المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْحِكَايَة الثَّانِيَة روى عَن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن ملكا - بدائع السلك في طبائع الملك - جـ ١

[ابن الأزرق]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌بَدَائِع السلك فِي طبائع الْملك

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌الْكتاب الأول

- ‌النّظر الأول

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌النّظر الثَّالِث

- ‌الطّرف الأول

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌الطّرف الثَّالِث

- ‌الْكتاب الثَّانِي

- ‌الرُّكْن الأول

- ‌الرُّكْن الثَّانِي

- ‌الرُّكْن الثَّالِث

- ‌الرُّكْن الرَّابِع

- ‌الرُّكْن الْخَامِس

- ‌الرُّكْن السَّادِس

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌الرُّكْن الثَّامِن

- ‌الرُّكْن التَّاسِع

- ‌الرُّكْن الْعَاشِر

- ‌الرُّكْن الْحَادِي عشر

- ‌الرُّكْن الثَّانِي عشر

- ‌الرُّكْن الثَّالِث عشر

- ‌الرُّكْن الرَّابِع عشر

- ‌الرُّكْن الْخَامِس عشر

- ‌الرُّكْن السَّادِس عشر

- ‌الرُّكْن السَّابِع عشر

- ‌الرُّكْن الثَّامِن عشر

- ‌الرُّكْن التَّاسِع عشر

- ‌الرُّكْن الْعشْرُونَ

- ‌الْكتاب الثَّالِث

- ‌الْكتاب الرَّابِع

- ‌الْمُقدمَة الأولى فِي تَقْرِير مَا يوطىء للنَّظَر فِي الْملك عقلا وَفِيه عشرُون سَابِقَة

- ‌السَّابِقَة الأولى

- ‌السَّابِقَة الثَّانِيَة

- ‌السَّابِقَة الثَّالِثَة

- ‌السَّابِقَة الرَّابِعَة

- ‌السَّابِقَة الْخَامِسَة

- ‌السَّابِقَة السَّادِسَة

- ‌السَّابِقَة السَّابِعَة

- ‌برهَان وجود

- ‌السَّابِقَة الثَّامِنَة

- ‌تمهيد قَالَ ابْن خلدون

- ‌السَّابِقَة التَّاسِعَة

- ‌السَّابِقَة الْعَاشِرَة

- ‌السَّابِقَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌بَيَان الأول

- ‌بَيَان ثَانِي

- ‌تَنْبِيه

- ‌السَّابِقَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌استظهار

- ‌السَّابِقَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌اعْتِبَار بالخليفة

- ‌برهَان وجود

- ‌السَّابِقَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌عاطفة اعْتِبَار

- ‌السَّابِقَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌اعْتِبَار

- ‌السَّابِقَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الْعشْرُونَ

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌فِي تمهيد أصُول من الْكَلَام فِي الْملك شرعا

- ‌الْفَاتِحَة الأولى

- ‌الْفَاتِحَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَاتِحَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَاتِحَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّادِسَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّابِعَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّامِنَة

- ‌وَقَاعِدَة

- ‌الْفَاتِحَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌استظهار

- ‌الْفَاتِحَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌تَنْزِيل

- ‌الْفَاتِحَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الْعشْرُونَ

- ‌الْكتاب الأول

- ‌فِي حَقِيقَة الْملك والخلافة وَسَائِر أنولع الرياسات وَسبب وجود ذَلِك وَشَرطه

- ‌فِي حَقِيقَة الْملك والخلافة وَسَائِر أَنْوَاع الرياسات

- ‌وَفِيه مسَائِل

- ‌النّظر الأول

- ‌فِي حَقِيقَة الْخلَافَة

- ‌الرياسة الأولى

- ‌رياسة كوهن

- ‌الرياسة الثَّانِيَة

- ‌رياسة البابا

- ‌عاطفة تَكْمِيل

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الرياسة غير الشَّرْعِيَّة

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌فِي شَرط وجوب الْملك وَهِي

- ‌العصبية أَو مَا يقوم مقَامهَا

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌تَصْدِيق بواقعين

- ‌اعْتِبَار

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌بَيَان الْعَكْس

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌مزِيد اعْتِبَار

- ‌بَيَان الثَّانِي من وَجْهَيْن

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْمقَام الأول

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ

- ‌الطّرف الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي صفة الحروب

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي تعبئة العساكر

- ‌تَنْبِيه

- ‌تَكْمِيل

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي ضرب المصاف وَرَاء العساكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي مَكَائِد مَا قبل الْقِتَال وآدابه

