الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من حكايات الْجُبَنَاء مَا يرْوى أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه سَأَلَ عَمْرو بن معدي كرب فَقَالَ يَا عمر أَخْبرنِي عَن أجبن مَا لقِيت وأجهل من لقِيت وَأَشْجَع من لقِيت فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كنت أشن الغارات فَرَأَيْت فَارِسًا لابسا لَامة حربه وَهُوَ رَاكب على فرسه فَقلت يَا بني خُذ حذرك فَأَنا قَاتلك لَا محَالة فَقَالَ لي وَمن تكون فَقلت عَمْرو بن معدي كرب فَسكت ودنوت مِنْهُ فَوَجَدته قد مَاتَ فَهَذَا أجبن من لَقيته ثمَّ ذكر أَجْهَل وَأَشْجَع من لَقِي ذكر ذَلِك الغرناطي وَغَيره
الْقَاعِدَة الرَّابِعَة
الْعِفَّة
وفيهَا مسَائِل الْمَسْأَلَة الأولى تقدم أَنَّهَا من جملَة أصُول الْأَخْلَاق وَأَنَّهَا فَضِيلَة النَّفس الشهوانية الَّتِي قَصدهَا بَقَاء صور الْإِنْسَان بشخصه أَو نَوعه وَمن هُنَاكَ يَتَّضِح أَن وجودهَا فِيهِ لَيْسَ بِمُجَرَّد الْكَثْرَة فَقَط من حَيْثُ هِيَ لَذَّة عاجلة بل لذَلِك الْقَصْد الَّذِي هُوَ أصل مَشْرُوعِيَّة النِّكَاح ولقياس لَذَّة الْآخِرَة على هَذِه اللَّذَّة الَّتِي هِيَ آثر لذات الْجَسَد فِي دَار الدُّنْيَا
المسالة الثَّانِيَة حَقِيقَتهَا كَمَا سبق الْخلق الَّذِي يصدر بِهِ الْفِعْل الْمُتَوَسّط بَين فعلي الْفُجُور والخمود فَمَتَى اعتدلت النَّفس الشهوانية بِهَذَا التَّوَسُّط ثَبت
لَهَا هَذِه الْفَضِيلَة وَإِن انحرفت إِلَى طرف الإفراط فَهُوَ الْفُجُور أَو إِلَى طرف التَّفْرِيط فَهُوَ الخمود والفتور وَكِلَاهُمَا مَذْمُوم كَمَا سلف
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة المُرَاد بِالْفُجُورِ هُنَا مَا يجر إِلَيْهِ قهرا إفراط الشَّهْوَة لوازع الدّين فَإِن قهر الْعقل فَقَط فَهُوَ الْإِسْرَاف وَذمَّة دون ذمّ الْفُجُور لتَفَاوت مَا بَين مفاسدها فَإِن قلت أما مفاسد الْفُجُور وَالْعجز فَمَا مفاسد الْإِسْرَاف فِي غير حرَام قلت يَكْفِي مِنْهَا فِي هَذَا الْموضع مَا أُشير إِلَيْهِ فِي سياسة أرسطو لَا تمل إِلَى النِّكَاح فَإِنَّهُ من طباع الْخَنَازِير الدَّوَابّ أَكثر فِيهِ مِنْك وَهُوَ يهْلك الْجِسْم ويقي الْبدن وَينْقص الْعُمر ويسلط النِّسَاء عَلَيْك
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة السَّعْي فِي إخماد الشَّهْوَة بِتَحْرِيم مَا يحفظ قوتها مَمْنُوع لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} إِلَى قَوْله {أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي إِذا أصبت الحم انتشرت إِلَى النِّسَاء وأخذتني شهوتي فَحرمت عَليّ اللَّحْم فَنزلت الْآيَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
وَفِي الصَّحِيح رد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم التبتل فِي قصَّة عُثْمَان ابْن مَظْعُون وَلَو أذن لَهُ لاختصينا
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من الْوَارِد على ارْتِكَاب الْفُجُور وعيدان
الْوَعيد الأول رفع اسْتِصْحَاب الْإِيمَان حَالَة الْوُقُوع فِيهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لايزني الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن زَاد النَّسَائِيّ فَإِذا فعل ذَلِك خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
الْوَعيد الثَّانِي إِنْزَال الْمصر عَلَيْهِ منزلَة عَبدة الْأَصْنَام والطواغيت فَفِي الحَدِيث عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُقِيم على الزِّنَا كعابد وثن وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ وَقد صَحَّ أَن مدمن الْخمر إِذا مَاتَ لَقِي الله كعابد وثن وَلَا شكّ أَن الزِّنَا أَشد وَأعظم عِنْد الله من شرب الْخمر وَالله أعلم
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة مَا يدل على فضل الْعِفَّة عَنهُ حَتَّى فِي النّظر الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ وَجْهَان
