُ مَا سنح لَك وليرى فِيك الْحَاجة فِي عرض كلامك عَلَيْهِ فَإِن خطأك فِي حماده أَكثر من خطاه فِي قبُول مَا احْتَاجَ إِلَيْك فِيهِ
تَعْرِيف من حَرَكَة المشاورين من طلب إِلْقَاء مَا يظْهر لَهُ فِي خلْوَة من أَصْحَابه خشيَة مَا يتقى فِي كشف السِّرّ الْعَظِيم الْخطر بَينهم فَفِي سير