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِيمَا يخدع بِهِ الْعَدو عِنْد الْقِتَال

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي مَكَائِد حِصَار المدن والحصون

- ‌فِي الْأَفْعَال الَّتِي تُقَام بهَا صُورَة الْملك ووجوده

- ‌الرُّكْن الأول

- ‌نصب الْوَزير

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌الْموضع الأول الْمشرق

- ‌الْموضع الثَّانِي فِي الْمغرب وَذَلِكَ فِي دوَل

- ‌الْمطلب الأول

- ‌فِي شُرُوطه الضرورية والمكملة

- ‌الْمطلب الثَّالِث

- ‌الرُّكْن الثَّانِي

- ‌إِقَامَة الشَّرِيعَة

- ‌تركيب

- ‌تَنْبِيه

- ‌الرُّكْن الثَّالِث

- ‌إعداد الْجند

- ‌الْعِنَايَة الثَّالِثَة

- ‌فِي اخْتِيَار قَائِم الْجند ورئيسه

- ‌الرُّكْن الرَّابِع

- ‌حفظ المَال

- ‌وَفِيه مسَائِل

- ‌الرُّكْن الْخَامِس

- ‌تَكْثِير الْعِمَارَة

- ‌الرُّكْن السَّادِس

- ‌إِقَامَة الْعدْل

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌تَوْلِيَة الخطط الدِّينِيَّة

