الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْن خلدون وَلما انقرضت الْخلَافَة وانقلبت ملكا بَعدت الخطط الدِّينِيَّة عَنهُ بعض الشَّيْء لخروجها من ألقابه وَمن اسْمه ثمَّ لما خرج الْأَمر جملَة عَن الْعَرَب وَصَارَ لسواهم من التّرْك والبربر ازدادت بعدا عَنْهُم لِأَن تَعْظِيم الْعَرَب لَهَا مِمَّا يُقَوي الْبَاعِث الديني عَلَيْهِ لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْهُم وَأَن شريعتهم نحلتهم بَين الْأُمَم وَغَيرهم بمعزل عَن ذَلِك إِنَّمَا يولونها جانبا مِنْهُ لما دانوا بِهِ من فِي الْملَّة خَاصَّة فَلَا جرم قلدوها من غير عصبيتهم إِذا كَانَ أَهلا فَقَط وَعند ذَلِك صَار أَهلهَا مستضعفين فِي أهل الْأَمْصَار ولحقهم من الاحتقار مَا يلْحق من بعد عَن الْمُشَاركَة فِي عصبية الدولة وَصَارَ اعتبارهم فِيمَا من آجل قِيَامهَا بالملة لأَنهم الحاملون لأحكامها وَلم يكن إيثارهم إِذْ ذَاك إِكْرَاما لدولتهم بل لما يتلمح من التجمل بمكانهم فِي مجَالِس الْملك فَحسب إِذْ لَا حل لَهُم فِيهَا وَلَا عقد وَإِن حَضَرُوهُ بِحُضُور رسمي لَا حَقِيقَة وَرَاءه انْتهى المُرَاد مِنْهُ
الخطة الْخَامِسَة
الْعَدَالَة
وفيهَا مَسْأَلَتَانِ
الْمَسْأَلَة الأولى
قَالَ ابْن خلدون وَهِي وَظِيفَة دينية تَابِعَة للْقَضَاء حَقِيقَتهَا قيام عَن إِذن القَاضِي بِالشَّهَادَةِ بَين النَّاس فِيمَا لَهُم وَعَلَيْهِم تحملا عِنْد الْأَدَاء وَأَدَاء عِنْد التَّنَازُع وكتابا فِي السجلات لحفظ الْحُقُوق والمعاملات
قلت وَهُوَ حِكْمَة مشروعيتها قَالَه ابْن رَاشد
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
قَالَ ابْن رَاشد هِيَ صناعَة جليلة شريفة وبضاعة عالية منيفة تحتوي على ضبط أُمُور النَّاس على القوانين الشَّرْعِيَّة وَحفظ دِمَاء الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ والاطلاع على أسرارهم وأحوالهم ومجالسة الْمُلُوك والاطلاع على عِيَالهمْ وأمورهم وَبِغير هَذِه الصِّنَاعَة لَا ينَال أحد ذَلِك وَلَا يسْلك هَذِه المسالك
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
قَالَ ابْن خلدون وَشرط هَذِه الْوَظِيفَة الاتصاف بِالْعَدَالَةِ الشَّرْعِيَّة ثمَّ الْقيام بكتب السجلات والعقود من حَيْثُ عباراتها وَأَحْكَام شُرُوطهَا الشَّرْعِيَّة
قلت وَهُوَ معنى قَول ابْن لبَابَة لابد لَهُ من فقه فِي الْوَثِيقَة ليضع فِيهِ كل شَيْء فِي مَوْضِعه وترسيل يحسن بِهِ مساقها وَنَحْو يجْتَنب بِهِ اللّحن
قَالَ وَلأَجل هَذِه الشُّرُوط وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من المران عَلَيْهِ وممارسة لَهُ اخْتصَّ دلك بِبَعْض الْعُدُول وصاروا كَأَنَّهُمْ المختصون بِالْعَدَالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا الْعَدَالَة من شُرُوط اختصاصهم بالوظيفة
المسالة الربعة
قَالَ ابْن المناصف إِذا رأى السُّلْطَان فِي النّظر للْمُسلمين قصر الوثائق على موثوق بِهِ فِي الدّين والمعرفة لقُصُور غَيره عَن ذَلِك فَهُوَ سَائِغ حسن بذلك الشَّرْط لَا لقصد منفعَته بذلك فَقَط وَأَن ذَلِك لهَذَا الْقَصْد فَهُوَ فِيهِ حُرْمَة
قلت هَذَا جَوَاب ابْن عتاب قَائِلا لَا أَكثر الله من أَمْثَال هَذَا الْفَقِيه إِذْ طلب مَالا يحل لَهُ وَإِذ قد طلب ذَلِك فَلَا تجوز إِمَامَته وَلَا شَهَادَته
قَالَ ابْن سهل وَهُوَ مُسْتَند ابْن المناصف وَلَو كَانَ السُّلْطَان قصر الناي على هَذَا الْإِنْسَان لبصره فِي الْعُقُود وثقته لتقصير غَيره عَن إِدْرَاكه فِيهَا وَلم يطْلب هُوَ ذَلِك وَلَا رغب فِيهِ لَكَانَ حسنا انْتهى المُرَاد مِنْهُ
