الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا خَفَاء بموقع هَذِه الْوَصَايَا شرعا وسياسة
المسالة الْخَامِسَة من الندوب إِلَيْهِ عِنْد الْقيام من الْمجْلس الإقتداء برَسُول الله صلى الله عليه وسلم فبالذكر الَّذِي كَانَ يَقُوله عِنْد قِيَامه من مَجْلِسه فَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من جلس فِي مجْلِس فَكثر فِيهِ لغطه فَقَالَ قبل أَن يقوم من مَجْلِسه ذَلِك سُبْحَانَهُ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا اله إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا غفر الله لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسه ذَلِك
وَفِي الْحِلْية عَن عَليّ رضي الله عنه من أحب أَن يكتال بالمكيال أَلا وفى فَلْيقل آخر مَجْلِسه أَو حسن يقوم سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ
الرُّكْن السَّادِس عشر
تَقْرِير الظُّهُور والاحتجاب
وَفِيه نظران
النّظر الأول فِي الظُّهُور
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى الظُّهُور الْوَاجِب على السُّلْطَان للنَّظَر فِي سياسة ملكه ورعيته نَوْعَانِ
النَّوْع الأول للعامة وَقد جعله ابْن حزم يَوْمًا فِي الْجُمُعَة قَالَ وَلَا يمْنَع مِنْهُ مشتك كَائِنا من كَانَ
قلت حَاصله اسْتِحْسَان التقليل من مباشرتهم وَهُوَ ظَاهر لأمرين حرج التكثير مِنْهَا وعودا بِضَرَر الْإِنْسَان بِالْمُشَاهَدَةِ فقد قَالَ حكماء الْهِنْد ظُهُور الْملك للعامة يجرئهم عَلَيْهِ ويهون أمره لديهم وَفِي الافلاطونيات يحْتَاج الْملك إِلَى أَن يكون من عامته فِي ستر فَإِنَّهُ إِذا أُنْسُهَا هان عَلَيْهَا قَالَ وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَن طباعها إِن تهين بَعْضهَا بَعْضًا وَلَا توقره فَكل من انبسطت إِلَيْهِ جرى مجْرى بَعْضهَا بعض
النَّوْع الثَّانِي للخاصة الْمُسْتَعَان بهم فِي التَّدْبِير وَقد جعله ابْن حزم أَيْضا سَائِر الْأَيَّام قَالَ وَلَا يسرف على نَفسه لَكِن طرفِي النَّهَار من صَلَاة الصُّبْح إِلَى نَحْو ثَلَاث سَاعَات من النَّهَار وَمن صَلَاة الْعَصْر إِلَى إصفرار الشَّمْس وَيجْعَل وسط نَهَاره لراحة جِسْمه وَالنَّظَر فِي مَاله وَأَهله انْتهى
قلت وأوسع مِنْهُ قَول الجاحظ على الْملك أَن يقسم يَوْمه أقساما أَوله لذكر الله تَعَالَى وتعظيمه وصدره لرعاياه وَإِصْلَاح أمرهَا ووسطه لأكله ومنامه وطرفه لشغله الْخَاص بِهِ ولراحته
قلت وَمن أَخذ فِي الحزم بَالغ فِي ذَلِك جهده
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الْيَوْم الَّذِي يظْهر فِيهِ السُّلْطَان للعامة وَمن النَّاس اسْتحْسنَ فِيهِ عدم تعينه محتجبا بِأُمُور
أَحدهَا أَنه قد يعوقه عَن ذَلِك الْيَوْم عَارض شغل أَو كسل أَو لَذَّة مغتنمة فَيخرج على كره