- ‌الخطة الأولى

- ‌إِمَامَة الصَّلَاة

- ‌الخطة الثَّانِيَة

- ‌الْفتيا

- ‌الخطة الثَّالِثَة

- ‌التدريس

- ‌الخطة الرَّابِعَة

- ‌الْقَضَاء

- ‌الخطة الْخَامِسَة

- ‌الْعَدَالَة

- ‌الخطة السَّادِسَة

- ‌الْحِسْبَة

- ‌الخطة السَّابِعَة

- ‌السِّكَّة

- ‌الرُّكْن الثَّامِن

- ‌تَرْتِيب الْمَرَاتِب السُّلْطَانِيَّة

- ‌ الحجابة

- ‌الْمرتبَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌نَوَادِر

- ‌الْمرتبَة الثَّانِيَة

- ‌الْكِتَابَة

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمرتبَة الثَّالِثَة

- ‌ديوَان الْعَمَل والجباية

- ‌الْمرتبَة الرَّابِعَة

- ‌الشرطة

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌رِعَايَة السياسة

- ‌الرُّكْن الْعَاشِر

- ‌وَفِيه مُقَدمَات ومقامات

- ‌الْمقَام الأول

- ‌المستشير

- ‌الْمقَام الثَّانِي

- ‌المستشار

- ‌الْمقَام الثَّالِث

- ‌المستشار فِيهِ

- ‌الْمقَام الرَّابِع

- ‌الرُّكْن الْحَادِي عشر

- ‌بذل النَّصِيحَة

- ‌الرُّكْن الثَّانِي عشر

- ‌إحكام التَّدْبِير

- ‌الرُّكْن الثَّالِث عشر

- ‌تَقْدِيم الْوُلَاة والعمال

- ‌الرُّكْن الرَّابِع عشر

- ‌إتخاذ البطانة وَأهل الْبسَاط

- ‌الرُّكْن الْخَامِس عشر

- ‌تنظيم الْمجْلس وعوائده

- ‌الرُّكْن السَّادِس عشر

- ‌تَقْرِير الظُّهُور والاحتجاب

- ‌وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْمَمْنُوع مِنْهُ

- ‌الرُّكْن السَّابِع عشر

- ‌رِعَايَة الْخَاصَّة والبطانة

- ‌الرُّكْن الثَّامِن عشر

- ‌ظُهُور الْعِنَايَة بِمن لَهُ حق أَو فِيهِ مَنْفَعَة

- ‌الصِّنْف الثَّالِث

- ‌الصالحون

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌مُكَافَأَة ذَوي السوابق

- ‌الرُّكْن الْعشْرُونَ

- ‌تخليد مفاخر الْملك ومآثره

- ‌الْبَاب الثَّانِي

- ‌فِي الصِّفَات الَّتِي تصدر بهَا تِلْكَ الْأَفْعَال على أفضل نظام

- ‌ الْعقل

- ‌الْقَاعِدَة الأولى

- ‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْعلم

- ‌الْقَاعِدَة الثَّالِثَة

- ‌الشجَاعَة

- ‌الْقَاعِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْعِفَّة

- ‌الْقَاعِدَة الْخَامِسَة

- ‌السخاء والجود

- ‌الْمنْهَج الأول

- ‌الْمِنْهَاج الثَّانِي

- ‌الْقَاعِدَة السَّادِسَة

- ‌الْحلم

- ‌الْقَاعِدَة السَّابِعَة

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌فِي الْغَضَب

- ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْعَفو

- ‌الْقَاعِدَة التَّاسِعَة

- ‌الرِّفْق

- ‌الْقَاعِدَة الْعَاشِرَة

- ‌اللين

- ‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْوَفَاء بالوعد

- ‌الْقَاعِدَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الصدْق وضده وَهُوَ الْكَذِب

- ‌الْقَاعِدَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌كتم السِّرّ

- ‌الْقَاعِدَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الحزم

- ‌الْقَاعِدَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الدهاء والتغافل

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌فِي التغافل

- ‌الْقَاعِدَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌التَّوَاضُع

- ‌الْمطلب الثَّانِي

- ‌فِي الْكبر

- ‌الْمطلب الثَّانِي

- ‌فِي الْعجب

- ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌سَلامَة الصَّدْر من الحقد والحسد

- ‌الطّرف الأول

- ‌فِي الحقد

- ‌الْقَاعِدَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الصَّبْر

- ‌الْقَاعِدَة الْعشْرُونَ

- ‌الشُّكْر

- ‌النَّوْع الأول

- ‌الْقلب

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌اللِّسَان

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌الأذنان

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْبَصَر

- ‌النَّوْع الْخَامِس

- ‌اليدان

- ‌النَّوْع السَّادِس

- ‌الرّجلَانِ

- ‌النَّوْع السَّابِع

- ‌الْفرج

- ‌النَّوْع الثَّامِن

- ‌الْبَطن

الفصل: الْحِكَايَة الثَّانِيَة روى عَن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن ملكا

الْحِكَايَة الثَّانِيَة روى عَن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن ملكا خرج يسير فِي مَمْلَكَته مستخفيا بمكانه فَنزل على رجل لَهُ بقرة فراحت الْبَقَرَة فحلبت قدر قُلَّتَيْنِ فَعجب الْملك لذَلِك وَحدث نَفسه بأخذها فَلَمَّا راحت من الْغَد خلبت على النّصْف فَقَالَ الْملك مَا بَال حلابها قد نقص أرعت فِي غير مرعاها بالْأَمْس قَالَ لَا وَلَكِن أَظن أَن ملكناهم بأخذها فنقص لَبنهَا فَإِن الْملك إِذا ظلم أَو هم بالظلم ذهبت الْبركَة فعاهد الله فِي نَفسه فراحت من الْغَد فحلبت حلاب قُلَّتَيْنِ فَتَابَ الْملك وَعَاهد ربه لأعدلن مَا بقيت انْتهى

قَالَ الطرطوشي وَهَكَذَا تتعدى سَائِر الْمُلُوك وعزائمهم ومكنون ضمائرهم إِلَى الرَّغْبَة أَن خيرا فَخير وَأَن شرا فشر

