الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَاعِدَة التَّاسِعَة
الرِّفْق
وفيهَا مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَحَقِيقَته محاولة الْأُمُور بِأَقَلّ مِمَّا تحصل بِهِ وَفِي أَكثر من الْمدَّة تكون فِيهِ وَهُوَ التأني
قَالَ الْغَزالِيّ وَهُوَ ثَمَرَة لَا يثمرها إِلَّا حسن الْخلق وَلذَلِك أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَالغ فِيهِ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من الْوَارِد فِي هَذِه الْمُبَالغَة أَمْرَانِ
أَحدهمَا محبَّة الله تَعَالَى فِيهِ مَعَ جمال الْأَمر بِهِ وردا وصدرا
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضي الله عنه قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله رَفِيق يجب الرِّفْق
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ مَا كَانَ الرِّفْق فِي شَيْء إِلَّا زانه وَلَا كَانَ الْخرق فِي شَيْء إِلَّا شانه وَإِن الله رَفِيق يحب الرِّفْق رَوَاهُ الْبَزَّاز
الثَّانِي إِعْطَاء الله تَعَالَى بِهِ فِي مَقَاصِد الْأَعْمَال مَالا يُعْطي على غَيره فَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله عز وجل ي يُعْطي على الرِّفْق مَالا يُعْطي على الْخرق وَإِذا أحب الله عبدا أعطَاهُ الرِّفْق وَمَا من أهل بَيت يحرمُونَ الرِّفْق إِلَّا حرمُوا الرزق
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَأوجب مَا هُوَ على الْوُلَاة فَإِنَّهُ وَاجِب عَلَيْهِم أَن ينفذوه من غَيرهم
قلت وَيَكْفِي فِي ذَلِك دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن أَحْسنُوا بِهِ الملكة وَعَلَيْهِم إِن سَارُوا فِي الرّعية بخلافة فَفِي الصَّحِيح عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ من ولي من أَمر أمتِي شَيْئا فشق عَلَيْهِم فأشفق عَلَيْهِ وَمن ولي من أَمر أمتِي شَيْئا فرفق بهم فأرفق بِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَرَوَاهُ ابْن عوَانَة فِي صَحِيحه وَقَالَ فِيهِ وَمن ولي مِنْهُم شَيْئا فشق عَلَيْهِم فَعَلَيهِ مهلة الله قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا مهلة الله قَالَ لعنة الله
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة لَا يفهم من مدح الرِّفْق الْأَخْذ بِهِ فِي كل مَوضِع بل حَيْثُ
قَالَ زِيَاد لأَصْحَابه أَتَدْرُونَ مَا الرِّفْق قَالُوا قل يَا أَبَا مُحَمَّد قَالَ أَن تضع الْأُمُور موَاضعهَا الشدَّة فِي موضعهَا واللين فِي مَوْضِعه وَالسيف فِي مَوْضِعه وَالسَّوْط فِي مَوْضِعه
قَالَ الْغَزالِيّ وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَنه لَا بُد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق كَمَا قيل
(وَوضع الندى فِي مَوضِع السَّيْف بالعلى
…
مُضر كوضع السَّيْف فِي مَوضِع الندى) الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة الْمعرفَة بِوَضْع الْأُمُور موَاضعهَا يحْتَاج إِلَى فضل تَمْيِيز وَمن ثمَّ قَالَ الْغَزالِيّ الْكَامِل من يُمَيّز مواقع الرِّفْق عَن مواقع العنف فَإِن كَانَ قَاصِر البصيرة أَو أشكل عَلَيْهِ حكم وَاقعَة فَلْيَكُن ميله إِلَى الرِّفْق فَإِن النجع مَعَه فِي الْأَكْثَر
قلت وَقد قَالُوا التَّقْصِير مَذْمُوم فِي الْعَفو مَحْمُود فِي الْعقُوبَة فِي قَضِيَّة وَاحِدَة
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْوَصْف أدْرك وَبلغ مَا أحسن الْإِيمَان يُوفيه الْعلم وَمَا أحسن الْعلم يُوفيه الْعَمَل وَأحسن الْعَمَل يُوفيه الرِّفْق
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من الْمَنْقُول فِي أَخْبَار الْأَخْذ فِي الرِّفْق حكايتان
الْحِكَايَة الأولى رُوِيَ أَن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه كتب إِلَى مُعَاوِيَة رضي الله عنه يعاتبه فِي التأني فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة أما بعد فَإِن التأني فِي الْخَبَر زِيَادَة رشد وَإِن الرشيد من رشد عَن العجلة وَإِن الخائب من خَابَ عَن الأناة وَإِن المتأني مُصِيب أَو كَاد أَن يكون مصيبا وَإِن الْعجل مخطيء أَو كَاد أَن يكون مخطئا وَأَن من لَا يَنْفَعهُ الرِّفْق يضرّهُ الْخرق وَمن لَا تَنْفَعهُ التجارب لَا يدْرك الْمَعَالِي
الْحِكَايَة الثَّانِيَة قَالَ ابْن رضوَان من الإفراط فِي الرِّفْق وإعانة الضَّعِيف
الْحِكَايَة الْمَشْهُورَة عَن المعتصم وَهِي أَنه عبر من سر من رأى إِلَى الْجَانِب الغربي فِي يَوْم مطير قد تبع لَيْلَة مطيرة وَانْفَرَدَ من أَصْحَابه وَإِذا حمَار قد زلق وَرمى مَا عَلَيْهِ من الشوك الَّذِي يُوقد بِهِ التنانير فِي الْعرَاق وَصَاحبه شيخ كَبِير ضَعِيف وَاقِف ينظر إنْسَانا يمر بِهِ فيعينه على حَملَة فَوقف عَلَيْهِ وَقَالَ مَالك يَا شيخ قَالَ فديتك وَقع حماري وَعَلِيهِ هَذَا الْحمل وَبقيت أنْتَظر إنْسَانا فيعينني على حمله فَنزل وَذهب ليخرج الْحمار من الطين فَقَالَ الشَّيْخ جعلت فدَاك تفْسد ثِيَابك هَذِه وطيبك هَذَا الَّذِي أشمه عَلَيْك من أجل حماري قَالَ لَا عَلَيْك فَنزل المعتصم وجذب الْحمار بيد وَاحِدَة فَأخْرجهُ عَن الطين وَرفع عَلَيْهِ حمله وَحده فبهت الشَّيْخ وَجعل ينظر إِلَيْهِ ويعجب مِنْهُ وَقد ترك الإشتغال بحماره ثمَّ شدّ المعتصم بعنان فرسه فَقَالَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنْك وَقَالَ بالنبطية مَا مَعْنَاهُ فديتك يَا شَاب وَأَقْبَلت الْخُيُول فَقَالَ لبَعض وزرائه أعْط هَذَا الشَّيْخ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَكن مَعَه حَتَّى يبلغ قريته