الثَّانِي أَنه إِذا تخلف فِيهِ لموجب فَيُقَال مرض أَو أحدث عَلَيْهِ حَادث ذَلِك يكْسب الْعَدو جرْأَة وسرورا والوالي حزنا وخوفا
الثَّالِث أَنه يواعد الْعَدو الماكر اللِّقَاء فِيهِ فَرُبمَا احتال فِيهِ على مَا ينَال فِيهِ غنيمَة الفرصة
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة من صون ظُهُور السُّلْطَان للعامة أَن يكون رَاكِبًا والسياسة فِيهَا فِيمَا ذكرُوا أَن لَا يتَقَدَّم النَّاس فيلقي من يرد عَلَيْهِ دون حَاجِب وَلَا يتَأَخَّر عَنْهُم فيؤذوه بغبارهم وَليكن على حد من التَّوَسُّط يكون فِيهِ من خَلفه أَكثر أَمَامه وَليكن بإزائه من رِجَاله أفهمهم ويليهم أَشَّدهم فِي أنفسهم
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ بَعضهم الْهَيْئَة الَّتِي يظْهر عَلَيْهَا للنَّاس وقار فِي غير قطوب وَبسط وَجه فِي غير ضحك
قلت تقدم مَا يُشِير إِلَى طلبه بِفعل الْوَقار امتثالا بترك الضحك اجتنابا فالوقار قَالُوا وَهُوَ من الله تَعَالَى وَمن رزقه إِيَّاه فقد وسمه بسيماء الْخَيْر وَكَثْرَة الضحك قَالَ أرسطو تذْهب الهيبة وتعجل الْهَرم
قلت وَفِي وَصَايَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأبي ذَر رضي الله عنه إياك وَكَثْرَة الضحك فَإِنَّهُ يُمِيت الْقلب وَيذْهب بِنور الْوَجْه رَوَاهُ غير وَاحِد فِي حَدِيث طَوِيل
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة تقدم عَن ابْن حزم أَن السُّلْطَان يعود إِلَى الظُّهُور
لخواصه مَا بَين صَلَاة الْعَصْر واصفرار الشَّمْس وَقد عين بعد ذَلِك مَالا يعمر بِهِ ذَلِك الْوَقْت يَجْعَل الإِمَام عشي نَهَاره إِلَى الإصفرار للجلساء ويختارهم من أهل الْعلم وَالْفضل وَالْعقل وَحسن التَّدْبِير يَخُوض مَعَهم فِي الْفِقْه وَفِي سَائِر الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَفِي مذاكرة السياسة وَالْأَخْبَار وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مَعَ أَصْحَابه ويذاكرهم ويشاورهم وَيُعلمهُم وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاء بعده
قلت وَكَذَا بعد انقلاب الْخلَافَة ملكا فِي كثير من الدول لَكِن مِنْهُم من يخص هَذَا النَّوْع الْمشَار إِلَيْهِ بِبَعْض فُصُول السّنة كَمَا عَلَيْهِ سيرة مُلُوك بني زيان بتلمسان حَتَّى الْآن
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من السِّيرَة السياسية الْبَعِيدَة المدى فِي تَرْتِيب الظُّهُور لمباشرة النّظر فِي رِعَايَة الْملك والرعايا مَا ذكرُوا أَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه كَانَ يظْهر فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمس مَرَّات فَكَانَ إِذا صلى الصُّبْح جلس للقاص حَتَّى يفرغ من قصصه ثمَّ يدْخل فَيُؤتى بمصحفه فَيقْرَأ جزءه ثمَّ يدْخل إِلَى منزله فيأمر وَينْهى ثمَّ يُصَلِّي أَربع رَكْعَات