‌الرُّكْن السَّادِس

‌إِقَامَة الْعدْل

وَهُوَ أساس مَا تقدم من الْأَركان وَقَاعِدَة مبناها وَقد سبق أَنه لَا عمَارَة إِلَّا بِالْعَدْلِ قَالُوا فَصَارَ الْعدْل أساس الْجَمِيع والشكل الدوري الَّذِي وَضعه ارسطو وَأعظم القَوْل فِيهِ شَاهد بذلك وَهُوَ قَوْله الْعَالم ستان سياجه الدولة الدولة سُلْطَان تحيا بِهِ النُّفُوس السّنة سياسة يسوسها الْملك الْملك نظام يعضده الْجند الْجند أعوان يكلفهم المَال المَال رزق تجمعه الرّعية الرّعية عبيد يكتنفهم الْعدْل الْعدْل مألوف وَبِه قوام الْعَالم الْعَالم بُسْتَان سياجه الدولة وَهُوَ هَكَذَا مُتَّصِل بعضه بِبَعْض ومرتبط بِهِ

تركيب إِذا تقرر هَذَا فلتلخيص فِي الرُّكْن مسلكان

ص: 229

المسلك الأول فِي الْعدْل وَفِيه مَسْأَلَتَانِ

الْمَسْأَلَة الأولى فِي فَوَائده الدِّينِيَّة وَهِي جملَة

الْفَائِدَة الأولى الْمُسَابقَة بِهِ إِلَى الْمحبَّة من الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة

فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحب النَّاس إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة وأدناهم مِنْهُ مَجْلِسا إِمَام عَادل وَأبْغض النَّاس إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة وأبعدهم مِنْهُ مَجْلِسا إِمَام جَائِر

الْفَائِدَة الثَّانِيَة اسْتِحْقَاق التَّقَدُّم على من يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله إِمَام عَادل وشاب نَشأ فِي عبَادَة الله وَرجل مُعَلّق قلبه بالمساجد ورجلان تحابا فِي الله اجْتمعَا عَلَيْهِ وتفرقا عَلَيْهِ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال فَقَالَ لَا إِنِّي أَخَاف الله وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ

قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بدأبه لعلو مرتبته

الْفَائِدَة الثَّالِثَة اسْتِحْقَاق الْعُلُوّ بِهِ على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن وكلتا يَدَيْهِ يَمِين فَفِي الصَّحِيح عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن المقسطين عِنْد الله تَعَالَى على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن وكلتا يَدَيْهِ يَمِين الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهلهم وَمَا ولدُوا

الْفَائِدَة الرَّابِعَة إِجَابَة الدُّعَاء فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا ترد دعوتهم الصَّائِم حَتَّى يفْطر وَالْإِمَام الْعَادِل ودعوة الْمَظْلُوم يرفعها الله فَوق الْغَمَام وتفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وَيَقُول الرب وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنصرنك وَلَو بعد حِين

ص: 230

الْفَائِدَة الْخَامِسَة ضَمَان الْجنَّة بِهِ فَفِي الصَّحِيح عَن حَمَّاد رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أهل الْجنَّة ثَلَاثَة ذوسلطان مقسط وَرجل رَحِيم رَقِيق الْقلب لكل ذِي قربى مُسلم وعفيف متعفف ذُو عِيَال

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مَصَالِحه الدُّنْيَوِيَّة وَهِي جملَة

الْمصلحَة الأولى ظُهُور رُجْحَان الْعقل بِهِ قيل لبَعْضهِم من أرجح الْمُلُوك عقلا وأكملهم أدبا وفضلا قَالَ من صحب أَيَّامه بِالْعَدْلِ وتحرز جهده من الْجور وَلَقي النَّاس بالمجاملة وعاملهم بِالْمَسْأَلَة وَلم يُفَارق السياسة مَعَ لين فِي الحكم وصلابة فِي الْحق فَلَا يَأْمَن مَا الجريء بطشه وَلَا يُخَالف البريء سطوته