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
قَالَ ابْن خلدون وَيجب على القَاضِي تصفح أَحْوَالهم والكشف عَن يسيرهم رِعَايَة لشرط الْعَدَالَة وَلما يتَعَيَّن عَلَيْهِ من حفظ الْحُقُوق فالعهدة فِي ذَلِك عَلَيْهِ وَهُوَ ضَامِن دركه
قلت فِي تَنْبِيه ابْن المناصف وَقد ذكر أمورا تعقبها على بعض أهل هَذِه الطَّبَقَة قَالَ وَأكْثر مَا ذكر مِنْهَا أَو لم يذكر لَا يُسْتَطَاع الِانْفِصَال عَنهُ إِلَّا باعتناء القَاضِي بِهِ وموالاة الْبَحْث عَنهُ والتعنيف لمن يُوَافقهُ فِيهِ لِأَن مَا يعتاده الْجُمْهُور لَا يصرف عَنهُ توقى الْوَاحِد والاثنين لَهُ وَلَا تَعْلِيم المعلمين وَلَا وعظ الواعظين مَا لم يكن فِيهِ إرهاب من السُّلْطَان فيحق على القَاضِي الاعتناء بِمثلِهِ والتنقيب عَنهُ ورد مسَائِل الشَّرْع إِلَى أُصُولهَا انْتهى مُلَخصا
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة
قَالَ ابْن خلدون إِذا تعين هَؤُلَاءِ لهَذِهِ الْوَظِيفَة عَمت الْفَائِدَة بهم على تَعْدِيل من تخفى عَدَالَته على الْقُضَاة لاتساع الْأَمْصَار واشتباه الْأَحْوَال فيعول عَلَيْهِم غَالِبا فِي الوثوق بِالْبَيِّنَاتِ الْمُضْطَر إِلَيْهَا فِي فصل الْقَضَاء بَين المتنازعين
قَالَ وَلَهُم فِي سَائِر الْأَمْصَار دكاكين ومصاطب يختصون بِالْجُلُوسِ فِيهَا للشَّهَادَة بَين المتعاملين وتقييدها بِالْكتاب
قَالَ وَصَارَ مَدْلُول هَذِه الفظة مُشْتَركا بَين هَذِه الْوَظِيفَة الَّتِي تبين مدلولها وَبَين الْعَدَالَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي هِيَ أُخْت الْجرْح وَقد يتواردان ويفترقان يعرفونه عينا واسما إِن شهدُوا على غَائِب وَإِن لم يكن ذَلِك مَنْصُوصا فِي العقد فَمَتَى لم يكن ذَلِك مَنْصُوصا بَطل العقد فِي مَسْأَلَتي الْمَيِّت وَالْغَائِب بِحَيْثُ ذكر فَأَما على الْحَاضِر وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الْقَرِيب الْغَيْبَة فَإِنَّهُ إِن تضمن العقد ذَلِك وَأنكر الْمُقَوّم عَلَيْهِ جَمِيع مضمنه أعذر إِلَيْهِ فِي الثَّبَات وَإِن لم يضمن العقد ذَلِك وَلَا يعرفونه وَلَا وصلوا أدائهم الشَّهَادَة بِأَنَّهُم يعرفونه وَلَا يعينونه وَقَالُوا هَذَا هُوَ الَّذِي أشهدنا بِهِ العقد وَحضر مجْلِس الحكم وَقَالُوا لَا نَعْرِف أَهَذا أشهدنا أم غَيره بطلت تِلْكَ الشَّهَادَة فَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ يعرف الْغَائِب وَأَنه قريب الْغَيْبَة أَو يعرف ذَلِك وَلم يتَضَمَّن العقد معرفَة شهدائه بِهِ وَلَا يعرفونه سَأَلَ القَاضِي الشُّهُود عَن ذَلِك فَإِن قَالُوا نعرفه وَإِن حضر عَيناهُ خَاطب بِالْعُقُودِ وَذكر ذَلِك بِالْخِطَابِ فَإِذا وصل القَاضِي الْمُخَاطب بِهِ أثْبته وَإِن أنكر الْمُقَوّم عَلَيْهِ أعذر إِلَيْهِ وتوثق بالمضامن أَو الرَّهْن مِنْهُ ريثما يدْفع فِي شَهَادَتهم أَو يَأْتِي بِشَهَادَتِهِم هُوَ أَنه لَيْسَ هُوَ الَّذِي أشهدهم وَإِن قَالَ الشُّهُود أَولا للْقَاضِي لَا نعرفه وَلَا نعوته تحفظ لم يثبت العقد وَلَا خَاطب بِهِ وَالْأَصْل يُرَاعِي فِيهِ أَن يكون نَصه يَقْتَضِي حكما وَيعْتَبر فِيهِ تَارِيخ التَّحَمُّل للشَّهَادَة لَا تَارِيخ أَدَائِهَا فِي حكم مُقْتَضى العقد أبدا وَلَا اعْتِبَار بتاريخ الْأَدَاء إِلَّا فِي مَسْأَلَة طلب حل الأَصْل بِإِثْبَات الْعَدَاوَة من الشُّهُود وَمن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ كَمَا تقدم الذّكر لَهُ