ثمَّ يخرج إِلَى مَجْلِسه فَيَأْذَن لخاصته ويحدثهم ويحدثونه وَيدخل عَلَيْهِ وزرائه فيكلمونه فِيمَا يريدونه من يومهم ثمَّ يُؤْتى بالغداء الْأَصْفَر وَهُوَ فضل عشَاء اللَّيْل من منزله جدي بَارِد أَو فروج أَو مَا يُشبههُ ثمَّ يتحدث طَويلا ثمَّ يدْخل إِلَى منزله لما أَرَادَ ثمَّ يخرج فَيَقُول يَا غُلَام أخرج الْكُرْسِيّ وَيخرج إِلَى الْمَسْجِد ويسند ظَهره إِلَى الْمَقْصُورَة وَيقوم الأحراس فَيقدم إِلَيْهِ الضَّعِيف والأعرابي وَالصَّبِيّ وَالْمَرْأَة فَيَقُول ظلمت فَيَقُول أعدوه وَيَقُول عدى عليي فَيَقُول ابْعَثُوا مَعَه وَيَقُول صنع بِي
فَيَقُول أنظروا لَهُ حَتَّى إِذا لم يبْقى أحد دخل فَجَلَسَ على السرير ثمَّ يَقُول ائذنوا للنَّاس على قدر مَنَازِلهمْ وَلَا يشغلني أحد عَن رد السَّلَام فَيُقَال كَيفَ أصبح أَمِير الْمُؤمنِينَ أدام الله بَقَاءَهُ فَيَقُول بِنِعْمَة من الله فَإِذا اسْتَووا جَلَسُوا قَالَ يَا هَؤُلَاءِ إِنَّمَا سميتم أشرافا لأنكم شرفتم من دونكم بِهَذَا الْمجْلس ارْفَعُوا إِلَيْنَا حَاجَة من لَا يصل إِلَيْنَا فَيقوم الرجل فَيَقُول اسْتشْهد فلَان فَيَقُول أفرضوا لوَلَده وَيُقَال غَابَ فلَان عَن أَهله فَيَقُول اسْتشْهد فلَان فَيَقُول واقضوا حجائجهم وَيُؤْتى بالغداء ويحضر الْكَاتِب فَيقوم عِنْد رَأسه ويتقدم الرجل فَيَقُول لَهُ إجلس على الْمَائِدَة فيجلس ويمد يَده وَيَأْكُل لقمتين أَو ثَلَاثًا وَالْكَاتِب يقْرَأ كِتَابه فيأمر فِيهِ بأَمْره فَيَقُول يَا عبد الله أعقب فَيقوم ويتقدم آخر حَتَّى يَأْتِي على أَصْحَاب الْحَوَائِج كلهم وَرُبمَا قدم عَلَيْهِ من أَصْحَاب الْحَوَائِج أَرْبَعُونَ أَو نحوهم على قدر الْغَدَاء ثمَّ يرفع الْغَدَاء وَيُقَال للنَّاس أجيزوا وينصرف النَّاس وَيدخل منزله فَلَا يطْمع فِيهِ طامع حَتَّى يُنَادي بِالظّهْرِ فَيخرج فَيصَلي ثمَّ يدْخل فَيصَلي أَربع رَكْعَات ثمَّ يجلس فَيَأْذَن لخاصة الْخَاصَّة فَإِن كَانَ الْوَقْت شتاء أَتَاهُم بزاد الْحَاج من الأخبصة الْيَابِسَة والخشكنانج والقراص المعجونة بالسكر وَاللَّبن من دَقِيق السميد والكعك المسمن والفواكه الْيَابِسَة وَإِن كَانَ الصَّيف أَتَاهُم بالفواكه الرّطبَة وَيدخل إِلَيْهِ وزراؤه فيؤمرونه فِيمَا احتاجوا إِلَيْهِ بَقِيَّة يومهم وَيجْلس إِلَى الْعَصْر ثمَّ يخرج فَيصَلي الْعَصْر
ثمَّ يدْخل منزله فَلَا يطْمع فِي طامع حَتَّى إِذا كَانَ فِي أخر وَقت الْعَصْر خرج فَجَلَسَ على سَرِيره وَيُؤذن للنَّاس على قدر مَنَازِلهمْ فؤتي بالعشاء فيفرغ مِنْهَا على مِقْدَار مَا يُنَادي بالمغرب فَيخرج وَيُصلي ثمَّ يُصَلِّي بعْدهَا أَربع رَكْعَات فَيقْرَأ فِي كل رَكْعَة خمسين آيَة يجْهر تَارَة ويخافت أُخْرَى ثمَّ يدْخل منزله فَلَا يطْمع فِيهِ طامع حَتَّى يُنَادي بالعشاء الْآخِرَة فَيخرج