الْمصلحَة الثَّانِيَة كَمَال النِّعْمَة الطائلة بِهِ

قَالُوا إِذا رَأَيْت الْحُكَّام يتنافسون فِي الْعَدَالَة ويجتنبون الفسوق والجهالة فَتلك نعْمَة طائلة وَإِذا رَأَيْت الْجور فاشيا وَالْعدْل مطرحا مُنْكرا فَتلك نعْمَة زائلة

قلت وَقد تقدم أَن التنافس فِي خلال الْخَيْر من عَلَامَات الترشح للْملك وَبِالْعَكْسِ

الْمصلحَة الثَّالِثَة دوَام الْملك بِهِ فَفِي بعض الحكم أَحَق النَّاس بدوام الْملك وباتصال الْولَايَة أقسطهم بِالْعَدْلِ فِي الرّعية وأخفهم عَنْهَا كلا ومؤونة وَمن أمثالهم من جعل الْعدْل عدَّة طَالَتْ بِهِ الْمدَّة

ص: 231

طَلْحَة على عبد الْملك بن مَرْوَان وَكَانَ الْحجَّاج لما ولي الْحَرَمَيْنِ بعد قتل ابْن الزبير استحضر إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة فقربه وَأعظم مَنْزِلَته فَلم تزل تِلْكَ حَالَة حَتَّى خرج بِهِ إِلَى عبد الْملك فَخرج بِهِ مَعَه معادلا لَهُ لَا يقصر لَهُ فِي بر وَلَا إكرام حَتَّى حضر بَاب عبد الْملك فَلَمَّا دخل عيه لم يبْدَأ بِشَيْء بعد السَّلَام أَن قَالَ لَهُ قدمت عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِرَجُل الْحجاز لم أدع لَهُ بهَا نظيرا فِي الْفضل وَالْأَدب والمروءة وَحسن الْمَذْهَب مَعَ قرَابَة الرَّحِم وَوُجُوب الْحق وَعظم قدر الْأُخوة وَمَا بلوت مِنْهُ فِي الطَّاعَة والنصيحة وَحسن المؤازرة وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة وَقد أحضرته ببابك ليسهل عَلَيْهِ إذنك وتعرف لَهُ مَا عرفتك قَالَ أذكرتنا رحما قريبَة وَحقا وَاجِبا يَا غُلَام أيأذن لَهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ أدناه حَتَّى أجلسه على فرَاشه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْن طَلْحَة إِن أَبَا مُحَمَّد أذكرنا مَا لم نزل نعرفك بِهِ من الْفضل وَالْأَدب وَحسن الْمَذْهَب مَعَ قرَابَة الرَّحِم وَوُجُوب الْحق وَعظم قدر الْأُخوة وبلاده مِنْك بِالطَّاعَةِ وَحسن المؤازرة فَلَا تدعن حَاجَة فِي خاصتك وعامتك إِلَّا ذكرتها فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أولى الْحَوَائِج وأحق مَا قدم بَين يَدي الإِمَام مَا كَانَ لله رضى ولخق نبيه صلى الله عليه وسلم أَدَاء وَلَك فِيهِ ولجماعة الْمُسلمين نصيحة وَعِنْدِي نصيحة لَا أجد بدا من ذكرهَا وَلَا أقدر على ذَلِك وَلَا أَنا خَال فأخلني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ترد عَلَيْك نصيحتي قَالَ دون أبي مُحَمَّد قَالَ دون أبي مُحَمَّد فَقَالَ عبد الْملك للحجاج قُم فَلَمَّا تخطرف السّتْر أقبل عَليّ فَقَالَ يَا ابْن طَلْحَة قل نصيحتك قلت تالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك عَمَدت إِلَى الْحجَّاج فِي تغطرسه وتعجرفه وعده من الْحق وقربه من الْبَاطِل فوليته الْحَرَمَيْنِ وهما هما وَبِهِمَا من بهما من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار والموالي البررة الأخيار يطأهم بالعسف ويسومهم

ص: 231

الْمصلحَة الرَّابِعَة ملك سرائر الرّعية بِهِ فَعَن أفلاطون من قَامَ من الْمُلُوك بِالْعَدْلِ وَالْحق ملك سرائر رعاياه وَمن قَامَ فيهم بالجور والقهر لم يملك إِلَّا الأجساد وَلم يرى إِلَّا المتصنع والقلوب عيه مُخْتَلفَة فَإِن السرائر تطلب من يملكهَا بِالْإِحْسَانِ