أَحدهمَا دُخُول الْجنَّة جَزَاء عَلَيْهَا وثوابا فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا شُبَّان قُرَيْش احْفَظُوا فروجكم لَا تَزْنُوا أَلا من حفظ فرجه دخل الْجنَّة رَوَاهُ الْحَاكِم وَفِي رِوَايَة أُخْرَى
يَا فتيَان قُرَيْش لَا تَزْنُوا فَإِنَّهُ من سلم لَهُ شبابه دخل الْجنَّة
الثَّانِي تَعْرِيض تَارِك النّظر للوازع الشَّرْعِيّ بِالْإِيمَان يجد لَهُ حلاوة
فِي قلبه فَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن ربه عز وجل النظرة سهم مَسْمُوم من سِهَام إِبْلِيس من تَركهَا مخافتي أبدلته إِيمَانًا يزِيد حلاوته فِي قلبه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
شَهَادَة فتح
قَالَ الْغَزالِيّ وَهَذَا شَيْء مجرب علمه وتحققه لمن عمل بِهِ إِذا امْتنع عَن النّظر إِلَى الْمحرم يجد لَذَّة الْعِبَادَة وحلاوة وللقلب صفوة لم يجدهَا قبل ذَلِك
وَقد أحسن الْقَائِل
(وَأَنت إِذا أرْسلت طرفك رائدا
…
لقلبك يَوْمًا أتعبتك المناظر)
(رَأَيْت الَّذِي لَا كُله أَنْت قَادر
…
عله وَلَا عَن بعضه أَنْت صابر)
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْوَصْف وَفِي ذمّ الشَّهْوَة
الْعِفَّة زِينَة الْفَقِير
الْفَاحِشَة عَار الْأَبَد وعقوبة غَد
أقبح الشره الشره على الطَّعَام وَالْجِمَاع
النَّفس الَّتِي غلبت عَلَيْهَا الشَّهْوَة والالتذاذ لَا تُؤثر حسن الذّكر لِأَنَّهَا لَا ترى الْفضل إِلَّا فِيمَا التذت بِهِ لَذَّة خسيسة من أرْضى الْجَوَارِح بالشهوة فقد غرس فِي قلبه شَجَرَة الندامة
من أَرَادَ شهوات الدُّنْيَا فليتهيأ للذل
من اشتاق إِلَى الْجنَّة سلا عَن الشَّهَوَات
من أطَاع الشَّهْوَة خذلته عَن الرُّجُوع إِلَى ربه فِي دفع المكاره وَجَعَلته خَادِمًا لمن كَانَ يجب أَن يستخدمه ومقدما لمن كَانَ يجب أَن يقدمهُ
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة الحكايات عَن المعصومين بالعفة كَثِيرَة وَحكى من ذَلِك خبران
الْخَبَر الأول عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حَدِيثا لم أسمعهُ إِلَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو مَرَّات وَلَكِن سمعته أَكثر من ذَلِك سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول كَانَ الكفل من بني إِسْرَائِيل وَكَانَ لَا يتورع من ذَنْب عمله فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارا على أَن يَطَأهَا فَلَمَّا قرب مِنْهَا ارتعدت وبكت فَقَالَ لَهَا مَا يبكيك قَالَت هَذَا عمل مَا عملته قطّ وَلَا حَملَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجة بِالدَّرَاهِمِ وأخاف عُقُوبَة الله فَقَالَ لَهَا تفعلين هَذَا من مَخَافَة الله وَأَنت لم تفعليه قطّ فَأَنا أَحَق بالخوف اذهبي فلك مَا أَعطيتك وَالله لَا أعصيه بعد هَذَا أبدا فَمَاتَ من ليلته فَأصْبح مَكْتُوبًا على بَابه إِن الله قد غفر للكفل فَعجب النَّاس من ذَلِك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
الْخَبَر الثَّانِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول انْطلق ثَلَاث نفر مِمَّن كَانَ قبلكُمْ حَتَّى آواهم الْمبيت إِلَى غَار فدخلوه فانحدرت صَخْرَة من الْجَبَل فَسدتْ عَلَيْهِم الْغَار فَقَالُوا إِنَّه لَا ينجيكم من هَذِه الصَّخْرَة إِلَّا أَن تدعوا الله بِصَالح أَعمالكُم فَمَا انفرجت الصَّخْرَة حَتَّى قَالَ أحدهم كَانَ لي ابْنة عَم كَانَت أحب النَّاس إِلَيّ فراودتها عَن نَفسهَا فامتنعت مني حَتَّى أَتَت بهَا سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها مائَة دِينَار على أَن تخلي بيني وَبَين نَفسهَا فَفعلت حَتَّى إِذا قعدت بَين رِجْلَيْهَا قَالَت لَا يحِق لَك أَن تفض الْخَاتم إِلَّا بِحقِّهِ فَقُمْت عَنْهَا بِغَيْر وقاع عَلَيْهَا فَانْصَرَفت عَنْهَا وَهِي أحب النَّاس إِلَيّ وَتركت الذَّهَب الَّذِي أعطيتهَا اللَّهُمَّ إِنِّي كنت فعلت هَذَا ابْتِغَاء وَجهك فَفرج عَنَّا مَا نَحن فِيهِ فانفرجت الصَّخْرَة