الْمصلحَة الْخَامِسَة قِيَامه فِي الأَرْض مقَام الْمَطَر الوابل بل هُوَ أَنْفَع فَمن كَلَامهم سُلْطَان عَادل خير من مطر وابل وَقَالُوا عدل السُّلْطَان خير من خصب الزَّمَان وَفِي بعض الحكم مَا أَمْحَلت أَرض سَالَ عدل السُّلْطَان فِيهَا وَلَا محيت بقْعَة فَاء ظله عَلَيْهَا

المسلك الثَّانِي نقيضه وَهُوَ الْجور وَفِيه مَسْأَلَتَانِ

الْمَسْأَلَة الأولى فِي وعيده الديني والوارد مِنْهُ جملَة

الْوَعيد الأول شدَّة الْعَذَاب عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة فَفِي رِوَايَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة إِمَام جَائِر

قلت وَعَن هَذَا قَالَ طَاوُوس لِسُلَيْمَان بن عبد الْملك هَل تَدْرِي من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة من أشركه الله فِي ملكه فجار فِي حكمه فاستلقى سُلَيْمَان على سَرِيره فَمَا زَالَ باكيا حَتَّى قَامَ جُلَسَاؤُهُ

ص: 232

الْوَعيد الثَّانِي رَجْفَة الصِّرَاط بِأَصْحَابِهِ فَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه أَنه قَالَ مَا أَنا مثن على وَال خيرا جائرهم وعادلهم فَقيل لَهُ لم فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول يُؤْتى بالولاة يَوْم الْقِيَامَة جائرهم وعادلهم فيوقفون على الصِّرَاط فَيُوحِي الله تَعَالَى إِلَى الصِّرَاط فيرجف بهم رَجْفَة لَا يبْقى مِنْهُم جَائِر فِي حكمه وَلَا مرتش فِي قَضَائِهِ وَلَا مُمكن سَمعه لأحد الْخَصْمَيْنِ مَا لم يكن للْآخر إِلَّا مَا زلت قدماه سبعين عَاما فِي جَهَنَّم

الْوَعيد الثَّالِث مَجِيء مقترف الْإِثْم بِهِ وَيَده مغلولة إِلَى عُنُقه فَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ مَا من رجل يَلِي أَمر عشرَة فَمَا فَوق ذَلِك إِلَّا أَتَى الله يَوْم الْقِيَامَة يَده إِلَى عُنُقه فكه بره أَو أوثقه إثمه أَولهَا ملامة وأوسطها ندامة وَآخِرهَا خزي يَوْم الْقِيَامَة

الْوَعيد الرَّابِع التَّعَرُّض بِهِ للعنة الله وسد بَاب الْقبُول دونه فَعَن أبن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَالَ الْأَئِمَّة من قُرَيْش مَا قَامُوا فِيكُم بِثَلَاث مَا إِن استرحموا رحموا ومت أَن حكمُوا عدلوا وَمن أَن قَالُوا أَوْفوا وَمن لم يفعل ذَلِك فعيه لعنة الله وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا

الْوَعيد الْخَامِس حرمَان شَفَاعَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم بشؤمه

ص: 233

فَعَن معقل بن يسَار رضي الله عنه أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجلَانِ من أمتِي لَا تنالهم شَفَاعَتِي إِمَام ظلوم غشوم وغال فِي الدّين مارق مِنْهُ

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مفاسده الدُّنْيَوِيَّة وَهِي جملَة

الْمفْسدَة الأولى فَوَات الطَّاعَة والمحبة فَعَن أزدشير إِذا رغب الْملك عَن الْعدْل رغبت الرّعية عَن الطَّاعَة فَفِي العهود اليونانية وَاعْلَم أَن الطَّاعَة تنقاد المقهر وان الْمحبَّة لَا تنقاد إِلَّا للعدل فغلب الْعدْل على رعيتك تظفر مِنْهُم بالمحبة الْبَاقِيَة بعدلك

الْمفْسدَة الثَّانِيَة فنَاء الْكَرَامَة بِسَبَبِهِ ودثورها فَفِي العهود اليونانية وَاعْلَم أَن كَرَامَة الْخَوْف دَائِرَة وكرامة الْعدْل بَاقِيَة فاختر لنَفسك فَضِيلَة الْعدْل وَبَقَاء الْكَرَامَة

الْمفْسدَة الثَّالِثَة تَقْصِير مُدَّة الْملك وَالسُّلْطَان فَفِي الأفلاطونيات زمَان الجائر من الْمُلُوك أقصر من زمَان الْعَادِل لِأَن الجائر مُفسد والعادل مصلح وإفساد الشَّيْء أسْرع من إِصْلَاحه وَمن كَلَامهم سِتَّة أَشْيَاء لَا ثبات لَهَا ظلّ الْغَمَام وخلة الأشرار وعشق النِّسَاء وَالثنَاء الْكَاذِب وَالسُّلْطَان الجائر وَالْمَال الْكثير

الْمفْسدَة الرَّابِعَة شدَّة الْخَوْف بِسَبَبِهِ وَبِالْعَكْسِ بِالْعَدْلِ كَمَا يرْوى عَن يزدجر آخر مُلُوك الْفرس أَنه بعث رَسُولا إِلَى عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَأمره أَن ينظر فِي شمائله فَلَمَّا دخل الْمَدِينَة قَالَ أَيْن ملككم قَالُوا

ص: 234

لَيْسَ لنا ملك وَإِنَّمَا لنا أَمِير خرج فَخرج الرجل فِي إثره فَوَجَدَهُ نَائِما فِي الشَّمْس ودرته تَحت رَأسه قد عرق جَبينه حَتَّى ابتلت مِنْهُ الأَرْض فَلَمَّا رَآهُ على حَالَته قَالَ عدلت فأمنت فَنمت وصاحبنا جَار فخاف فسهر أشهد أَن الدّين دينكُمْ وَلَوْلَا أَنِّي رَسُول لأسلمت وسأعود إِن شَاءَ الله

الْمفْسدَة الْخَامِسَة ذهَاب الرزق بشؤمه برا وبحر حكى الطرطوشي أَنه كَانَ بصعيد مصر نَخْلَة تحمل عشرَة أرادب وَلم يكن فِي الزَّمَان نَخْلَة تحمل نصف ذَلِك فغصبها السُّلْطَان فَلم تحمل ثَمَرَة وَاحِدَة فِي ذَلِك الْعَام قَالَ وَشهِدت أَنا بالإسكندرية وَالصَّيْد فِي الخليج مُطلق للرعية والسمك فِيهِ يغلي المَاء بِكَثْرَة ويصيده الْأَطْفَال بالخرق ثمَّ حجره السُّلْطَان وَمنع النَّاس من صَيْده فَذهب السّمك مِنْهُ حَتَّى لَا يكَاد يُوجد فِيهِ إِلَّا وَاحِدَة بعد وَاحِدَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا

قلت وَقد سبق أَن الْبركَة ترْتَفع بِمُجَرَّد نِيَّة الظُّلم فَكيف بِهِ الْفِعْل

تَنْبِيه يجب على الرّعية مُلَاحظَة أَن جور السُّلْطَان وعماله نتيجة أَعمالهَا الْحَائِل عَن نهج الصِّرَاط السوي لما سبق من تَقْرِير مَدْلُول قَوْلهم كَمَا تَكُونُوا يُولى عَلَيْكُم وَبِذَلِك أجَاب ابْن الجزار السَّرقسْطِي عَن المستعين بن هود وَقد تشكى إِلَيْهِ بعض رعاياه من بعض عماله

(نسبتم الْجور لعمالكم

ونمتم عَن سوء أعالكم)

(لَا تنسبوا الْجور إِلَيْهِم فَمَا

عمالكم إِلَّا بأعمالكم)

(تا لله لَو ملكتم سَاعَة

لم يخْطر الْعدْل على بالكم)

ص: 235